حققت الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص في «أبوظبي 2019»، نجاحات على الصعد كافة بشهادة المتابعين حول العالم، ليتردد صداها على المستوى الدولي، وتحقق مكاسب عديدة، سيكون لها أثرها البالغ، سواء الوقت الحالي، أو السنوات المقبلة، من خلال ما قدمه الحدث من نقلة هائلة تجاه «أصحاب الهمم». وواكب الأولمبياد العالمي التحديات والتطلعات للرياضيين من ذوي الإرادة الحديدية، في جميع أنحاء العالم، ومثل جسر تواصل للدولة، لتأكيد مكانتها بأنها بيئة حاضنة لجميع فئات المجتمع، وتحديداً أن تكون موقعاً استراتيجياً رياضياً بامتياز، وأن تجعل الرياضة أسلوب حياة في مجتمعها. وواصلت الإمارات تألقها الذي تعرفه عاماً بعد عام، باستضافتها الأحداث الرياضية الكبيرة، ونجحت مجدداً في مساعيها، لأن تكون الأولى في المجالات كافة على مستوى العالم، خصوصاً أن الإمارات حجزت مكانها بين واحدة من أبرز الدول العالمية في المجال الرياضي، لاستضافتها العديد من الأحداث والفعاليات الرياضية لتحقق نقلة كبيرة في الألعاب العالمية الأولمبياد الخاص من بوابة الإنسانية أيضاً، ونستعرض أبرز المكاسب: رسالة التسامح الإماراتية للعالم أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2019 في الإمارات عاماً للتسامح، ليأتي الحدث العالمي وينجح في إيصال رسالة التسامح الإماراتية للعالم بأجمعه، وهو ما تجلى في حفل الافتتاح المعبر والرائع، إلى جانب الفعاليات التي ضمت أكثر من 7500 رياضي من 200 دولة تجمعوا في الإمارات التي ظهرت بأبهى صورة لها عاصمة عالمية للتسامح. وأسهم الحدث في ترسيخ قيمة التسامح بوصفها عملاً مؤسسياً مستداماً، من خلال مجموعة من التشريعات والسياسات الهادفة إلى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة بما تنعكس آثاره الإيجابية على المجتمع بصورة عامة. ونجح الحدث في تعزيز المحاور الرئيسية الخمسة لعام التسامح، من خلال تعميق قيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب في المجتمع، من خلال التركيز على قيم التسامح لدى الأجيال الجديدة، إلى جانب تعزيز التسامح الثقافي والديني والاجتماعي، إلى جانب ترسيخ مبدأ تقبل الآخر دون اختلاف. التنوع والتكاتف في المجتمع تجلى الحدث بأبهى صوره في إبراز التنوع والتكاتف في المجتمع المقيم على أرض الدولة، حيث تتواجد أكثر من 200 جنسية، وهو ما انعكس على حجم الإقبال الكبير من مختلف الجنسيات للمشاركة في برامج التطوع، حتى زاد عدد المتطوعين عن 20 ألفاً، إلى جانب حضور مختلف الجنسيات على المدرجات والتفاعل مع المنتخبات المشاركة من بلادهم، وهي الميزة التي تنفرد بها الدولة، بكونها تجمع هذا العدد من الجنسيات المختلفة التي تعيش معاً بسلام ووئام في «دار زايد». وأسهم الحدث في جمع فئات المجتمع كلها معاً بداية من حفل الافتتاح التي دخلت فيه الوفود من دول العالم، وفعاليات الحدث الذي تنوعت فيه المسابقات البالغ عددها 24، ونجح في جذب المجتمع للتفاعل معها والتعرف على أبطالهم المشاركين وتحفيزهم والتصفيق معاً لكل من وصل خط النهاية بغض النظر عن جنسيته إيماناً أن الجميع فائز. دفعة للمراكز والأندية تلقت مراكز وأندية أصحاب الهمم دفعة هائلة، بسبب تنظيم هذا الحدث العالمي الذي أدى لمضاعفة عجلة العمل فيها، وجعلها تقطع خطوات قياسية خلال هذه الفترة، وأسهم الحدث في منح المراكز والأندية ترويجاً كبيراً على مستوى الدولة، إلى جانب تعرف المجتمع عليهم عن كثب ومعرفة الخدمات التي يقدمونها وكيفية دعمها أو الاستفادة منها، وهي الأندية والمراكز التي تعمل منذ سنوات طويلة وتسعى لاستغلال طاقات ومهارات أصحاب الهمم، وقامت الأندية والمراكز بجلب مدربين من أصحاب الخبرات، وهي تنتشر في جميع مناطق الدولة. ولعل أبرز ما تحقق إنما هو نتاج إعادة هيكلة الأولمبياد الخاص الإماراتي عام 2017، الذي تحول إلى منظمة مستقلة مشهرة من وزارة تنمية المجتمع، وهو ما تمخض عنه لاحقاً الحدث العالمي الكبير الذي يؤدي إلى مواصلة مسيرة الخير والعطاء ودعم جهود المراكز والأندية الخاصة بأصحاب الهمم. تطوير مستويات الرياضيين أحد المكاسب المهمة من الحدث العالمي هو تطوير مستويات رياضيينا من أصحاب الهمم الذين نالوا برنامجاً مكثفاً لفترة طويلة سبقت الألعاب الإقليمية التي أقيمت العام الماضي في أبوظبي، واستمرت طوال العالم الماضي، وهو ما انعكس على الأداء والنتائج المتحققة إلى جانب المشاركة في كافة الألعاب الـ 24 من رياضيي الإمارات. ولطالما حظيت منتخبات أصحاب الهمم بالدعم وشاركت خارجياً، لكن الأمر مختلف مع إقامة هذا الحدث على أرض الوطن، حيث تحققت العديد من النتائج الإيجابية الإضافية التي حركتها الطاقة الممزوجة بالمشاعر والشحن المعنوي الإيجابي، كما شكلت الألعاب قاعدة لبناء منتخبات أصحاب الهمم على المدى الطويل من خلال إشراك أعداد كبيرة من اللاعبين واللاعبات صغار السن ليكونوا نواة استمرارية لهم في المستقبل. نماذج عائلات متفانية وملهمة قدمت لنا «عالمية أبوظبي» نماذج لعائلات إماراتية تقوم بجهود جبارة خلف الظل، وتحولت في المنافسات إلى مصدر للإلهام والتفاني لبقية فئات المجتمع، فهذه العائلات التي ساندت لاعبيها المشاركين قدموا أقصى طاقتهم على مدار سنوات طويلة لدعم وتشجيع وتقديم النصيحة لأبنائهم من أصحاب الهمم، وكانوا دائماً أصحاب السبق في التواجد في المحافل الرياضية المختلفة ضاربين المثل للجميع بكيفية الاهتمام بأبنائهم الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، إلى جانب كيفية تشجيعهم لهم لممارسة الرياضة، نظراً لدورها في إحداث التغيير في حياتهم، فكانوا النموذج والقدوة لجميع أفراد المجتمع في الدولة والوطن العربي وحتى العالم. رفع مستوى الوعي عربياً تصدت الإمارات بشجاعة، لتكون أول دول عربية على مستوي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تنظم هذا الحدث العالمي، الذي يعد أكثر من مجرد منافسات رياضية ويتخطى ذلك ليكون رسالة مجتمعية وإنسانية وصل صداها إلى المجتمعات العربية بصورة أكبر هذه المرة نظراً لقرب الحدث منهم. وأسهم الحدث في رفع مستوى الوعي على الصعيد العربي بالأولمبياد الخاص والإعاقات الذهنية وأصحاب الهمم عموماً، وكيفية التعامل معهم وتشجيعهم لممارسة النشاط الرياضي بوصفه وسيلة قادرة على استثمار طاقاتهم بالشكل الصحيح. ولعل أبرز الفوائد المتحققة رياضياً للدول العربية هو قرب المسافة هذه المرة وتشابه الثقافة، بما شجع العائلات على إشراك أبنائهم في الحدث العالمي في أبوظبي، إلى جانب زيادة الاعتماد على الطواقم الإدارية والتحكيمية من الدول العربية ممن اكتسبوا خبرات مضاعفة بفضل هذا الأولمبياد العالمي. التشجيع على ممارسة الرياضة وفرت الألعاب العالمية قاعدة مهمة للترويج لممارسة الرياضة، وأثبتت أن أصحاب الهمم قادرون على لعب أي رياضة في حال تم توفير البيئة المناسبة لهم، من خلال التطبيق على أرض الواقع. وأسهمت الألعاب العالمية في جذب المزيد من أصحاب الهمم الذين قاموا أولياء أمورهم بالاستفسار عن كيفية تسجيلهم في المراكز والأندية المتخصصة، أو عبر تدريبهم ذاتياً، خصوصاً أن الأنشطة البدنية والرياضية تؤدي إلى تحسين اللياقة البدنية والصحية العامة للأشخاص من أصحاب الهمم، وفي تنمية التوافقات العضلية العصبية، ومن ثم تحسين الكفاءة الحركية لديهم، كما تساعد الأنشطة البدنية والرياضية على رفع مستوى تركيزهم والانتباه ورفع قدرتهم على التخيل والتذكر، وغيرها من الجوانب أبرزها التخلص من العزلة وتحويل الطاقة العدوانية إلى طاقة إيجابية. كما أن الألعاب قدمت دليلاً ملموساً للعائلات حول كيفية استثمار وقت الفراغ بأنشطة تعود عليهم بالفائدة والحياة الاجتماعية، وإشباع ميولهم للفاعلية والحركة والنشاط، مع الانتباه إلى الحالة الصحية العامة والعمل على تحقيق الذات لديهم، إلى جانب تنمية السلوك التعاوني وحب الانتماء للجماعة والتحلي بالصفات الأخلاقية الحميدة، والأهم هو النمو المتزن لجميع أجزاء الجسم، وتدريب العضلات الكبيرة والدقيقة والحواس والقدرة على استخدامها. إبراز المنشآت والمرافق الفريدة أسهم الحدث في الترويج للمنشآت السياحية والعمرانية والرياضية وغيرها العديد من المواقع، وذلك من خلال جولة شعلة الأمل التي طافت مختلف مناطق الدولة، وبرنامج المدن المستضيفة الذي تم اصطحاب الوفود المشاركة في الحدث للتعرف على أماكن مختلفة، وتناقل صور هذه المواقع عبر وكالات الأنباء العالمية وحسابات التواصل الاجتماعي وشاشات التلفاز، وأكد الحدث أن الإمارات تتميز أيضاً بمنشآتها الرياضية. إثراء الملف الحافل بالفعاليات العالمية يحظى القطاع الرياضي في الدولة برعاية لا محدودة من القيادة الرشيدة، وقد أكد برنامج الحكومة الاتحادية الذي اعتمدته القيادة الرشيدة على أن تعمل الحكومة لجعل الرياضة أسلوب حياة، وذلك من خلال دعم الشباب والرياضيين والأهم استضافة أكبر وأهم الأحداث الرياضية العالمية سنوياً. وأسهم دعم القيادة الرشيدة ورعايتها اللامحدودة في جعل الدولة الوجهة المفضلة لاستضافة وتنظيم البطولات العالمية في مختلف الرياضات، حيث تتضمن الأجندة الرياضية بطولات عالمية متتالية ومتنوعة على مدار العام، وتتوافر كل عوامل النجاح من منشآت رياضية وسياحية فريدة، ووسائل اتصال ومواصلات حديثة، وكذلك توفر الخبرات التنظيمية التي أثبتت جدارتها وكفاءتها في جميع الميادين. بروفة ناجحة قبل «إكسبو 2020» تعد الألعاب العالمية البروفة الأكبر والأهم، مع بدء العد التنازلي لاستضافة «إكسبو 2020»، ورغم أن الحدث تمخض في جانب رياضي ومجتمعي، والحدث المقبل مرتبط بالجانب الاقتصادي، فإن كلاهما يتشاركان الحضور لأعداد كبيرة من الوفود من جنسيات متعددة، وقياس مدى الجاهزية للتعامل مع هذه الظروف، وإن كانت تمتد لفترة أطول في الحدث المقبل، حيث حصدت الإمارات النجاح في الألعاب العالمية، لتؤكد أنها جاهزة لاستضافة وتنظيم أي حدث.
مشاركة :