يواجه رجل الأعمال البارز علي حداد، أحد حلفاء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة القلائل الباقين معه في مواجهة الاحتجاجات الحاشدة، ضغوطاً للاستقالة من رئاسة أكبر جمعية لرجال الأعمال، في خطوة ستسهم في مزيد من إضعاف رئيس البلاد المحاط أصلاً بأزمات كثيرة ومتعددة.فقد تخلى حلفاء استراتيجيون قدامى عن بوتفليقة، بدءاً من أعضاء في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، وحتى أعضاء النقابات، وهو ما تسبب في تآكل نخبته الحاكمة.وكان الرئيس البالغ من العمر 82 عاماً يعتمد أيضاً على شخصيات قوية، مثل علي حداد الذي جمع مليارات من مشاريع الأشغال العامة، التي تمنحها الحكومة والاستثمارات في وسائل الإعلام. كما موّل حداد حملات بوتفليقة الانتخابية، وترأس منتدى رؤساء المؤسسات، وهي جمعية أعمال كبرى يؤيد قادتها الرئيس منذ فترة طويلة.كما استقال كثير من أعضاء المنتدى بعدما أداروا ظهورهم لبوتفليقة منذ بدء الاحتجاجات في 22 فبراير (شباط) الماضي. وفي هذا السياق، قال العيد بن عمر، نائب رئيس المنتدى السابق، الذي استقال من منصبه بعد بدء المظاهرات: «توجد أصوات داخل منتدى رؤساء المؤسسات، دعت علانية إلى جمعية عمومية غير عادية لاختيار بديل لعلي حداد»، مبرراً ذلك بكونه «مرتبطاً اليوم بالمحسوبية والمحاباة. والمنتدى يجب أن يعود إلى هدفه الأصلي لاستعادة المصداقية».ووصف رجل أعمال ثانٍ حداد بأنه أحد رموز نظام بوتفليقة، وقال لوكالة «رويترز» للأنباء: «لن يحدث تغيير حقيقي إذا رحل بوتفليقة وظل حداد... يجب أن يرحل». ولم يتسنَّ على الفور الحصول على تعليق من منتدى رؤساء المؤسسات.ورضخ بوتفليقة، الذي نادراً ما ظهر في مناسبات عامة منذ إصابته بجلطة قبل 5 سنوات، لمطالب المحتجين الأسبوع الماضي، وتراجع عن الترشح لولاية رئاسية خامسة.لكنه لم يتنازل عن المنصب، وقال إنه سيبقى في الحكم حتى يتم إقرار دستور جديد، وهو ما يعني فعلياً تمديد فترة ولايته الحالية. لكن هذه الخطوة لم ترضِ الجزائريين الذين يريدون أن يتنحى المحاربون القدامى، الذين خاضوا حرب الاستقلال عن فرنسا، ويهيمنون على البلاد، حتى يتمكن جيل جديد من القادة من توفير وظائف، ومكافحة الفساد وإتاحة مزيد من الحريات.يقول هيو روبرتس، أستاذ تاريخ شمال أفريقيا والشرق الأوسط بجامعة تافتس: «معسكر بوتفليقة لم يقدم تنازلاً حقيقياً. فهم يسعون لتمديد ولاية بوتفليقة لأجل غير مسمى. وهذا لا يحظى بشعبية على الإطلاق».لكن حتى لو تنحى بوتفليقة، فقد يواجه الجزائريون أزمة جديدة، إذ لا يوجد خليفة واضح حصل على دعم الجيش دون سن 70 عاماً. والمقياس الرئيسي للتغيير الحقيقي هو مدى تفكيك النظام السياسي القديم. ولذلك يصر المحتجون على الانفصال التام عن الماضي.وبنى بوتفليقة ودائرته المقربة شبكة متعددة المستويات من السلطة على مر السنين، تشمل الجيش الذي ينظم السياسة في كثير من الأحيان من وراء الكواليس. وقد نقل تلفزيون النهار عن معاذ بوشارب، القيادي بحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، قوله أول من أمس، إن الحزب يثمن قرارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مؤكداً التزام الحزب أخلاقياً وسياسياً وفكرياً بهذه القرارات. فيما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أن الحزب انحاز يوم الأربعاء للمحتجين بعد اجتماع كبار قادته.أما الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، فقد ألقى بثقله يوم الأربعاء وراء المحتجين، وقال إنهم عبروا عن «مقاصد نبيلة». وفي هذا السياق قال روبرتس: «ما دامت الأمور هادئة فسيبتعد الجيش (عن التدخل) لفترة. هو يراقب الوضع»، مضيفاً أنه «من الممكن تماماً وجود نقاش جاد حالياً داخل قيادة الجيش العليا. بمعنى أنه يتعين حل ذلك (الأزمة) قبل أن يتصرف الجيش بحسم».أما الإسلاميون المتشددون فلن يلعبوا أي دور على الأرجح إذا اضطر بوتفليقة للرحيل، لأن الجيش لن يسمح بذلك. لكن الإسلاميين المعتدلين قد يشاركون في مشهد سياسي جديد.وفي حين أظهر بوتفليقة براعة في البقاء على الساحة السياسية لسنوات بانتزاعه السلطة من الجهاز الأمني القوي، فموقفه السياسي يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، مع تخلي حلفائه عنه.
مشاركة :