من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، كلمات نقولها لنذكِّر بها نفسنا، ولنخفف عن كل من فقد عزيزاً عليه. فقد قطعت رجل عروة بن الزبير لمرض أصابه، وفي اليوم نفسه توفي أعز أبنائه السبعة على قلبه بعد ان رفسته فرس، فكان أن قال عروة: اللهم لك الحمد وإنا لله وإنا إليه راجعون، أعطاني سبعة أبناء وأخذ واحداً، وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحداً، إن ابتلى فطالما عافى، وإن أخذ فطالما أعطى، وإني أسأل الله أن يجمعني بهما في الجنة. دخل عروة على الخليفة بعد أن تعافى بعد قطع رجله، فرأى شيخاً طاعناً في السن، مهشم الوجه أعمى البصر، فقال له الخليفة: يا عروة سل هذا الشيخ عما أصابه، فسأله عروة: ما خطبك أيها الشيخ؟ قال الشيخ: يا عروة، اعلم أني بت ذات ليلة في واد، وليس في ذلك الوادي أغنى مني، ولا أكثر مني مالاً ولا حلالاً ولا عيالاً، فأتانا السيل بالليل فأخذ عيالي ومالي وحلالي. ما إن طلعت علي الشمس الا وأنا لا أملك إلا طفل صغير وبعير واحد، فهرب مني في ذلك اليوم البعير فلحقت به، وما ان ابتعدت قليلا حتى سمعت صراخ طفلي، فالتفت وإذا بذئب يريد افتراسه، فعدت لإنقاذه فلم أقدر على ذلك، فقد مزقه الذئب بأنيابه، فعدت لألحق بالبعير، وما ان اقتربت منه حتى رفسني بخفه على وجهي فهشمه وأعمى بصري، فسأله عروة: وماذا قلت بعد كل ما أصابك؟ فقال الشيخ: قلت اللهم لك الحمد تركت لي قلباً عامراً ولساناً ذاكراً. فلابد أن كلا منا قد اصابته مصيبة، الله وحده اعلم بمعاناتنا منها، ولكنها حكمة الله في خلقه، فقد أعطانا نعمة لا يمكن أن نعيش من دونها، ولا أن نواصل حياتنا ومعاشنا بفقدانها، إنها نعمة النسيان، أما النعمة التي لا بد أن نتسلى بها لتهون علينا مصائبنا، فهي أن نرى مصائب غيرنا، فكل مصيبة تصيب أي انسان لا بد أن هناك من أصيب بمصيبة أعظم منها، فلنحمد الله على ما نعيش به من نعمة، ولنقل: الحمد الله الذي عافانا ورزقنا وفضلنا على كثير من خلقه. فالصبر مفتاح الفرج، وهل هناك قول أحسن من قوله تعالى عندما بشر الصابرين بقوله: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ». طلال عبد الكريم العرب talalalarab@yahoo.com
مشاركة :