ليس عيبا أن تجد نفسك بعد سن الرشد خارج النسق الإجتماعي المعتدل دينيا وتربويا لأن وجودك في هذه الحيّز من حياتك لاتتحمل مسؤوليته أنت على إعتبار أنه كان نتيجة لظروف تربوية معينة كانت من صنع غيرك ولا دخل لك فيها، يؤكد ذلك قول الرسول – صَل الله عليه وسلم – “ما من مولود إلا يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” ولَم يقل يمسلمانه والذي يُفهم من نص هذا الحديث أن كل بني آدم مفطورين على الإسلام في الكون كله ، ولابأس من إسقاط هذا الحديث الشريف على التربية في الصغر ولذلك ينشأ أي طفل في هذه الدنيا وهو محاط بثلاث جهات تربوية:- الوالدان ، المدرسة، المجتمع، يتلقى التعليم منهم وفيهم مُذ الولادة بلا أخطاء متعمدة منه إلى أن يصل سن “الحادية عشر ” ثم تبدأ بعد هذا السن مرحلة التطلع لفهم ماحوله من أشياء فتكثُر اخطائه الذاتية لإعتماد الطفل فيها على حب التجربة ، فوجود الموجه المعتدل سواء كان أباً لطيفاً أو مربياً حصيفاً، مهم جدا في هذه المرحلة ليتجاوز الفتى مرحلة المراهقة بأمانٍ نفسي وينشأ على السلوك القويم الذي اعتاد عليه من مربيه. يقول الشاعر:–“وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده ابوه” وهذا دليل تأثير التربية على السلوك فإن كانت التنشئة أدنى من المأمول تربوياً فيلزم كل من تجاوز سن الرشد وهو يجد في تربيته شيء من الأخطاء أن يسعى لتصحيحها ذاتياً لقوله تعالى “بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ” أي أن الإنسان في حالة الرشد مسؤولاً عن نفسه مسؤولية كاملة وبناءً عليه سيكون إما حجة لها ، أمام الله والمجتمع أو حجة عليها، لإدراكه لجوانب القصور في حياته وتعامل معها بالتجاهل بالإضافة إلى أن الله أعطى الإنسان القدرة على التحكم في زمام نفسه بإرادته العقلية رغم أنه سيجد ثمة أشياء يصعب تتغيرها كالمبادئ والقيم الخاطئة، حتى ولو أن بعضها يبدو تافهاً ، لكن البدء بتغييرها بعزيمة جادة سيتمكن كل أحد – بإذن الله – من إعادة صياغة نفسه ونقلها من الطباع السيئة إلى الطباع الحسنة بجرأةٍ وذكاء ، بشرط أن لا يضمُر في نفسه مشاعر الغضب ممن لم يكن موفقا في تنشئته على النهج التربوي السليم بل عليه إلتزام التعامل بهدوء نفسي عند الإنتقال من حالٍ إلى حالٍ أفضل ، فالله عز وجل كان قادرا على خلق السموات والأرض “بكن فيكون” لكنه سبحانه خلقها في “ستة ايّام” حتى نتعلم منه سبحانه حكمة التدرج وعدم الإستعجال في صنع الأشياء ماديا أو معنويا لأنفسنا أو للغير وإن لم يبدأ الفرد بعد أن يشتد عوده بالعمل على تطوير ذاته من حالٍ إلى حالٍ أصوب بالدين والخلق وحسن التعامل فلن يستطيع احدا من العالمين القيام بذلك نيابة عنه ، يقول المتنبي :- “وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً *كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ” ومن وجد أن تنشئته كانت معتدلة وحسنة فليحمد الله ولا يتصرف بغرور وكأنه الأمثل في هذه الحياة وإنما عليه شكر الله دوما على أن وفقه للإعتدال في التربية ليبلغ بالشكر المزيد من التوفيق لقوله تعالى “لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ”. ——————————— تلويحة :->الإنهزام المعنوي هو: عدم قدرتك على تغيير ذاتك للأحسن وأنت قادر .!
مشاركة :