قراءة في آيـة (3) ..الجهاد والقتال

  • 3/23/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بـ(اقرأ) تصدعت جدران حراء، وبـ(اقرأ) تزلزل وعي محمد، وبها تحديدًا عاد مرتعشًا يستنجد بخديجة بالتزميل والتدثير، لكن ورقة أول من وعى أبعاد اقرأ فوصفه بالناموس، اقرأ هي بشارة بصيغة أمر، هي بشارة لأن بين حروفها الأربعة القوة والتمكين، وبين ثناياها المستقبل بكل أبعاده، ومن خلالها تأخذ الأمة مكانها بين الأمم وتحجز مكانها الفريد تحت الشمس، وتجسدت كل تلك المعاني في فترة من الزمن أثناء مسيرة الأمة، ثم ما فتِئت تفقد امتيازها بهجرها للقراءة، وتشبثت بالتلاوة من دون القراءة، وشتان بين الاثنتين، هذا القول النازف وهذه الكلمات المجروحة ما هي إلا امتداد للسؤال المطروح في المقال السابق عن مصدر الفهم الخاطئ لمفهوم الإرهاب وهو سؤال يفرض حضوره بقوة أكبر، وبألم أشد مضاضة من سالفه حول مفهوم الجهاد والقتال قرآنيا، وكيف تعاطى معه نفر منا وحرفوه عن وجهته التي لو استمسكوا بالقراءة كأمر إلهي به افتتح الله رسالته لما انزلقوا لتلك المزالق. التباس مخيف ومرعب يحيط بنفوسنا نتيجة الخلط بين مفردات ذات حساسية بالغة، كالجهاد والقتال والقتل والحرب، وإنها لمن أعظم القُربات إلى الله محاولة فك الاشتباك بين تلك المفردات القرآنية، ولأكثر من مرة نكرر أنها ليست أكثر من محاولة، فعندما قال بعض اللغويين إن «الألف» في الجهاد زائدة وأن أصل الجهاد هو الجهد، متغافلين عن أن هذه «الألف» هي «ألف» المشاركة وليست زائدة، حالها كحال الخصام، فهل يوجد خصام من طرف واحد، فالخصام مشاركة بين طرفين، بدلالة هذه «الألف» ألف المشاركة، وهذا ينطبق على القتال، فإذا سلمنا بأنها ألف زائدة فتصبح قتل، ولله در من لا يُدرك الفرق بين القتال والقتل، ومن هنا جاء في البداية والنهاية «الجهاد فريضة يجب القيام بها أحصل من الكفار اعتداء أم لم يحصل؟» أدخلنا ابن كثير مرغمين على المقارنة بين هذا التعريف بشري المصدر وبين آيات الذكر الحكيم التي تحدد لنا قواعد الجهاد يقول تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) 190 البقرة، سنخرج من دائرة الحب الإلهي إن نحن بادرنا بقتال الآخر المخالف لنا في الدين لأنه اعتداء وسبحانه لا يُحب المُعتدين، والقاعدة الثانية هي الإخراج من الديار، (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) وما أجدرنا بتأمل نهاية الآيتين السابقتين. سيعمد البعض إلى القول بأن هذا منسوخ بآية السيف، وإن لم تخني الذاكرة بأن آية السيف نسخت مائة وعشرين آية من القرآن!! بمعنى نسخ كل آيات الحكمة والموعظة الحسنة والرحمة!!! فإذا كان كذلك فلماذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوصي قادة الجيوش بأن يكون القتال آخر الخيارات بعد الإسلام والجزية؟ وما دلالة اللاءات التي كان يوصي القادة العسكريين بها؟، لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا راهبًا ولا تقطعوا شجرة، حتى الشجر شمله برحمته عليه الصلاة والسلام، ونترك للقارئ حرية البحث والاستزادة. من الضرورة بمكان إلقاء الضوء على «سبيل الله» المرتبطة بالجهاد، ففي اللغة كلمة سبيل تعني الطريق والمنهج، وقد يكون منهج خير وقد لا يكون كذلك، غاية ما يهمنا كيفية ورودها في الكتاب الكريم، ففي معنى الطريق نجده في الآية 63 من سورة الكهف «واتخذ سبيله في البحر عجبًا»، أما بمعنى الطريقة والمنهجية فنجده في قوله تعالى في الآية 125 النحل (وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) أي ضمن طريق الله ووفقًا لمنهجه سبحانه وتعالى وعند تتبع «في سبيل الله» نجدها وردت سبعين مرة في الكتاب الكريم، مقترنة بمواضيع شتى منها القتال والجهاد والهجرة والإنفاق، والناظر إليها يجدها ملتفة كلها حول المعنى السابق ولا تخرج عنه وهو المنهج الذي أراده الله، فمثلاً كيف يكون الإنفاق «في سبيل الله» إنْ لم يكن وفق الرؤية الإلهية من حيث الحِلة في الكسب والبراءة من المَنْ والأذى. ومما يتعلق بموضوع السبيل وذو صلة وثيقة بالجهاد كما ورد في بعض الأسفار هو «الضرب في سبيل الله» فلنستعرض الآية الرابعة والتسعين من سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا) الضرب هنا السير سريعًا لأهداف عدة منها التجارة والعلم وأضاف البعض إلى الجهاد أيضًا، ويأتي الضرب على معانٍ كثيرة غير السفر منها الإمساك «أفنضرب عنكم الذكر صفحًا» ويأتي بمعنى اللصوق واللزوم «ضُربت عليهم الذلة»، ومن معاني الضرب الجعل «...فاضرب لهم طريقا في البحر يبسًا» وكذلك بمعنى الوضع «وليضربن بخمرهن» ومن معاني الضرب المنع «فضربنا على آذانهم» وكذلك ضرب الأمثال «وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه» كل تلك الشواهد لا جدال حولها، إنما بالعودة إلى الآية السابقة «يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله» فإن وجود (إذا) يدعم الرأي القائل بأن الضرب لا يُقصد به الجهاد، على اعتبار أنّ ما بعد ( إذا) هو حتمي الحدوث، والجهاد ليس حتمي الحدوث، فهو استثناء ضمن معطيات وظروف خاصة بينما الضرب بمعنى السفر لأغراض العلم والتجارة هو الأصل لا سيما أنها تحدث في ظروف السلم والأمن، وهذا هو الشائع وهو القاعدة وهو من ضرورات الحياة كما للدول والأمم وهذا ما يسنده الواقع الذي نعيشه. ومما يُؤسف له للأفراد أن نجد في كثير من كتب التراث مصطلح «غزوات الرسول» كما كانت تُطلق على غزوات القبائل العربية فيما بينها والتي لا هدف لها إلا النهب والسلب، بينما كل التحركات العسكرية النبوية دفاعية بحتة لذا من الأنسب تسميتها بمعارك الرسول وليست غزواته، حتى في اللسان العربي للغزو معنى سلبي وهو «السير إلى قتل الآخر وانتهابه» فهل جاءت الرسالة المحمدية لتنهب وتسلب أقوات الناس؟! من أجل هذا الاعتقاد الذي نعتقده قلنا في بداية المقال إن القراءة هي بُشرى للأمة لتسير على هدى (أفمن يمشي مُكبًا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويًا على صراط مستقيم)، وأما موضوع القتال فلم يتسع له المقام هنا فليكن بعد مشيئة الله عنوان المقال القادم.

مشاركة :