لم يأت بيان قصر الإليزيه الرسمي الذي صدر عقب الاجتماع الذي ضم الرئيس فرنسوا هولاند ورئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض خالد الخوجة، بجديد، لجهة التأكيد على الحاجة لمعاودة إطلاق المسار التفاوضي في جنيف من أجل عملية «انتقال سياسي»، باعتبارها «الحل الوحيد» القادر على إعادة تجميع الشعب السوري ومواجهة الإرهاب وإعادة السلم الأهلي. كذلك جددت باريس التذكير بأن الرئيس الأسد هو «المسؤول الأول عن مآسي السوريين وعن استقواء المجموعات الإرهابية» في سوريا، وبالتالي فإنه «لا يتمتع بالصدقية» ليكون «الشريك لمحاربة (داعش) والتحضير لمستقبل بلاده». وفي السياق عينه، فإن دعوات باريس للمعارضة «المعتدلة» وعلى رأسها الائتلاف، بأن تتحاور بين مكوناتها من أجل تشكيل «جبهة» واحدة، ليست جديدة. لكن الجديد ورد في الفقرة الأولى من البيان، التي نصت على أن، الرئيس الفرنسي «جدد التأكيد على دعم بلاده سياسيا وعملياتيا (عسكريا) لقوى المعارضة الديمقراطية المنخرطة في الخطوط الأولى في مواجهة (داعش)». اللافت أن البيان حصر الدعم السياسي والعسكري في محاربة التنظيم المتطرف، ولم يشر إلى مقاتلة النظام وإسقاطه. لكن المصادر الفرنسية التي سألتها «الشرق الأوسط»، أكدت أنه «لا تغير» في الموقف الفرنسي من النظام ولا في رفض باريس التحاور أو التعاون معه في موضوع محاربة الإرهاب. وهذا الموقف «الجديد» يذكر بالموقف الأميركي «الثابت» الذي يؤكد أن مقاتلي المعارضة المعتدلة التي تريد واشنطن تدريبهم وتأهيلهم وتسليحهم بموجب الاتفاق الأخير بينها وبين أنقرة «ستكون مهمتهم محاربة (داعش)». كما أن تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في الرياض أمس، في المؤتمر الصحافي الذي ضمه إلى جانب الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، لا تخرج عن الخطوط المعروفة التي لخصها الوزير الأميركي بأنه «ليست لواشنطن أولوية أهم من إلحاق الهزيمة بـ(داعش)». بيد أن خالد الخوجة حرص في تصريحاته المختصرة للصحافة، عقب اللقاء، على تأكيد التوافق التام بين الموقف الفرنسي وموقف الائتلاف من بشار الأسد؛ إذ اعتبر أن «سقف الموقف الفرنسي هو سقف الائتلاف»، وأن الطرفين متفقان على أن «لا حل لموضوع الإرهاب إلا بإزاحة بشار الأسد ونظامه الأمني». لكن هذا الموقف المتشدد لم يمنع الخوجة من إظهار الليونة في التعاطي مع النظام؛ إذ أكد أن الائتلاف لا يطالب بخروج الأسد من السلطة شرطا للتفاوض، كما أنه لم يفعل ذلك أثناء المفاوضات التي عقدت تحت اسم «جنيف2» في المدينة السويسرية. ولكن في المقابل، يشدد الخوجة على أن «عملية التفاوض يجب أن تفضي حتما، في منتصفها أو في نهايتها، إلى إزاحة بشار الأسد». بالطبع، هذا الجانب من المسألة السورية لم يؤثر على زيارة الخوجة والوفد المرافق له (رئيس الحكومة أحد طعمة ورئيس الأركان اللواء سليم إدريس) إلى العاصمة الفرنسية، فرئيس الائتلاف الذي أفاد بأنه بحث مع هولاند المحاور السياسية والعسكرية، وصف محادثاته مع هولاند بأنها كانت «إيجابية جدا»، وبأن الرئيس الفرنسي كان «متجاوبا جدا» مع المطالب التي قدمت إليه. ومن مواضع التطابق في المواقف الاستمرار في التحفظ على خطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي اجتمع به الوفد السوري مطولا أول من أمس في أحد الفنادق الباريسية. وقالت لنا مصادر الوفد السوري، إن دي ميستورا اعترف بأن «العمل بالخطة بالغ التعقيد» إلى درجة أنه عاد من دمشق «محبطا»، من لقاءاته مع المسؤولين السوريين. وأمس، قال الخوجة إن مبادرة المبعوث الدولي «لا ترقى (في شكلها الحالي) إلى مستوى خطة يمكن الاتفاق حولها» ويكون من شأنها «وقف القتل في جميع المناطق السورية». فضلا عن ذلك، شكك الخوجة بإمكانية التزام النظام بما تنص عليه هذه الخطة التي تصفها المصادر الفرنسية بأنها «تفصيلية». اللغز الذي لف تصريحات الخوجة يخص قوله إنه تناول مع هولاند «تشكيل قوة استقرار وطنية بقيادة الجيش الحر وهيئة الأركان». ولم يفهم ما يعنيه رئيس الائتلاف بـ«قوة استقرار وطنية»، وما إذا كان المقصود السعي لتجميع الفصائل المقاتلة التي ما زالت موالية للائتلاف في تشكيل موحد الأمر الذي عجزت عنه القيادة العسكرية حتى الآن. تبدي المصادر الفرنسية «قلقا واضحا» من تطورات الوضع الميداني على مختلف الجبهات السورية، ومن عجز الجيش الحر عن الاحتفاظ بمواقعه والمحافظة على أفراده. ولعل آخر «صدمة» للدول التي تساعد المقاتلين «المعتدلين» الهزيمة التي ألحقتها «جبهة النصرة» بتنظيم «حزم» واضطرار المسؤولين عنه إلى حله والانضمام إلى «الجبهة الشامية» التي تهيمن عليها التنظيمات الإسلامية. ولكن في إطار هذا المشهد السوداوي، ثمة عناصر قد تبعث على الأمل؛ وأولها رغبة الائتلاف والقائمين عليه في الانفتاح على تنظيمات المعارضة الأخرى، بما فيها الموجودة في الداخل التي كانت على خصام معه منذ البداية. وكان لافتا أن الرئيس هولاند «شجع» الخوجة على الاستمرار في هذا النهج، وقال الأخير إنه «من الضروري العمل على السير باستراتيجية جديدة وإطلاق حوار مع المجموعات والشخصيات التي تريد سوريا جديدة قائمة على احترام الحريات والقانون، وكل المكونات الطائفية من أجل قيام سوريا جديدة وحرة». جميع هذه المواقف والتصريحات تجد، من حيث المبدأ، أصداء إيجابية. لكنها تثير لدى عدد متزايد من السياسيين والمحللين والمراقبين في فرنسا الكثير من التساؤلات حول مدى مطابقتها للواقع القائم على الأرض، وتدفع بهؤلاء، خصوصا، إلى انتقاد نهج الحكومة الفرنسية والخط الذي رسمه هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس. وليست الزيارة التي قام بها 4 برلمانيين إلى دمشق الأسبوع الماضي سوى الزبد الذي يطفو على السطح، والذي يعكس تشكيكا في صواب السياسة الفرنسية الراهنة إزاء سوريا وربما رهانها على حصان خاسر. لكن باريس الرسمية لا تريد، حتى هذا التاريخ، تغيير مواقفها ليس فقط لأسباب أخلاقية، بل أيضا سياسية، وهي تنتظر، على الأرجح، ما تحمله الأشهر المقبلة من تطورات إقليمية ودولية قد تفتح كوة في الجدار السوري المسدود.
مشاركة :