بريكست بريطانيا في مهب الريح وضبابيته تؤرق البريطانيين

  • 3/27/2019
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

يوم بعد غد الجمعة، ستدق ساعة بج بن تمام الحادية عشرة، دون انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وذلك بموجب منح قادة الاتحاد رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي مهلة ثلاثة أسابيع للوصول لخطة لإتمام عملية الخروج يوافق عليها مجلس العموم، مهلة قصيرة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والاستعداد لجولة جديدة في المعركة الداخلية الحامية والبالغة التعقيد المتعلقة بخروج لندن من الكتلة الأوروبية تخوضها حاليا ماي مع نواب مجلس العموم.مرحلة جديدة لا يمكن التنبؤ بنتيجتها تدخل فيها عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي دفعت البلاد لمزيد من الفوضى السياسية والانقسام المؤلم بعدما رفض البرلمان اتفاق ماي مع الاتحاد والاتفاق المعدل أيضا، الأمر الذي عرقل عملية الانسحاب المفترض لها والمعروف باسم "بريكست"، ذلك الانسحاب الذي كان وشيكا، عندما تنتهي فترة التفاوض على اتفاقية الانسحاب ما لم يتم الاتفاق على تمديد.إلا إن الوقت المحدد حان وقد غرقت بريطانيا في انقسام سياسي عميق في هذا الشأن واكتسب المشهد ضبابية المناخ، فباتت الصورة والنتيجة غير واضحتي المعالم، ولايزال حجم "فاتورة الطلاق" من الاتحاد غير معروف، وعلاقة المملكة المتحدة باتفاقيات التجارة الأوروبية الحالية، والعلاقات مع أيرلندا والدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد غير مؤكدة.وافق قادة الاتحاد الذي يضم 28 دولة على منح ماي تأجيلا غير مشروط حتى 12 أبريل المقبل، للمضي قدما في تنفيذ عملية الخروج، فلو تم تمرير الاتفاق الخاص بها، فإن بروكسل ستمنح الحكومة البريطانية مهلة أخرى حتى 22 مايو المقبل، لتمرير تشريع لتطبيق البريكست، ولو لم يتم الموافقة على الخطة قبل الموعد المحدد في أبريل، فإن بريطانيا ستكون مضطرة للاختيار ما بين الخروج من الاتحاد بدون اتفاق أو إجراء انتخابات أوروبية مقابل مد أطول لعملية الخروج.تهدد الانتخابات البرلمانية الأوروبية، المقرر إجراؤها في مايو المقبل، بتعقيد عملية صنع القرار في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل كبير، وتضع بريطانيا أمام خيارات ثلاثة؛ إما أن توافق على خطة الانسحاب، وفى هذه الحال ستغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 22 مايو وتدخل المرحلة الانتقالية، ولو صوت النواب ضد الاتفاق، سيتعين عليهم اتخاذ قرار حتى 11 أبريل، وهو المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، أو عدم المشاركة في الانتخابات المقررة بين 23 و26 مايو، ومغادرة الاتحاد قبل هذا الموعد، والخيار الثالث والأخير يتمثل في المشاركة في الانتخابات وطلب مد طويل للبريكست، وهو ما يجعل الخروج الناعم، الذي يبقى بريطانيا على صلة قوية بالاتحاد الأوروبي، أمرا لا مفر منه، ويصبح التراجع عن البريكست أكثر احتمالا.قبل عامين وافق البريطانيون في استفتاء شعبي على الخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي لدوافع عدة من أبرزها، التخلص من عبء المهاجرين واللاجئين، وبدأت المفاوضات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي رسميا في يونيو عام 2017، بهدف إتمام اتفاقية الانسحاب بحلول أكتوبر عام 2018، وقبل حلول هذا الموعد بأربعة أشهر (في شهر يونيو) نشرت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تقريرا مرحليا مشتركا يحدد اتفاقا حول القضايا المتعلقة بهذا الخروج، بما في ذلك الجمارك وضريبة القيمة المضافة ومعاهدة يوراتوم. وفي يوليو عام 2018 وافق مجلس الوزراء البريطاني على ما يعرف بخطة (لعبة الداما) وهي عبارة عن مخطط للمقترحات المقدمة من حكومة المملكة المتحدة، وفي نوفمبر عام 2018 تم نشر مسودة اتفاقية الانسحاب والإعلان السياسي الموجز المتفق عليه بين حكومة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي 15 يناير الماضي صوت مجلس العموم ضد خطة الانسحاب التي وضعتها رئيسة الوزراء تريزا ماي بأغلبية 432 صوتا مقابل 202، مما مثل أكبر هزيمة برلمانية تمنى بها حكومة بريطانية حاكمة في التاريخ.وفي خطوة غير مسبوقة، صوت أعضاء البرلمان البريطاني لصالح تعديل يمنحهم دورا أكبر في التعامل مع قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ويمثل انتزاع البرلمان هذا الملف من ماي التي تسابق الزمن لإنقاذ الصفقة صفعة جديدة لها، بعد فشلها في حشد دعم داخل مجلس العموم للاتفاق الذي توصلت إليه مع الاتحاد بعد أن تم تعديله، حيث يستطيع النواب حاليا التصويت على سلسلة إجراءات لتنظيم مسألة مغادرة الاتحاد التي شابتها حالة من الفوضى، حيث من المتوقع أن تفقد رئيسة الوزراء المزيد من السيطرة على مجريات عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.ومن جانبها، قالت رئيسة الوزراء التي ما زالت تملك زمام السيطرة على الأمور، رغم تعرضها لضغوط متنامية للاستقالة، إنها غير ملتزمة بتبني أي قرار ينتهي إليه أعضاء البرلمان، لكن زعيم حزب العمال المعارض، جيرمي كوربين، حث الحكومة على "التعامل بجدية" مع الوضع الحالي، قائلا إن "الحكومة فشلت وهذا المجلس يجب أن ينجح، وأعتقد أنه سينجح"، مشددا على أن النواب يريدون طريقة للمضي قدما في هذه القضية.وتتوقع مصادر حكومية، أن مجموعة من أعضاء البرلمان من مختلف الأحزاب سيقومون بالضغط في سبيل الوصول إلى بدائل لخطة الخروج، على أن يتم مناقشتها والتصويت عليها في الأيام المقبلة، وسيكون أمامهم ستة خيارات أخرى، بالإضافة إلى صفقة ماي، وهي إلغاء المادة 50، وإلغاء بريكست، وإجراء استفتاء آخر، والموافقة على صفقة رئيسة الوزراء بالإضافة إلى الاتحاد الجمركي، والوصول إلى السوق الموحدة، واتفاقية تجارة حرة على الطراز الكندي، أو الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.ويعتمد التأثير الدقيق على المملكة المتحدة على ما إذا كانت عملية الانسحاب "صلبة" أم "لينة"، حيث يعنى الانسحاب الصلب مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية الموحدة مع صفقات قليلة أو معدومة تماما (التجارة أو غير ذلك) ، فيما يقصد بالانسحاب اللين أو الناعم وجود أي صفقة تنطوي على الاستفادة من بعض المميزات التي تتمتع بها الدول الأعضاء في الاتحاد، حيث كشف تحليل أجرته وزارة الخزانة البريطانية، أنه ليس من المتوقع أن يؤدي خروج بريطانيا إلى تحسين الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة كما كان يعتقد، وأن التأثير المحتمل خلال الـ15 عاما المقبلة على الاقتصاد البريطاني سيكون أسوأ بنسبة 3.9 فى المئة مقارنة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي.والإجماع الواسع بين الاقتصاديين، يشير إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من المرجح أن يقلل من دخل الفرد الحقيقي على المدى المتوسط والطويل، وأن استفتاء خروج بريطانيا نفسه قد أضر بالاقتصاد، فيما يطرح تحديات أمام التعليم العالي والأبحاث الأكاديمية، إلا أنه من المرجح أن يحد من الهجرة من دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية إلى المملكة المتحدة. ومن جانبه، حذر كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد ميشيل بارنييه من مغبة تأجيل الخروج دون مبرر، حيث إن تمديد عملية الخروج سيخلق صعوبات لبقية دول أوروبا التي لم تحظ باهتمام كاف، وقد يسعى الاتحاد الأوروبي إلى حل هذه الصعوبات بطرق تؤدي إلى مزيد من المشاكل للمملكة المتحدة.بات بريكست بريطانيا فى وضع معقد ويصعب تحليله داخليا وخارجيا فى بقية الدول الأوروبية، ففى الوقت الذى أظهرت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعض الاستعداد لاستيعاب العملية السياسية البريطانية، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، درجة عالية من الإحباط، فيما أعرب رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي، بوضوح أنه يفضل أن يبقى البريطانيون في الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أنهم يواجهون حسابات سياسية معقدة وحساسة للغاية.أما داخليا، فإن القلق الذي يساور البريطانيين بشأن التأثير كبير لتوقيت العملية البريطانية والبدائل المتاحة للحكومة، حيث سيدفع خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي إلى ركود اقتصادي يؤدى إلى نقص الغذاء والدواء والكهرباء بسبب القيود على التجارة.

مشاركة :