افتتح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، أمس، أعمال الدورة الثالثة لـ «ملتقى أفكار أبوظبي 2019» الذي تستضيفه جامعة نيويورك - أبوظبي بالتعاون مع مؤسسة تمكين، بحضور معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، ومعالي زكي أنور نسيبة وزير دولة، ومعالي خلدون خليفة المبارك رئيس جهاز الشؤون التنفيذية الرئيس التنفيذي للمجموعة العضو المنتدب في شركة مبادلة للاستثمار. ترسيخ التسامح وقال معالي الشيخ نهيان بن مبارك - في كلمته الافتتاحية - إن الملتقى يظهر بوضوح أن تطور العالم رهن بثلاثة عوامل مهمة هي السعي إلى إيجاد حلول مبتكرة ومسالمة لمشاكل العالم وتشارك المعرفة والترويج لتطبيقها من أجل تحسين حياة البشر والتغذية المستمرة للإبداع وطرق التفكير الجديدة من أجل إرساء السلم وتعزيز الازدهار ومواجهة التحديات العالمية الكبيرة التي تعترضنا. وأضاف أن إعلان عام 2019 عاماً للتسامح في الدولة، يشكل امتداداً لـ «عام زايد 2018»، وقد ترسخ مبدأ التسامح بزيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف إلى الإمارات، حيث ركزت الزيارة على نشر الأخوة بين البشر حول العالم، واختصرت وثيقة الأخوة الإنسانية الجهود التي يجب بذلها من أجل مواجهة التحديات الحالية. وتحدث معاليه عن التزام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» بالتسامح والتعاطف والحوار، ويواصل المسيرة في دعم وتعزيز ونشر قيم التسامح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. نظرة استشرافية من جانبه، تحدث معالي الدكتور أنور قرقاش في جلسة حوارية أدارتها مينا العريبي رئيسة تحرير «ذا ناشونال»، حيث تناول معاليه عدداً من القضايا الإقليمية والدولية ودور دولة الإمارات في تعزيز الأمن والاستقرار للمنطقة وطبيعة النظام الدولي وانعكاساته على المنطقة. وقال إن ما نلمسه من خلال متابعاتنا وقراءتنا للنظام الدولي أن هناك مراجعة ونظرة استشرافية للحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأميركية، وهناك تساؤلات داخلية في الولايات المتحدة عن الدور الأميركي في المنطقة والعالم، وهل سيستمر الدور النشط لواشنطن أم هل سنرى فترة انكفاء، فنحن علينا أن نراقب، ونرى ما ستؤول إليه الأمور. وأضاف أن هناك حواراً أوروبياً شبيهاً وتبايناً بين عدد من الدول الأوروبية حول التوجه الأوروبي وبناء أوروبا الموحدة، ومع هذا نبقى متفائلين بعلاقاتنا الثنائية مع حلفائنا الأوربيين، ونسعى إلى المزيد من التواصل والحوار، وتسير نحو مناقشة الأشياء ذات الاهتمام المشترك. وبالنسبة للصين أوضح أنه من مصلحة المنطقة ألا نشهد فترة مواجهة وتصادم بين القوى الكبرى، وهناك قلق من الصدام الاقتصادي والسياسي بين الصين وبين الولايات المتحدة، فمثل هذه الحالة تعود بالضرر علينا، وعلى المنطقة فعندما تتحسن العلاقات بينهما يعود ذلك بالنفع علينا وعلى جميع دول العالم بشكل مؤكد. نظام عالمي متغير وذكر معاليه أن العديد من الدول لا تنظر إلى روسيا بأنها قوة عالمية، ولكن الواقع في منطقتنا يقول غير ذلك، فدور روسيا في مناطق مختلفة في العالم تنامى، وزاد نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وأوروبا بسبب غياب الدور الأميركي الواضح في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، مشيراً إلى أننا نعيش في نظام عالمي متغير ومتقلب ومثير للقلق ويؤثر على دول مثلنا، ومع كل هذه التغييرات تبقى الولايات المتحدة الأميركية حليفنا الأول والأساسي والتعاطي الأميركي مع قضايا المنطقة في مجمله إيجابي ومهم لقضايا المنطقة والقضايا الإقليمية. وأوضح معالي قرقاش، أن علاقتنا مع الصين والهند قوية، وهما شريكان تجاريان كبيران وتشهد علاقتنا نمواً وتقدماً كبيراً، خاصة في الجوانب الاقتصادية والاستثمارية ونتطلع لأن تكون هذه العلاقة أكبر وأشمل في المستقبل، معتبراً أن الأولوية للأيديولوجيا فوق السياسات العملية والواقعية والنتائج الملموسة كانت إثاره سلبية علي المنطقة ومن ضمن ذلك فترة التيار القومي وما تبعه بما يعرف بالإسلام السياسي والذي بتخريجه الأيديولوجي اخفق بشكل ذريع في العقود الثلاثة الماضية، ولدينا الآن فرصة لتدارك ما فات من تجاوز الأيديولوجيات ومثال على ذلك سيطرة الإخوان على مصر وفشلهم في تدبير أمورها وإدارتها من منظور أيديولوجي، وهو ما شجعته العديد من مراكز البحوث الغربية في قراءة خاطئة لسير التطورات في المنطقة. وبين أنه مرت منعطفات بدول المنطقة، واعتقد البعض أن هذه الأيديولوجيات قد تكون بديلاً للأنظمة التي ما كانت قبلها، وعندما أعطيت لهم الفرصة أصبحت الأمور أسوأ وتبين فشلهم الذريع. حل الأزمات وقال إن النزاع الإسرائيلي والفلسطيني والاكتفاء بإدارة الأزمات بدلاً من السعي إلى حلها في المنطقة علمنا أن الأزمات أن تركت فهي بدورها تولد الأزمات، مشيراً إلى أن هناك فشلاً ذريعاً في النظام الإقليمي العربي حتى بمقاييس هذا النظام المتواضعة، ونرى ذلك واضحاً في تهميش، بل وغياب للدور العربي الإقليمي في نزاعات المنطقة في الـ 15 سنة الماضية مما أتاح الفرصة لإيران وتركيا للتدخل في المنطقة، خصوصاً في الأزمة السورية. قرارات صعبة ونبه معاليه إلى أنه في ظل تغير القواعد المنظمة للنظام الدولة وجدنا أنفسنا أمام اختبارات عسيرة عديدة ومن ضمنها القرارات الصعبة التي كان لا بد من اتخاذها تجاه الأزمة اليمنية فالإمارات تؤمّن محيطها مع أشقائها ولن تسمح بظهور سيناريو لـ «حزب الله» آخر قريب من محيطها الجغرافي كما رأينا في اليمن. وفيما يخص الوضع في العراق، قال قرقاش إنه معقد، ويجب النظر له من 3 أبعاد، أولها أن الآيديولوجية لم تخدم منطقتنا وعلينا أن نكون في سياستنا وتوجهنا واقعيين، وأن نركز أكثر على النتائج، فالإسلام الحزبي السياسي كان ينظر إليه انه ايديولوجيا صاعدة وتوقع البعض أن الإسلام السياسي سيعيد قوة المنطقة لـ 30 عاماً مقبلة، وهو ما اتضح خلافه، وأعتقد أن آخر شيء يرغب فيه أي مواطن عربي هو أن يحاكي نموذجه دولة ديمقراطية في الشكل وتشهد المحاصصة وعدم الاستقرار في المضمون. وأكد معاليه أن لدينا دوراً ثقافياً واضحاً في نبذ التطرف ونظرة يجب أن نعمل عليها مشتركين لوضع استراتيجية لمواجهة التطرف والتعصب. وفي رده حول التواصل الاجتماعي أشار إلى إن الأخبار الزائفة في محيطنا العربي مقلقة، ومع هذا لعل هناك وعياً أكبر مؤخراً تجاه انتشار هذه الأخبار الكاذبة وإعادة التركيز على الإعلام والصحافة المهنية، وهناك فرصة للعودة للنزاهة والمصداقية. قنوات مفتوحة وبالنسبة للتطورات الأخيرة في المنطقة الشرق الأوسط وقرار وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لضم مرتفعات الجولان لإسرائيل، قال معاليه: «إن هذا القرار سيئ، وعلينا أن نحل الصراع العربي الإسرائيلي، ولدى واشنطن القدرة على التغيير والمساهمة الإيجابية، ومع تقويض حل الدولتين على المستوى السياسي والجغرافي والاقتصادي، فالمسار الذي أراه هو أن يصبح حل الدولة الواحدة الخيار الطبيعي خلال العشرة سنوات القادمة، وأن يتمحور النقاش حول المساواة القانونية بين مواطني هذا الكيان، ولا شك في أن إبقاء قنوات التواصل مفتوحة ضروري لكل صراع سياسي وانقطاع الحوار والتواصل تاريخياً عمق فرص الوصول إلى حل ولم يعززها.. وستستمر خلال السنوات المقبلة خطوات تواصل دول عربية أكثر مع إسرائيل، ولكنها لن تمثل تحولاً استراتيجياً منشوداً، بل خطوات ستصبح مع مرور الأيام عادية، سواء في هذه البطولة الرياضية أو ذاك المؤتمر الاقتصادي، فالعلاقات لن تكون كبيرة بالشكل المتعارف عليه، ولكن التغيير الاستراتيجي الرئيسي سيبقى مرتبطاً بآفاق الحل السياسي وإذا واصلنا هذا النمط في المستقبل، فلن يكون حل الدولتين ممكناً والحوار سيتغير في طبيعته».
مشاركة :