«العرجون القديم».. ألف وجه لخبايا النفس

  • 3/26/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود قدمت فرقة مسرح دبي الشعبي أمس الأول، ضمن «أيام الشارقة المسرحية» عرضاً حمل عنوان «العرجون القديم»، تأليف وإخراج علي جمال، وتمثيل: بدور محمد، ريم الفيصل، حمد الحمادي، فؤاد القحطاني، أمل حسن، وموسى عبد الله. العرض هو ضمن الأعمال التي تتحدث في محورها الرئيسي عن قضية المرأة، وقد حملت عدة عروض هذه الثيمة في المهرجان، لكن المعالجة تمت في إطار مختلف، بحيث وضع من خلالها النص قضيتي المرأة والرجل معاً في ظل المؤثرات الاجتماعية، وكأن المؤلف أراد أن يلفت إلى أن سلوك الرجل تجاه المرأة، وما ينتج عنه من هيمنة ذكورية ليس بالشيء الأصيل، إنما هو من مؤثرات وظروف وثقافة اجتماعية شديدة الوطأة تنفي كل من ينتمي إليها، وبالتالي فإن النص يتناول أيضا مفاهيم أخرى مثل الاغتراب، عندما يتحدث عن عدم أصالة التصرفات والسلوك، فالإنسان في هذه القصة في حالة انتظار لحل ما لمشاكله، ومبرر لأفعاله. ينفتح العمل على حكاية شقيقتين هما «سلمى» و«هند»، في رحلتهما من المكان الذي عاشتا فيه إلى آخر تنشدانه، بعد وفاة والديهما، ويبدو عليهما التعب والإرهاق والأسى والحزن، وتعبر تلك المشاعر عن نفسها، وتبرز بقوة في حوارية طويلة أثناء المسير، فسلمى تحمل كراهية شديدة للرجال بشكل عام، ولوالدها بصورة خاصة، فهي الأخت الكبيرة التي خططت لهذه الرحلة، أما هند فهي تحمل ذات مشاعر الكراهية تجاه والدتها، وتعاتب سلمى على ضغينتها التي تكنها لوالدها الذي تحبه كثيرا، وتنظر بتفحص إلى بطن أختها الذي بدأ يكبر بفعل الحمل، لتعاتبها مرة أخرى على طلاقها من زوجها، وتتهمها بأنها هي السبب نسبة لكراهيتها الغريبة للرجال، لترد عليها سلمى بأن الرجال هم سبب كل المآسي في العالم، وأنها ما تركت قريتها في هذه الرحلة الغريبة إلا لتحميها وتحمي نفسها من أعين الرجال المليئة بالرغبة بعد أن فقدا عائلتهما. وأثناء الرحلة يظهر رجل غريب «محمود»، فتقابله سلمى بكل مشاعر الكراهية، وسط دهشة الشاب الذي يخبرهما بأنه يبحث عن زوجته الضائعة، وأنه لا يريد بهما شراً، لتثور ثورة سلمى، وتتهمه بأنه السبب بلا شك في هروب زوجته منه. لكن الرجل يرافقهما بعد أن تدخلت هند التي حاولت أن توضح لأختها أن الرجال ليسوا أشراراً بالمطلق، وأن هناك جيدين منهم، كما هو الحال عند النساء، غير أن سلمى لم تعر انتباها لقول أختها، وقبلت على مضض أن يرافقهما الرجل. وتتكشف الأسرار في حوارية جديدة تنشأ بين ثلاثتهم، ويتضح أن سلمى كرهت الرجال بسبب رجل تحرش بها، فقتلته، وأن زوجها لم يحتمل طباعها الصعبة فطلقها، وأنها كانت سبباً في موت والدهما السكير الذي كان يضرب والدتهما، عندما أغضبته فوقع ميتاً من شدة الانفعال والغضب، ويأتي دور هند لتخبر أختها أنها سارت معها في هذه الرحلة لكي تلتقي بمحمود الذي لم يكن في الواقع يبحث عن زوجته، بعد أن تواعدا على أن يلتقيا هنا، فهما يعيشان قصة حب، وتقر بأنها تسببت في مصرع والدتهما بعد أن تأخرت في تقديم الدواء لها، لكنها ندمت على ذلك الفعل، وهنا يتدخل الرجل في الحوار ليتهم سلمى بأن الطفل الذي تحمله في أحشائها هو من ذلك الرجل الغريب، وأن كراهيتها لأبيها والرجال إنما جاءت كردة فعل لهذه الواقعة، لتدخل سلمى في صمت رهيب بينما كانت أختها تسألها بصورة هستيرية عن حقيقة هذا الأمر، ولكن بلا جدوى. العمل جاء مميزا من حيث المعالجة والرؤى والحلول التي قدمها المخرج، خاصة فيما يتعلق بالسينوغرافيا التي وظفت بشكل خلاق، فيما قدمت الإضاءة تشكيلات جمالية في غاية الروعة، وكذا الديكور والإضاءة، وتوظيف الموسيقى خاصة في المشهد الختامي، إضافة إلى الدور الذي قام به الممثلون غير الرئيسيين من محركي قطع الديكور، لتسهم كل تلك المشاهد والتكوينات الدرامية والبقع الضوئية في كشف الحالات النفسية، وتشارك بشكل أصيل في تقديم عرض متوهج ومختلف، ليأتي الأداء التمثيلي للفتاتين بصورة خاصة، ويكمل هذه اللوحة الدرامية المميزة. وجد العرض استحسانا كبيرا من المتحدثين خلال الندوة التطبيقية بإدارة نواف يونس، الذي أوضح أن العرض لامس عدة قضايا منها: الموروث والتعامل معه إبداعياً، فقد اختار الجيل المؤسس أن يتجه نحو الموروث بحثاً عن الهوية والخصوصية، ونجح المسرح الإماراتي في تمثل تلك القضية على مدار الثلاثين عاماً التي مضت، بعد أن وظف التراث توظيفاً متطوراً. فيما ألقى أحمد رجب الضوء على قضية إشكالية المتلقي ومدى الامتاع والفائدة لديه، فهنالك مسرحيات تحقق المتعة، ومنها ما يهتم بالاستفادة والتجريب، لكن العرض قد مزج بين الاثنين، فخلق أطراً جديدة، وأطروحات في ملء الفراغ والدلالات المسرحية، كل ذلك يدل على مخرج له باع ووعي، وسينوغرافي واثق من نفسه وفعله الدرامي. بينما أكدت داليا همام على قوة الممثلات وامتيازهن، ولكن شخصية الرجل ووجوده في العرض لم تبرر بشكل كاف، وذكر محسن الوكيل أن هنالك مشكلة على مستوى التطور الدرامي، فعلى مدار نصف وقت العرض كان هنالك إيقاع واحد، وجاءت الانتقالات بطريقة وصورة غير منطقية، فيما كانت نقط الضوء مميزة، وحفلت السينوغرافيا بالجماليات العالية، ولكن لا ينبغي للعرض أن يختبئ كثيرا وراءها. فيما أكد عبد الناصر الزاير أن المخرج نجح تماما في السيطرة على إيقاع العمل منذ البداية وحتى النهاية، وحدث توافق كبير بين الصوت والصورة، ورغم أن أداء الممثلات كان مميزاً لكنه شهد نوعاً من الاندفاع.

مشاركة :