حوار: نجاة الفارس أكد الروائي الدكتور محمد المعزوز، أن الرواية شكل من أشكال الوعي في المجتمع، و ما لا نستطيع أن نقوله في الكتابة الفكرية نستطيع أن نقوله في الرواية، فهي مرتبطة بالوجدان وبالنفس الإنسانية. وأضاف في حواره مع «الخليج» أن طبيعة الإبداع لا يحده سقف، الإبداع إرادة مطلقة في التعبير، والرواية الخالدة تكون صادقة ومرتبطة بالإنسان، لأن الكتابة معاناة، كالولادة وهي مخاض حقيقي. وقال دعوت في روايتي «بأي ذنب رحلت ؟» أن نحصن مجتمعنا ضد القبح، وضد العنف، ولا بد من الاحتفاء بالفلسفة والجمال. * النقد العربي لا يلاحق التطورات الحديثة محمد المعزوز باحث وكاتب مغربي ولد في العام 1959، حصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا السياسية من جامعة السوربون عام 1991، ودكتوراه في الفكر العربي، فلسفة عامة من جامعة محمد الخامس بالرباط عام 1999 وله العديد من الإصدارات في مجال الأنثروبولوجيا السياسية باللغتين العربية والفرنسية، منها الإسلام والسياسة، علم الجمال في الفكر العربي القديم، وانشغالات سياسية، توثيق للمواقف، حصلت روايته «رفيف الفصول» على جائزة المغرب للكتاب عام 2007. ووصلت روايته «بأي ذنب رحلت» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية هذا العام. * ماذا يمثل لك الوصول إلى جائزة البوكر؟ - هو تشريف أولاً، وثانيا هو تحفيز جديد على الكتابة، كي أكتب بنفس آخر، وبتأمل جديد، وبقوة أخرى. * يقال إن الحروب تنتج كوارث لكنها أيضاً تنتج أدباً فريداً من نوعه. - نعم الحروب تنتج كوارث، كما يمكن أن تنتج أدباً راقياً، ولكن هذا ليس بالمطلق، مثال على ذلك أن بلادنا العربية اليوم تشهد حروباً داخلية، وفتنة كبرى، ولكن لم تنتج لغاية الآن أدباً راقياً، أو معرفة راقية، نحن الآن نعيد إنتاج ما تمت كتابته في القرن الماضي، لذلك فإن هذه المقولة ليست صحيحة تماماً. * كيف تنظر إلى مشهد النقد الأدبي عربياً؟ - أعتقد أن النقد العربي لم يطور أدواته من الداخل، لأننا نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي، وبالتالي فإن السرعة التي فرضتها علينا وسائل التواصل الاجتماعي، هذه السرعة في التعامل مع النص القصير، في نقد الأشياء، أصبحت شكلاً جديداً، وطريقة مغايرة، على النقد أن يواكب هذه الثورة، ليس أن يكررها، أو يحكي عنها، ولكن يستفيد من عمق تقنيتها، ليكون هو بدوره تقنياً في التعامل مع النصوص الأدبية، ويقول لنا مثلاً هل النصوص الأدبية الكبيرة خيار صائب، أم أن علينا أن نكتب الرواية القصيرة، أو فلاشات، أو مشاهد مثل الرسائل القصيرة في «الواتس أب»، هذا مثال فقط، القارئ اليوم غير قارئ البارحة، حتى نحن من أبناء الجيل القديم، لم نعد نقرأ الكتب الكبيرة الضخمة، لأنه تغلغل في ذائقتنا وفي عقلنا ما يسمى بالقراءة السريعة، تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. * كيف أثرت دراسة السياسة وعلم الجمال في نتاجك الأدبي؟ - بالتأكيد كشفت ممارسة العمل السياسي كثيراً من البشاعات، وكشفت كثيراً من النفاق، كما أن دراستي الأكاديمية وانفتاحي الأكاديمي على المكون الجمالي وما كتبه العرب القدماء، وما هو منتج على مستوى العالم في علم الجمال، أكد لي أننا بحاجة اليوم إلى العودة إلى الجمال، ومخاطبة الوجدان وهذه دعوة روايتي «بأي ذنب رحلت» فهي تدعو إلى الاحتفاء بالوجدان، وبالفلسفة والأخلاق. * كيف تختار أبطال أعمالك الروائية؟ - أحياناً أختارهم بتأمل وروية، وأحياناً بعض الشخوص تُخلق وأنا أكتب، من داخل الكتابة تفرض نفسها عليّ، صحيح هناك تخطيط للرواية، وتخطيط لبعض الشخوص، وانتمائها لمكان معين، وعصر معين، ولكن في الوقت نفسه هناك شخوص تقتحم الكتابة. * كيف تنظر إلى سقف حرية الكتابة الروائية عربياً؟ - طبيعة الإبداع لا يحده سقف، الإبداع إرادة مطلقة بالتعبير، وصدقاً في المغرب ليس هناك سقف للحريات، أنت حر أن تكتب كيف شئت، صحيح أن الكتابة الصحفية شيء آخر، ولكن كمبدع، كروائي، كفيلسوف ليس هناك سقف، لا أعتقد في المغرب هناك من يقول لك لماذا كتبت هذا، أو أن عليك أن تلتزم بشيء. * أين يكمن سر كتابة رواية ناجحة وخالدة في رأيك؟ - في الصدق، وفي العمق، وأن تكون الرواية ناتجة عن مخاض علمي، وثقافي، وفكري، وإبداعي، لأنها تجربة إنسانية للكاتب أولاً، قبل أن تكون تجربة ترصد العالم، وشخوصه، يضاف إلى ذلك النقد، لأن كثيراً من الروايات الرائعة لم يكتب لها أن تعرف بسبب غياب دور النقاد. * ما أهم التحديات التي تواجهك ككاتب وكروائي وما طموحاتك المستقبلية؟ - التحديات التي تواجهني الآن هي كيف أكتب من دون أن أكرر ما كتبته، لان بعض الروائيين الممتازين والمتفوقين، يكتب رواية واحدة ثم ينوع عليها في عشر روايات أخرى، بمعنى أنه يكتب الرواية ثم يستنسخ منها أعماله الأخرى، يكرر نفسه، أتمنى ألا أكرر نفسي، وأن أكتب رواية وفق الشروط التي تحدثت عنها، أخاطب فيها ما هو كوني، وما هو إنساني. * إلى أي مدى نستطيع أن نعول على الرواية في خلق الوعي لدى المجتمع؟ - نعم الرواية شكل من أشكال الوعي في المجتمع، وأعتقد أن ما لا نستطيع أن نقوله في الكتابة الفكرية نستطيع أن نقوله في الرواية، الرواية مرتبطة بالوجدان، وبالنفس الإنسانية، بالانكسارات الداخلية والأحلام، بأشواق وانفعالات، بأفراح وأحزان، هذه الأشياء هي التي تؤسس عالم الرواية، وهي التي تؤسس وعياً بالمجتمع وتؤسس، وعياً لدى الأفراد، وكلما خاطبت الرواية عمق المجتمع كلما خلقت هذا الوعي، وكلما كانت الرواية ببغاء للسلطة، أو ببغاء لجهة ما بالتأكيد لن تؤثر في المجتمع، ولن تخلق وعياً، الرواية المستفزة التي لا سقف لها، والرواية المدوية بأفكارها وبالحقائق التي تحملها هي اختراق للتاريخ واختراق للمجتمع، كلما حدث هذا التنوير، وهذا الدويّ وتفجير كل السقوف الممكنة من فوقها، ومن تحتها، ومن حولها، كلما كانت الرواية تؤسس للوعي الذي نحن بحاجة إليه في بلادنا العربية.
مشاركة :