قمت بزيارة أحد الأصدقاء لتقديم واجب العزاء بمناسبة وفاة السيدة المرحومة زوجته، التي كانت له خير رفيق طوال فترة زواجهما، كما يشهد لهما المعارف، وقد وجدته في غاية الحزن والأسى، ومن الحق يمكن لا يلومه أحد، ولكن هناك من يقول «اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته». فتذكرت بالحال حالة صديقي وجاري السيد بشير العلوي، وهو مغربي كان يسكن بجوار منزلنا في الرباط، الذي فقد جميع أفراد عائلته المؤلفة من ثلاثة أطفال وزوجته ووالده ووالدته وأب زوجته وأمها، الذين لاقوا ربهم في يوم واحد أثر حادث سيارة، وكان على غير بال الجميع. وتتلخص حالة وفاة هذه العائلة الكريمة، التي وافتهم المنية في يوم واحد، بما يلي: السيد الصديق كان متزوجا بسيدة فاضلة من جنسية ايطالية، التقى بها منذ فترة دراسته الاكاديمية في إحدى جامعات ايطاليا، وقد انجبت له ثلاثة أطفاله كالزهور، كان أكبرهم ولد عمره سبعة أعوام. شاءت الأقدار ان يزور والدا زوجة الصديق بنتهما في الرباط، وبهذه المناسبة حضرت والدة الصديق ووالده إلى منزل ولدهما للاحتفال والترحيب بنسائبه، فاجتمع الشمل في الرباط بمنزل الصديق الجار. وبهذه المناسبة العائلية، قدمت السيدة والدة الصديق اقتراحاً بدعوة كل العائلة للقيام بزيارة منزلها، الذي يقع في منطقة راقية من مناطق جبال الاطلس المتوسط لقضاء بعض الوقت، ليتمكن والدا زوجة الصديق الاطلاع على جبال الاطلس المتوسط الرائعة. استجاب الجميع لهذا الاقتراح، وقد أعدت لذلك سيارة العائلة ليخرج الجميع إلى مكان منزل والدي الصديق، على أن يتولى قيادة السيارة في هذه الرحلة الصديق نفسه. لكنه لأسباب طارئة منعت الصديق من مرافقة عائلته، فأوكل الأمر للسيدة زوجته، التي تحملت مسؤولية قيادة السيارة في هذه الرحلة التي اصطحبت فيها بسيارة العائلة كلا من «والدها ووالدتها ووالد ووالدة زوجها وأطفالها الثلاثة الصغار»، وفي الطريق المرتفع في أعالي جبال الاطلس فوجئوا بسيارة شحن تسير أمامهم متجهة إلى ارتفاع الجبل تقطر وراءها قاطرة تحمل في جوفها كميات من البضائع الثقيلة، وكانت الشاحنة تسير ببطء شديد، مما اضطر السيدة زوجة الصديق أن تجاري تلك الشاحنة في سيرها، إذ انها لم تجد مجالا آخر لكي تنفذ منه. وفجأة والسيارتان تسيران باتجاه واحد، انفصلت المقطورة عن رأس سيارة الشحن فارتدت مسرعة إلى الوراء مجتاحة بذلك سيارة العائلة بما فيها من أفراد إلى قعر الوادي السحيق، مما إدى الى مصرع العائلة بالاجماع، ذهبوا بذلك إلى رحمة الله وهذه من مصائب الحياة التي أمر الله بها، وما علينا إلا أن نؤمن بما كتبه الله لنا «ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» «إنا لله وإنا إليه راجعون». محمد سالم البلهان* * سفير سابق
مشاركة :