في ذروة اللغط وغلو الطرح في وسائل التواصل الاجتماعي وفجاجته حول مساحة بيوت الإسكان «ضيقًا وسعة»، وهو اللغط الذي أُثير في الأيام القليلة الماضية على خلفية الزيارة الميدانية لوزير الإسكان النشط سعادة المهندس باسم الحمر، كنت منشغلاً بالبحث عن مدخل مناسب أبدأ به كتابة مقال أتناول فيه هذه المسألة بالتعليق وإبداء الرأي، فما تم تداوله كان مضخمًا ولا يستند إلى معيار أخلاقي في المناقشة وإبداء الرأي، فإذا بزميلة عمل سابقة في إدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم، وهي إلى جانب ذلك كاتبة متخصصة ينصب اهتمامها على تعزيز المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان ومتابعة جيدة للشأن المحلي، تتصل بي لتسألني عن بعض مقالات قَرَأَتها وآراء سَمَعَتها حول ما يُتداوله الناس في الفضاء الإلكتروني وخصوصا ذلك الذي سيطر على هذا الفضاء ويتعلق ببيوت الإسكان. الزميلة الكاتبة ترى أنه باستثناء الكلام المرسل الذي يطعن في نزاهة الناس وكرامتها فإنه بالإمكان الاستفادة من هذه الوسائل التقنية الحديثة، فهي وسائل جديدة إضافية جادت بها الثورة الاتصالية وغيرت شئنا أم أبينا عادات الناس وسلوكهم ووجهت آراءهم، بل وجعلت من كلّ مواطن وكالة أنباء غير رسمية قائمة بذاتها، وبالإمكان بناء على انتشارها الواسع أن تكون في خدمة مبادئ حرية الرأي والتعبير، ومن الخطر الانحراف في التعامل معها في اتجاه قمعي يحد من استعمالها أو يحظره؛ لأن في ذلك ضربًا من العبث بناء على معطيات الواقع والتطورات التقنية الهائلة التي تتزايد يومًا بعد يوم. سؤال زميلتي السابقة كما هو واضح من إطار عرضه يطرح إشكالية حقوقية إعلامية اتصالية، وقد كان على النحو الآتي: «لماذا لا توظف وسائل التواصل الاجتماعي من أجل توسيع الحريات بدل كتمها، ولِمَ لا تكون وسيلة أخرى غير رسمية توصِلُ صوت المواطن إلى أصحاب القرار؟» أجبت عن السؤال بتساؤل «أو ليس هذا هو الذي يجري على هذه الوسائل، على الرغم من تحفظي على طريقة بعضهم في التعبير عن آرائهم؟».. وبعد طول حديث خلصنا إلى أن ما يُتداول في شأن حرية التعبير وإبداء الرأي وخصوصا اللغط الذي دار حول موضوع بيوت الإسكان ولقي صدىً واسعًا أتاح لبعض المتطفلين أن يوسعوا أبواب مداخله ليخوض فيه صاحب الرأي الناقد وقلبه على وطنه، والجاهل الذي صّور ما يتم تداوله على أنه مادة للضحك والسخرية. ومن وجهة نظري فإنني لا أظن أن ما تداوله الناس بغزارة مبالغ فيها يرمي فحسب إلى النقد البناء، كما لا أظن أن كثرة تداول مسألة ما علامة دالة بالضرورة على وجاهة الطرح وسلامة التوجيه والتوجه، وهذا ما يخفف دهشة الكم ويوجه في نظري إلى عدم الاستغراب من هذا الكم من الكلام «الغثيث» غير المعقول وغير المقبول الذي تم تداوله على السجية، أي من دون تدقيق، من قبل بعض المتداولين البسطاء الذين أخذتهم الحميّة باسم الوطنية والمواطن فزاغت نواياهم لتلحق بنوايا الذين أوغرت صدورهم الإنجازات المتحققة على مستويات كثيرة، وخصوصا الخدمية والأمنية، لتناول الوقح من المفردات للطعن في وزير يعمل ويعمل من أجل المواطنين. وألخص هنا في هذه المساحة رأيي الذي أبديته للزميلة فيما يتعلق بالفيديوهات والرسائل المتداولة وحرية الرأي. لنتفق أولاً على أنه من العبث أن يجد الإنسان نفسه في مواجهة المواطنين وهم يعبرون عن آرائهم حول ضرورة توفير الدولة لمختلف الخدمات بالجودة التي يرونها مناسبة ذلك أن رضا المواطن هو المعيار لجودة الخدمة المقدمة له، ولكن الأصعب من ذلك أن يرى بعض المواطنين تحولهم مشيئة كارهي الدولة والنظام السياسي والجماعات المتطرفة الأخرى إلى مطايا لشهوات مراهقتهم السياسية، وخصوصا إولئك الساعين إلى دق أسافين في العلاقة بين الحكومة والمواطنين ويسكت عن ذلك، فمن شروط المواطنة الدفاع عن مؤسسات الدولة وقيمتها الاعتبارية إزاء الراغبين في تقويض أركان الدولة بشتى الوسائل. وأعجب إن كان أحد يقول لا وجود لهؤلاء. ثانيًا، من الصعب أيضا أن ننكر أنّ بيوت الإسكان صغيرة المساحة، بل ضيقة، ولا تتناسب مع تقاليد العمارة للمجتمع البحريني، وهذه مسألة لا يمكن لأحد أن يدافع عنها، وينبغي إعادة النظر في المساحات في المستقبل. وفي هذا الإطار كان صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر سبّاقًا في الاستجابة للآراء المتزنة والمسؤولة عندما أصدر توجيهاته في هذا الخصوص. ولعل القادم أنفع للمواطنين ومغيظ للمتصيدين في الماء العكر! يبدو لي أن مجموعة من الناشطين في منصات التواصل الاجتماعي، وهي فضاءات ينبغي أن يُحْسِن المواطن التعامل معها وفق المنظور الديمقراطي الذي يثمر منفعة للوطن والمواطنين، هي من تقود «الغضب» المفتعل باستثمار زلة لسان هنا، أو سقطة هناك لأي مسؤول حكومي، فما نُقِل عن سعادة المهندس باسم الحمر في حديث جانبي ما هو إلا حديث عفوي لا يستحق كل هذا الشتم والسباب، فما قاله يقوله أي بحريني في مثل هذه المواقف وقد استثمره أصحاب النوايا المريضة، وأنا هنا استثني من أطلقت عليهم من حين ذوي السجايا البسيطة والعفوية، وأعني بهم البسطاء من الناس من جريرة الإساءة إلى العلاقة بين المواطنين والحكومة خصوصا وأن هذه العلاقة آخذة في التجذر على طريق اللحمة الوطنية، وهذا لا يصب في مصلحة أولئك الذين يقودون «الغضب» المفتعل على وسائل التواصل الاجتماعي، فالتوجيه الاتصالي الخبيث جرَّ عددًا من المواطنين إلى نشر ما أعتقد أنه لا صلة له بما يؤمنون به، ولعلها ضريبة البساطة والطيبة، أو تأثير جانبي من تأثيرات وسائل الاتصال الحديثة. الملاحظة الرئيسة في نظري أن ما يُقلق أمن المواطن اليوم ويُثير الريبة والشك في العلاقة بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم وتكويناتهم هي وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب التوظيف الموجه الذي يقود إلى استعمال خاطئ في نقل المعلومات وتداول الأخبار. لهذا أرى أن على الدولة ومن خلال قنواتها الرسمية، تعليمًا وإعلامًا وقضاءً وأمنًا، رفع مستوى الوعي في استخدام هذه الوسائل مع ضبط استعمالها حماية للوطن والمواطن، ولعل توظيف مساحة إعلامية في تلفزيون البحرين وإذاعتها لطرح ما ينتشر في وسائل التواصل للنقاش والإيضاح والتحليل والتفنيد عندما يقتضي الأمر بذلك وجه ممكن من وجوه إحكام التعامل مع ما يُطلق عليه الإعلام الجديد.
مشاركة :