تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في الخامس والعشرين من مارس بعيد البشارة، فلنتعرف على هذا العيد.تكررت كلمة فليكن في الكتاب المقدس لثلاث مرات كان لكل منها أكبر الأثر في تغيير تاريخ البشرية والعالم ولا نبالغ إن قلنا الكون بأسره.وردت الكلمة للمرة الأولى في سفر التكوين وبها أنشأ الله العالم من العدم وخلق كل شيء، وهكذا أخرجت "فليكن" الأولى الكون من العدم إلى الوجود... ثم غابت عن صفحات الكتاب المقدس لسنين طويلة وأزمنة عدة... تعالوا بعد أن أجهدنا البحث والتفتيش والتقليب في صفحات العهد القديم ننتقل إلى صفحات العهد الجديد وبالتحديد في الفصل الأول من إنجيل لوقا حيث نقرأ البشارة بميلاد يسوع: "وفي الشَّهرِ الّسادِسِ أُرسِلَ ِجبرائيلُ المَلاكُ مِنَ اللهِ إلى مدينةٍ مِنَ الجليلِ إلَى عَذراءَ مَخطوبَة ٍ لَرجلٍ مِنْ بَيتِ داودَ اسمه يوسف. واسم العَذراِء مَرَيم.. 27 في قرية اسمها ناصِرَة، فَدخَلَ إليها المَلاكُ وقالَ: "سلامٌ لكِ أيّتها المتلئة نَعمة الرب معك. لا تخافي يا مريم فإنك ستحبلين وتلدين... فقالت مريم للملاك: "هوذا أنا َأمَةُ الرَّبِّ ليَكُنْ لي حسب قولك ". فمَضَى مِن عِندِها اَلملاكُ. ها قد مر زمان طويل منذ خلِق الكون وصنِع الإنسان... وعبرت دهور من الظلام وعصفت قرون من البربرية ومضت سنوات شهد فيها تاريخ الإنسان أبشع صور اللا إنسانية من بشر يأكلون لحم البشر إلى بشر يقدمون بنيهم ذبائح لصنم صنعته أيديهم وعانى الناس من قانون الغابة الرهيب حيث الحياة للأقوى عبورا إلى قرون الرق والعبودية واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان حتى وصل الناس إلى فساد شامل يعم الأرض فيجعل الله " يندم لأنه صنع الإنسان" ويقرر إبادة الجنس البشري بطوفان يدمر البشرية بل والأرض وكل ما عليها لكنه يعود ويتراءف لأجل عبده نوح البار ويأمره، وهو الفار بنفسه بعيدًا، أن يبني فُلكا ً فيطيع نوح دون أن يفهم الغرض وكأنه يقول "فليكن" ويبدأ في إقامة الفلك وبطاعته يخلص الجنس البشري ومعه الخلائق جميعًا من الفناء... لكن الشّر المتأصل والمستشري سرعان ما يعود يداهم البشرية فور النزول من الفلك عبر سكر نوح وتعرّيه وسخرية أحد الأبناء منه... لتعود البشرية وتسقط في ظلام البعد عن الله ويلتقط الرب في محبته وتحننه أبرام الذي يدعوه إلى ترك أهله وعشيرته وأرضه ليتبعه إلى حيث لا يعلم فتكون طاعة إبراهيم وحتى في تقديم ابنه ذبيحة دون أن يفهم وكأنه يقول "فليكن"، سببًا في أن " يقسم الرب بذاته" أنه سيكون نبع بركة وخلاص للبشرية: " بك تتبارك جميع قبائل الأرض" ومن نسل إبراهيم جاءت مريم البكر لتقول لله " فليكن"، تلك الكلمة العجائبية المعنى اللامتناهية الأثر. قالتها بدورها الفتاة البريئة الطاهرة القديسة، العذراء بنت الناصرة، لما جاءها الملاك جبرائيل بالبشارة المنتظرة عبر الأجيال، حيث انفتح قلب مريم، ومن خلالها وفيها وعبرها، انفتحت البشرية جمعاء مرة أخرى ومن جديد وإلى الأبد هذ المرة على عمل الله، قالتها مريم لا بالشفاه فحسب بل عاشتها بإيمان كامل ومحبة خالصة وانفتاح كلي نحو الله، قالتها دون أن تفهم كل تبعاتها أو تدرك مكنوناتها العميقة فغيرت بطاعتها وتسليمها مصير البشرية والعالموالكون بأسره. لم تكن مريم تدرك كل الأبعاد المترتبة على كلمتها لكنها أطاعت وكان في طاعتها هذه المرة خلاص البشرية جمعاء " حيث تجسد الرب في أحشاءها الطاهرة واحتضن رحم مريم - رحم البشرية- جمعاء، كلمة الله فأينعت وأثمرت ووهبت للكون الخلاص. ومن تلك اللحظة لم يعد الله بعيدًا عن البشر فقد صار عمانوئيل اي الله معنا عبر طاعة مريم: - نعم نحن بمريم نستطيع أن نقول أننا ولدنا الرب وقد صار عمانوئيل معنا ومشى بيننا على الأرض، - نعم لم نعد ننظر إليه بخوف ورعدة بل نرنو نحوه بحب وخشوع وإجلال لقد رأته عيوننا ولم نمت، لقد لمسته أيدينا ولم نحترق، وسمعته آذاننا ولم تصب بالرعب والهلع - وها قد لمسته قلوبنا فوجدت فيه الابن الكلمة الوديع المتواضع القلب الرؤوف الحنون وعرفت فيه الإله المتحنن والراعي الصالح الذي يبذل نفسه عنّا نحن خرافه وهكذا كانت "فليكن" مريم التي أجابت بها الملاك الذي بشرها بجلول الكلمة الأزلي كلمة إعجاز أطلقت يد القدير فبدأت تعمل في تلك العذراء لتخلق بشرية جديدة... تعرف طريق الرب هذه المرة، تعرف معنى الحب والبذل بسخاء، تعرف التجرد من كل شيء إلا المحبة والطاعة والتشبث بالإيمان تعرف العطاء الصامت والصبر وقوة التحمل هكذا كانت "ليكن لي كقولك" التي قالتها مريم قوة التغيير نحو خليقة جديدة تحقيقًا لقول الرب "هانذا أجعل كل شيء جديدً ا". وجاءت فليكن الثالثة في بستان الزيتون من فم الكلمة المتجسد: إن استطعت أن تعبر عني هذه الكأس ولكن " فلتكن" إرادتك لا إرادتي فتم بذلك خلاص العالموهكذا كانت مريم في البشارة وفي حياتها خير ممثل للبشرية التي استطاعت أخيرا ولو لمرة واحدة أن تقول نعم لخالقها فهل نحن مستعون لتكرار قول مريم في حياتنا؟ليكن لنا نحن أيضًايا سيد بين يديك أسلم حياتي وكياني وأيام عمري أريد أن أفتح كياني: قلبي ورحمي وأحشائي وأن أرفعها نحوك لتخصبها بكلمتك المحيية سيدي أنت لفرط حبك لخليقتك الضعيفة الحقيرة، دبرت الخلاص لنا وقُدتنا دون أن نعرف أو ندري لنثمر مّنا وبنا وفينا "مريم" التي علمتها وحدك وقدتها بروح قدسك وأهّلتها وحدها لتكون اهلا لأن تنطق بعد طول انتظار بكلمة "ليكن" كلمة رب الأرباب التي احتفظت بها لذاتك، وعندما فاهت بها ُأمّنا مريم،تجسد" كلمتك" جنينًا في أحشاها البتولي الطاهر... لقد حولت مريم التاريخ بطاعتها وغيرت الدنيا بخضوعها وبتواضعها رفعت إليك خليقتك من جديد لتعدها وتؤهلها كي تقبل ما أعددته يا إلهي من خلاص عظيم فما أروع خلاصك حقًا يا رب ما أعجب أفكارك وما أبدع تدبيرك...هبنا يا سيدنا كمريم أم الله وأم المخلص وأمنا أن نقول لك فليكن لي يا ربنا وسيدنا كحسب قولك. آمين
مشاركة :