زيارة نواز شريف إلى الرياض وتحديات المرحلة المقبلة

  • 3/6/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كانت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني محمد نواز شريف الى السعودية واجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قصره بالرياض، في اطار التأكيد على عمق العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين وأهمية مواصلة تعزيز آفاق التعاون المشترك في مختلف المجالات، فعلاقة السعودية بباكستان علاقة طبيعية متينة وفي تطور مستمر. ثمة العديد من التحديات يمكن التنبؤ بها يمكن ان تواجه العلاقة السعودية – الباكستانية في المرحلة المقبلة، كالعلاقة مع الهند والعلاقات الأمريكية والربيع العربي. سنتناول كل واحدة من هذه التحديات تحليلا لتقييم آثارها على علاقة السعودية بباكستان: الهند: تبحث السعودية عن الفرص الاستثمارية، وتمثل الهند خيارا جذابا نظرا لاقتصادها الصاعد والإمكانات الهائلة في مختلف قطاعاتها. أما الهند فقد توجهت أنظارها إلى الخليج في سياستها الخارجية بعد الحرب الباردة، وتعد السعودية وباقي دول الخليج وجهة هامة لطموحها الاقتصادي، حيث توافدت بعد عام 2000 بعثات هندية عالية المستوى إلى السعودية ودول الخليج العربية؛ لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين وتحفيز الاستثمار في الهند. وقام رئيس وزراء الهند مانموهان سينج عام 2008 بزيارة إلى قطر وعمان وإلى المملكة العربية السعودية عام 2010. كما قام نائب الرئيس الهندي حامد أنصاري بزيارة إلى الكويت عام 2009، وفي عام 2010 قام الرئيس الهندي براتيباه سينج باتل بزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة لتشجيع الإمارات على الاستثمار في الهند. وتوجهت الهند نحو الكويت للحصول على دعم اقتصادي بسعر مخفض للفائدة عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية. وقد ناقشت هذا الموضوع باستفاضة في مقال سابق (المعجزة الهندية وتحولات النظام الدولي). إن من شأن هذه التطورات إثارة مخاوف باكستان، حيث إنها تنظر إلى السعودية وباقي دول الخليج كشريك طبيعي تجمعه بها وحدة الدين والثقافة، الا ان بناء علاقات ايجابية بين كل من باكستان والهند والسعودية يمكن ان يساهم في استقرار جنوب شرق آسيا وخاصة افغانستان. فإعلان الانسحاب الامريكي من افغانستان وتحويل قيادة العمليات العسكرية إلى القوات الأمنية الأفغانية سيؤدي بلا شك في المستقبل القريب الى فراغ أمني وسياسي، ويمكن أن يكرر سيناريو الانسحاب السوفيتي عام 1989، مما أدى إلى تفجر الوضع وإدخال البلاد في حرب أهلية استمرت اكثر من عشر سنوات. وعليه فالتعاون مع كل من الهند وباكستان مطلوب في استقرار أفغانستان، وفي مقابل النفوذ الايراني في افغانستان ليكون ذلك الدور مقترنا بترسيخ دعائم محور جديد مع الهند ليكون محورا سعوديا - هنديا - باكستانيا في مقابل الاطماع الايرانية في افغانستان. العلاقات الأمريكية: كانت الولايات المتحدة الأمريكية حليفا رئيسيا للسعودية وباكستان وتعاونت معهما في العديد من القضايا اهمها ملف الارهاب. فقد تغلغلت الولايات المتحدة بشكل عميق في باكستان خلال حربها على الإرهاب أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، وقد أدى ذلك إلى ظهور عدد من المشاكل مع باكستان، حيث اتهمتها الولايات المتحدة الأمريكية بإيواء عناصر من طالبان وبقيام وكالة المخابرات الباكستانية بمد يد العون لطالبان والعمل ضد المصالح الأمريكية في أفغانستان. وقد توج ذلك كله بشد وجذب في العلاقة الأمريكية الباكستانية، وهذا بلا شك يضع السعودية في وضع حرج، نظرا لكون علاقتها مع كلتا الدولتين في حد ذاتها بالغة الأهمية. ما زالت باكستان في الوقت الراهن حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن إن كان لهذه العلاقة أن تتغير فسيكون لذلك أثر سلبي على العلاقات بين باكستان والسعودية، لا سيما إذا فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على باكستان لتورطها المزعوم ودعمها للإرهاب. الربيع العربي: شهدت السنوات القليلة الماضية تغيرات شاملة في الشرق الأوسط؛ حيث أسقط النظام الحاكم في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن، كما اتسعت رقعة قوى التغيير لتشمل سوريا. كانت السعودية بعيدة عن أحداث الربيع العربي، إلا أن موقعها في الشرق الأوسط جعلها جزءا من التطورات الأمنية، خصوصًا بعد ما تفاقمت الأزمة في كل من سورية ومصر ووصلت قريبًا من عمقها الإستراتيجي البحرين بعد ان حاولت ايران اذكاء الاضطرابات في الشارع البحريني، إلا أن الحكومة البحرينية سرعان ما تغلبت على هذه الاضطرابات بحكمة وعقلانية عن طريق فتح مجال للحوار بتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق حول الاضطرابات، وتشكيلها من أشخاص ذوي سمعة عالمية وعلى دراية واسعة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، ممن ليس لهم دور في الحكومة وبعيدون عن المجال السياسي الداخلي وقبول الدولة بتوصيات اللجنة والاستجابة لتنفيذها وفق برنامج زمني، وذلك للحفاظ على الامن والاستقرار. ولكن من غير المحتمل أن يكون للسياسة الداخلية السعودية أي أثر في علاقتها مع باكستان. فباكستان تتبنى سياسة عدم التدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى كما هي واضحة في مصالحها، وكذلك الحال مع السعودية وباقي دول الخليج، حيث يرجح استمرار علاقة باكستان مع السعودية بغض النظر عن التطورات الداخلية، بل قد لا تتوانى باكستان في تقديم المساعدة إن طلب منها. واخيرا وكما قلت فالعلاقات السعودية الباكستانية علاقات استراتيجية، ورغم وجود تحديات متوقعة إلا أن هذه التحديات لن يكون لها أثر بالغ على العلاقات نظرا لكونها علاقة تكافلية بين الطرفين؛ فباكستان تتطلع للسعودية بغرض الاستثمار وكذلك كعمق استراتيجي في الشرق الاوسط لما تتمتع به من إمكانات اقتصادية، ومالية، وسياسة متوازنة، وكذلك بوابة للعالم الاسلامي بحكم ثقلها السياسي والديني، بينما تتطلع السعودية إلى باكستان لتعزيز العمق الاستراتيجي لها في دول جنوب شرق آسيا وحماية مصالحها وأمنها الإقليمي. محلل سياسي

مشاركة :