تحت المجهرموفق الخطابعبارة الموصل القشة التي قصمت ظهر البعيرفجعت الموصل الحدباء مجددا مع انطلاق إحتفالات أعياد نوروز بحادث أليم هز العراق والعالم في وقت لم تستفق بعد تلك المدينة المنسية التي ضربها الإرهاب وتكالبت عليها قوى الشر العالمي من نكباتها المتتالية ..فلقد تناثرت عشرات الجثث من الضحايا جلهم من النساء والأطفال في عرض نهر دجلة وفي قعره وعلى ضفتيه نتيجة لغرق عبارة متهالكة خارجة عن الخدمة تقوم بنقل العوائل من منطقة الغابات في المدينة الى جزيرة وكازينو في الضفة الثانية منه ،وكان على متنها ما يزيد عن 200 ضحية دون ان يتوافر فيها أي شرط من شروط السلامة النهرية !ولقد ذهب جراء هذا الحادث المروع ما يربو عن مائة شهيد لحين ساعة إعداد هذا المقال، والعدد في تزايد مستمر...وما زالت تلك المدينة المنكوبة يعمها الفوضى و الموت والدمار بعد مرور عامين على طرد تنظيم داعش منها.لقد تركت أمريكا اللعينة والتحالف الدولي والحكومة العراقية بتعمد تلك المدينة والتي تعتبر اكبر مدينة عراقية بعد بغداد العاصمة مدمرة خاوية على عروشها وأهملت حتى مئات الجثث من المدنيين متفسخة تحت أنقاضها بعد أن دكوها وقلبوا عاليها سافلها غير آبهين بمصير سكانها الذين يربو تعدادهم عن ثلاثة ملايين نسمة!وغدت مدينة أشباح لا تصلح للحياة تماما بسبب تدمير وتهالك البنى التحتية والرعاية الصحية والتلوث البيئي العالي المستوى وإنتشار المليشيات والانفلات الأمني والفساد المستشري فيها فضلا عن البطالة والركود الاقتصادي..وفوق كل ذلك إحجام الحكومة العراقية عن اعادة تأهيلها و إعمارها ، فلقد ابخستها حقها عندما تعمدت بتخصيص مبلغ من الميزانية الإتحادية مخجلا لايكاد يكفي لسد احتياجات العمل البلدي فيها...والأمر بات مفضوحا فالحكومة العراقية بميزانيتها الفلكية لا تريد أن تخصص دينار واحدا لإعادة إعمارها ، والدول المانحة والهيئات الدولية والمنظمات المختلفة احجمت وهي غير مستعدة للمباشرة في إعمارها ،لانهم يعلمون يقينا أن المليارات المتدفقة ستذهب في جيبوب المسؤولين والمليشيات ، ولهذا السبب اكتفت تلك المنظمات وخاصة ال UNDP بتنفيذ مشاريع معدودة اغلبها تركزت في اعادة تأهيل بعض المدارس والدوائر الحكومية وتصليح الشبكات الكهربائية وبشكل لا يلبي الحاجة ، أما ما نشاهده من عودة الحياة في بعض أحيائها فهو بمجهود وتمويل شعبي لا فضل لأحد فيه ..أما بالنسبة لجسورها الرئيسية فما زالت دعاماتها غارزة في نهر دجلة كذلك مطارها الوحيد المدمر وانعدام الخدمات الصحية بشكل كامل بعد ان تم دك جميع مستشفياتها ،فضلا عن تركهم تأهيل المدينة القديمة بأسواقها ومتاجرها ومنارتها الشهيرة ، وترك عشرات الآلاف من المشردين والنازحين في الخيام وعدم دفع التعويضات للمتضررين منهم والذين أبيدت منازلهم ، فالكل قد اشاح بوجهه عنهم واصبح أمرهم ككرة النار يتقاذفها الجميع ..وذلك الأمر ليس مقتصرا على الموصل المنكوبة فحسب بل هي حالة مستشرية في جميع انحاء العراق فلم يعمر فيه شيئا يذكر منذ احتلاله سوى مشاريع استثمارية لا تخدم المواطن بقدر استنزافه..وهذا امر طبيعي طالما أن المناصب تباع وتشترى في العراق بعشرات ومئات الملايين من الدولارات وهي حكرا على الاحزاب المتنفذة والمليشيات المنفلته ، وإن تم تنفيذ اي مشروع في اي مكان من العراق فيتم تنفيذه بأرداء المواصفات وبأضعاف مضاعفة من كلفته الحقيقية.! فالمشروع الذي كلفته على سبيل المثال 10 مليون دولار تراه يكلف الميزانية 150 مليون دولار وربما أكثر وهو عبارة عن حصص للمسؤولين والاحزاب والمليشيات ، علما ان الذي يرضى بهذا النهج من المقاولين والشركات هم كذلك من الفاسدين ، فهمهم الوحيد هو جني الارباح دون الإلتفات لجودة العمل ،وهكذا دواليك فالبلد داخل في منظومة فساد كبيرة وغدا دولة عميقة من الفساد يصعب اصلاحها دون اجتثاث . ويصعب معها تأهيل العراق واعادته كدولة ذات سيادة ومدنية كباقي الدول في ظل اكثر الدول فسادا وتخلفا وفوضى والذي لا يستحق معها للأسف ان يطلق عليه دولة ، بدءا من أعلى الرؤوس نزولا الى اصغر موظف فيه ..والامثلة والشواهد على الفساد و رداءة التأهيل والإعمار في أي مرفق خدمي في العراق اكثر من ان يحصى..فها هي الكهرباء ما زالت شحيحة والبصرة تعاني العطش ،والجسور الثانوية لمدينة الموصل التي تم قصفها من قبل قوات التحالف وتم اعمارها من قبل الشركات العراقية وبإشراف الحكومة المحلية ومحافظها تجرفها مياه الامطار لتتقطع اوصال المدينة من جديد !!فماالذي جنته تلك المدينة وأهلها ليتم التعامل معهم بهذه الوحشية والتمييز ؟؟أما يكفيهم ما قاسوه من جور المجرم المالكي في طائفيته المقيتة ،ثم تجويعهم وحصارهم ، وإرهاب وظلم داعش لهم ثم اقدام التحالف على دك مدينتهم ؟؟ وبعدها تخلي العالم عنهم وتعمد حكومة السيد عادل عبد المهدي اهمالهم والاستمرار في خنقهم وضعفه الواضح في بسط الأمن فيها وعجزه عن محاسبة المفسدين وعزلهم وتركها تقاسي الأمرين ؟؟ ملف الموصل اليوم سادتي بات مطروحا بقوة من جديد للتناوله بجدي جميع الاطراف ، فالجميع يتحمل مسؤولية اعادة هذه المدينة العريقة الى مكانتها بدءا من الحكومة العراقية وكذلك القادة والزعماء العرب والأمم المتحدة والتحالف الدولي وقبلهم أمريكا المسؤولة أولا وأخيرا عما حل بالعراق عموما والموصل خصوصا . ولعل صيحات الاستغاثة التي ضجت بها مآذن الموصل وقرع أجراس الكنائس قد تسمع من كان في أذنيه صمم ..الرحمة والرضوان لشهداء الموصل المنكوبة والصبر لدجلة الخير الذي شهد أعظم مصيبة حلت به منذ جريانه ..
مشاركة :