كل الوطن، أسامة الفيصل، بيروت: هل بات الإنسان رخيصا إلى درجة لا يستطيع فيها الفقير إدخال ابنه أو ابنته إلى المستشفى قبل دفع التأمين؟ هل يدرك الكثيرون أن عددًا لا بأس به من الأطفال قضوا على أبواب المستشفيات وذنبهم الوحيد أن آباءهم فقراء ولا يملكون مال التأمين للمستشفى؟ ومن لصرخات الآباء الذين صرخوا بأعلى أصواتهم: من ينقذ أطفالنا؟ توفّوا على أبواب المستشفيات قضية الاستشفاء في عكار شمال لبنان، قضية مزمنة وملحة وعمرها من عمر نشوء المستشفيات الخاصة والتي يصفها أهل عكار بأنها تجارية، فقد توفيت أسيل أسعد (ثلاث سنوات) على أبواب المستشفى، تبعتها المواطنة أمينة الاكومي (36 عاماً) من بلدة الحويش وهي تتنقل بين مستشفى رحال ومستشفى اليوسف، ماتت امينة بسبب رفض هاتين المستشفيين ادخالها ومعالجتها، والسبب فقر حال عائلتها، ومنذ يومين توفي الطفل ابن الاشهر الاربعة عبد الرؤوف منير الحولي الذي تنقل به والده بين مستشفى اليوسف ومستشفى رحال ولم يجد له سريرا في المستشفيين بحجة ان كل الأسرّة محجوزة.. وبالأمس توفيت الطفلة انعام عيد ابنة الست سنوات على ابواب مستشفى رحال، بينما كان والدها منشغلا باقناع ادارة الصندوق بادخال ابنته وعلاجها وبعد ذلك يدفع لهم المال، وباءت كل محاولاته بالفشل، في هذا الوقت كانت ابنته تلتقط انفاسها الاخيرة وهي في حضن والدتها، ماتت انعام دون ان ترتاح في سرير المستشفى وتتلقى العلاج اللازم لانقاذها. وبعد أن أوقف مخفر حلبا خالدية. ط. موظفة في مستشفى عكار و محمد.ع. موظف في مستشفى اليوسف، بجرم عدم إدخال مريض إلى المستشفى والتسبب بوفاة وذلك بناء لإشارة المدعي العام في الشمال وائل الحسن، ذكرت الوكالة الوطنية أنه تم الإفراج عن الموظفين الموقوفين في قضية وفاة الطفل عبد الرؤوف الحولي. تفاصيل الحادث يروي والد الطفل الحولي تفاصيل حصول الحادثة فيقول: كان طفلي مريضا بالإسهال والإستفراغ. أمسكت هاتفي واتصلت بالطبيب (ط. ن) الذي وصف لي دواءً على الهاتف وكان ذلك يوم السبت الماضي. في اليوم التالي لم تتحسن حالة الطفل فعدت واتصلت بالطبيب من جديد الذي قال لي إنه يريد رؤية الطفل. توجهت إليه فأعد لي أوراقا لإدخال الطفل الى المستشفى. في مستشفى اليوسف حلبا رفضوا استقبال الطفل حتى قبل رؤيته وفحصه بحجة عدم توفر أمكنة. من اليوسف توجهت الى المستشفى الثاني الخاص في حلبا وهو الرحّال الذي يملكه أحد النواب فكان الجواب. وعند تعذر إدخال الطفل إلى أي مستشفى تابعت موضوعه مع الطبيب المذكور والصيدلية وما هي إلا ساعات حتى توفي الطفل عبدالرؤوف الذي يبلغ من العمر 4 أشهر و10 أيام. من جهتها، أوضحت مصادر مركز اليوسف الاستشفائي في حلبا الأمر في تصريحات صحفية قائلة إن الطفل عبد الرؤوف لم يدخل غرف الطوارئ في المستشفى، بل سأل والده عند الساعة العاشرة صباحاً عن وجود أسرّة فتم إعلامه بعدم توفر مكان، إذ تضم المستشفى 17 سريراً لعناية الأطفال. وقد غادر من دون الإبلاغ عن حالة طفله أو إحضاره للمعاينة الطبية، وبالتالي فإن المستشفى المذكور غير معني على الإطلاق في كل ما جرى. وتعليقاً على هذا الأمر، كتب الصحافي مايز عبيد في صحيفة البلد: حادثة وفاة الطفل عبدالرؤوف الحولي وقبلها حالات عدة، قد لا تكون الأخيرة في هذا السياق كون المستشفيات الخاصة في عكار هي بكل أمانة وموضوعية دكاكين للإتجار بالبشر وبصحتهم على حساب أي ضمير أو قسم مهني بعد أن وصل جشع هذه المستشفيات إلى أفظع حدوده، في حين أن المستشفى الحكومي الوحيد في هذه المحافظة ليس أكثر من مستوصف ومبنى ضخم بصفر معدات وصفر تجهيزات. قضية الاستشفاء وتعتبر قضية الاستشفاء في عكار قضية مزمنة وملحة كما يكتب الصحافي جهاد نافع في صحيفة الديار وعمرها من عمر نشوء هذه المستشفيات التجارية التي تجد أن التجارة بصحة المواطن في عكار المحرومة هي تجارة مربحة جداً بعد تخلي المستشفيات عن رسالتها الانسانية فباتت لمنطق الربح والخسارة وليس صحة المواطن او صحة الفقير المعدم الذي يتسكع عند ابواب المستشفيات ويموت قبل أن يلقى العناية الصحية حيث يقتضي على المريض وضع مبلغ في الصندوق قبل أن تمتد يد الطبيب لعلاجه.. ونقلت صحيفة السفير عن مصادر طبية مطلعة في عكار قولها إن المشكلة الحقيقية تكمن في أداء وزارة الصحة التي لم تقم لغاية اليوم بخطوات جدية من شأنها الاهتمام بحياة المريض العكاري، مؤكدة أن على وزير الصحة وائل أبو فاعور تناول ملف المستشفى الحكومي في عكار والعمل على تطويره بدلاً من الاكتفاء بإلقاء اللوم على المستشفيات الخاصة. وتتابع المصادر: أن دور المستشفى الحكومي مختصر جداً ويتركز على الحالات المرضية البسيطة، أما الولادات المبكرة، ومرضى القلب والكلى وغيرها لا يتم استقبالهم. ويعتبر الصحافي نافع في الديار أن واقع عكار الاستشفائي هو برسم وزير الصحة وائل ابو فاعور الذي تضع فاعليات عكارية امامه جملة ملاحظات حول هذا الملف الحيوي والهام الذي يتعلق بمنطقة تعيش تحت خط الفقر والحرمان وحتى اليوم لم يضع وزير الصحة يده على ملف عكار الصحي من كل جوانبه سواء على مستوى المستشفى الحكومي المهمل منذ سنوات والذي يتراجع كل سنة تراجعا مريعا يكاد يحول هذا الصرح الاستشفائي الى اقل من مستوصف، او على مستوى المستشفيات الخاصة التي تستهتر بصحة العكاريين وتبتزهم من عدة جوانب او على مستوى المستوصفات المغرقة في الاهمال وكأن عكار خارج خارطة الانماء الصحي. ويورد نافع السؤال الذي يرتسم في اذهان العديد من العكاريين هو: من يحمي هذه المستشفيات الخاصة؟ ولماذا توحي هذه المستشفيات بأنها اقوى من الوزارة ومن الوزير؟ ويضيف إن السؤال الاكبر الذي يطرحه عكاريون هو: من يمنع تجهيز وتطوير المستشفى الحكومي في حلبا؟ من يقف عقبة امام انطلاق المستشفى الحكومي ويمنع تجهيزها بأحدث التقنيات وخاصة تجهيز جناح الاطفال والقلب والعناية الفائقة واجهزة التصوير والاشعة والمختبرات؟. ما تقدم يطرح قضية انسانية خطيرة: هل المال أغلى من الإنسان؟!
مشاركة :