مريد البرغوثي: أنا «بدون» كونيّ!

  • 3/28/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ليلاس سويدان –  بمجرد أن انتهت الأمسية الشعرية التي قدمها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، التفتّ حولي لأجد كثيرين من الحضور يوافقونني الرأي بأن هذه الأمسية الشعرية «لاتنسى». بعد أربعين عاما يأتي مريد البرغوثي الى الكويت، بدعوة من مركز حروف الثقافي ليقدم أمسية شعرية. هذا الشاعر الذي اقتبست مقولته «نجحت في الحصول على شهادة تخرجي وفشلت في العثور على حائط أعلق عليه شهادتي» في الإعلان عن الأمسية، قدمه وحاوره الشاعر مصعب الرويشد، قال إننا نريد أن نستمع إلى مريد الشاعر الذي قرأناه، ونريد أن نسمعه يتحدث عن درويش وناجي وغسان كنفاني ورضوى عاشور. فمريد من الأسماء التي وجهت مسار الخريطة الشعرية في العالم العربي، بالنظر إلى أدواته المتفردة واللحظات المفصلية التي عاصرها وكتب عنها. الأمسية تنوعت بين القصائد والحوارات، ولكنها ابتدأت بمفاجأة إلقاء الشاعرة سعدية مفرح قصيدة باسم مريد الرغوثي كتبتها قبل عشرين عاما في ديوانها «مجرد مرآة مستلقية». الرحيل والذات تحدث البرغوثي في تلك الأمسية عن الرحيل، وما فعله بتجربته الشعرية، وقال إن إجابته الدائمة هي أنه لا يقيم في الأماكن وإنما يقيم في الأوقات، فهو مهدد دائما بترك الأماكن، وقد سكن حتى الآن في نحو خمسة وأربعين منزلا، وعاش في ثلاث قارات ولم يكن ذلك باختياره، ووصف نفسه بـ«البدون الكوني». الرحيل وسّع مفهومه، كما قال، لمفهوم الذات، فهي أنت والأجزاء الصغيرة من عالمك التي تتراكم على قدميك وانت تخطو في هذا العالم، فأصبح يتقبل هذا العالم المختلف الذي «يشبهه». شعر متخشب قال البرغوثي إنك عندما تدعو شاعرا فلسطينيا تتوقع انك ستسمع شعرا «كاكي» أو شعرا مسلحا ومتخشبا، وسبب ذلك هو النقاد الذين يكتبون عن الشعر لامتداح قضيته وينسون النص الشعري كأدب وفن، وتحدث عن نقطة لافتة هي «تمجيد» الشعب الفلسطيني لنضاله وتضحياته من أجلها، ودعا إلى التوقف عن هذه الاستعلائية التي لا تلائم إنسانا يحاول أن يكون دقيق القول، وجزء من الشعر الدقة. نيزك السياسة السياسة تسقط على حياتنا كالنيزك، هكذا وصفها البرغوثي وهو يتحدث عن أسرته الصغيرة، زوجته الكاتبة الراحلة رضوى عاشور، وابنه الشاعر تميم البرغوثي، الذي قال إنه حرم من ان يكون له أخ أو أخت عندما طرده الرئيس الراحل محمد أنور السادات من مصر، عندما كان ابنه تميم في شهره الخامس، ومنع من العودة إلى مصر لمدة سبع عشرة سنة. وعن البيت وأسرته الصغيرة وذكريات بدايات علاقته برضوى تحدث ايضا، وعن مكتبات البيت الثلاث التي قرأ منها تميم في صغره، مكتبة التراث العربي القديم، وقال إن الانشغال بالسياسية ليس خيارا، لأن مكونات حياتنا عبث بها السياسيون والحروب، فالسياسة تسقط علينا كالنيزك. محمود درويش جانب من حوار الندوة كان عن صديقه الشاعر الراحل محمود درويش وعلاقته به، وكيفية تلقيه خبر وفاته، وقال إن ما أذهله في جنازة محمود درويش هو أن السلطة أبّنته كعضو لجنة تنفيذية في منظمة التحرير لا كشاعر!، أي السلطة حاولت أن «تتملكه» مع أنه شاعر، ولكن هؤلاء لا يقرأون الأدب كما قال، وقال إنه لا يفتقد شعر محمود درويش، لأنه موجود، وإنما يفتقد صحبته وصداقته وخفة ظله وحياءه. خلود صغير ألقى مريد البرغوثي عدة قصائد منها «الغمزة»، «الشهوات»، «منطق الكائنات» وقصيدة «خلود صغير» من ديوانه الأخير: «استيقظ كي تحلم» خَلْفَ أزرارِ هذا القَميصِ الخَفيفْ، أواصلُ أشغالَ مَن ظلَّ حَيّاً: أدفِّئُ «رضوى» من البَرْدِ، يسهرُ عندي «مَجيدٌ» وتقطفُ «أمُّ منيفٍ» زُهورَ حديقتِها في انتظارِ «مُنيفْ». وها نحن نمشي معاً في صَباحِ الجِبالِ نقولُ ونَسمَعُ نتعَبُ نُبْطِئُ نرتاحُ نسرعُ نغضب نغفر ننسى نَتُوهُ قليلاً ونَسألُ نذْكُرُ بيتاً من الشعر للمُتَنَبّي ونضحكُ مِن نكتةٍ خالطت دمعنا هل أغيِّرُ للموتِ رأياً وأُقنِعُهُ أنه فاشلٌ؟ أيقتنعُ الموتُ أنّي أسيرُ بأقدامهمْ؟ فخُطايَ خُطاهُمْ وعينايَ أعينُهُمْ والقصيدةُ إصغاؤهم هل سأقنعهُ أنهم يَحدُثونَ لِيَ الآنَ مِثْلَ النّجاةِ ومِثْلَ العِناقْ؟ يَحدُثونَ لِيَ الآنَ حتى نُطيقَ معاً عِبْءَ هذا الجَمالِ الذي لا يُطاقْ

مشاركة :