قال تعالى «وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً..». الأم هي مصدر الحنان الذي لا ينبض والعطاء المتدفق الذي لا يكل ولا يئن من التعب، هي منبع الأمان والطمأنينة والحنان والشفقة وبارقة النور وإشراقة الحياة، هي المعلم الأول في حياة كل إنسان والمرأة الأولى وراء كل عظيم، هي مصدر المعرفة والسعادة الحقيقية في حب الله، هي النقاء والعطاء والفيض المتدفق من الدعاء، هي نعم الجليس وخير الأنيس، أشد الحنين في دار الغربة ونعم المقربين في وطن الأحبة، هي البسمة في لحظة الألم واليد الحانية في ساعة الحزن، هي المبتهلة لربها ليلاً ونهاراً وتوسلاً لحفظ أبنائها من كل شر وسوء، ومهما كانت بلاغة العبارات والسعي جهداً في انتقاء أجمل المفردات فلن تستطيع أن تفي الأم قليل القليل من حقها، إنها بإختصار ملاك طاهر متجسد في صورة إنسان.ومنذ إدراكي للمعاني في الحياة أعلم أن هناك يوماً مخصصاً للاحتفاء وتكريم الأم ألا وهو الحادي والعشرين من شهر مارس من كل عام، يقدم فيه الأبناء الهدايا إلى أمهاتهم اعترافاً بفضلهن عليهم وامتناناً بجميلهن، وفي الواقع هذا السلوك لا يعتبر مظهراً من مظاهر تكريم الأم، لأن الإسلام كرم الوالدين وليس الأم فقط طوال حياتهما وحتى بعد موتهما أيضاً، ولم يخصص لهما تاريخاً محدداً للاحتفاء بهما، ولكن حث كل ابن وابنة على تكريمهما والبر بهما ورعايتهما في كل لحظة طوال حياتهما حيث قال تعالى في كتابه العزيز: «ووصّينا الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن، وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك إليّ المصير». (لقمان الآية 14).كما حث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) على طاعة الوالدين والإحسان لهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك.وفضل الأم على الأب وذكرها ثلاث مرات مقابل مرة واحدة للأب له موجباته، وهي الحمل والرضاع والرعاية، كما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال:«هل لك من أم» ؟ قال: نعم. قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها».وفضل الوالدين على الأبناء لا يتمثل فقط في مجرد تكريمها في يوم واحد من العام فقط ولكن للوالدين فضل على الأبناء، منها حسن رعايتهما والقيام على شؤونهما طوال حياتهما وحتى بعد موتهما، حيث قال تعالى «وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً» (الأحقاف الآية 15). وعدم إيذائهما واسماعهما مايكرهان من القول أو الفعل.قال تعالى: «فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً» - (الاسراء الآية 23). والإنفاق عليهما دون تردد أو تكاسل أو بخل أو شح، بل إن النفقة عليهما وإطعامهما عند الصالحين أحب اليهم من أن يطعموا أبناءهم، والطاعة والإئتمار بأمرهما إن أمرا بمعروف، اما إن أمرا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال تعالى: «وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً». (لقمان الآية 15).ولمكانة الوالدين العظيمة عند الله سبحانه وتعالي وتعظيماً لهما، لم يقصر بر الأبناء بهما وهم على قيد الحياة فقط، ولكن بعد موتهما، حيث أمر الأبناء بقضاء ما على والديه من كفارات والتصدق عنهما والحج او الاعتمار عنهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما: «ان امرأة من جهينة جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ان أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته، اقضوا الله فالله احق بالوفاء»، رواه البخاري.وكذلك بعد موتهما أيضاً، يجب على الأبناء بر من كان والديه يصلهم ويحترمهم كاقأربهما وأصدقائهما - عن عبدالله بن عمر (رضي الله عنه) ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي»، رواه مسلم. أيها الأبناء فلنتخذ من يوم الحادي والعشرين من هذا العام يوماً نرجع فيه لتنفيذ أوامر الله في طاعة الوالدين تضرعاً، واحتساباً لرضا الله والفوز بجناته، واضعين نصب أعيننا دائماً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال «رغِم أنفه، رغِم أنفه، رغِم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة» رواه مسلم. وَاخْـضَـعْ لأُمِّــكَ وأرضها فَعُقُـوقُـهَـا إِحْـدَى الكِبَــرْ - كما قال الإمام الشافعي.. فلنسرع الخطى لاسترضاء والدينا وأمهاتنا بوجه خاص، والارتماء بين أحضانهم، فليس هناك وسادة في الدنيا أنعم من حضن الأم. كلمة أخيرة في آذان أمهات هذا الزمان – أولادكن وبناتكن أمانة في أعناقكن فضعوا أعينكن عليهم آناء الليل والنهار وتقربن إليهم ولا تجعلن الحياة الدنيا بما فيها من مباهج ولهو تلهيكن عن أداء رسالتكن الأولى في الحياة، وهي رعاية أبنائكن ولا تتركوهم فريسة سهلة ضد أي تيار يعصف بهم في ظل التنامي المضطرد للتقنية الحديثة.همسة: أمي انفطر القلب حنيناً إليكِ ولضمة شوقي (أبي) بين أحضانه – رحمة الله عليكما.
مشاركة :