في ظل السياسة التي تنتهجها الدولة المصرية بأجهزتها الرقابية لمكافحة الفساد، وفي ظل التأكيدات المتواصلة من الرئيس عبد الفتاح السيسي على أنه لا أحد فوق القانون حتى رئبس الجمهورية وأنه " كله ها يتحاسب"، بات الحديث عن تأسيس مفوضية عليا للشفافية ومكافحة الفساد مطلبا وطنيا بل وملحا ، خاصة في ظل توحش الفساد في المؤسسات الحكومية الذي لو ظل على هذا النهج سيلتهم الأخضر واليابس، ويقضي على كل ما تحقق من إنجازات ضخمة قام بها الرئيس السيسي ، فمن المعلوم أن مصر رغم الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة في مسار مكافحة الفساد وبرغم تحسن ترتيب مصر في مؤشر مدركات الفساد ١٢ نقطة ، وفقا للتقرير الصادر عن منظمة الشفافية العالمية عام ٢٠١٨ إلا أن التقرير نفسه اوضح أن ترتيب مصر في مؤشر مدركات الشفافية في ذات العام وصل ١٠٥ من بين ١٨٠ دولة ، وهو ترتيب لا يليق بحجم ومكانة مصر.وايضا وفقا لتقرير صادر عن هيئة النيابة الإدارية عام ٢٠١٦ اكد المستشار محمد سمير المتحدث الرسمي للنيابة الإدارية أن هناك ١٤٥ الفا و٤٣٠ قضية فساد ومخالفات تلقتها النيابة الإدارية خلال العام المذكور وأنجزت النيابة الإدارية منها ٩٢ % أما بتبرئة المتهمين أو إحالتهم للمحاكمة أو حفظ القضية ، وكان المتحدث الرسمي للنيابة الإدارية قد أكد أيضا أن القطاعات الأكثر فسادا هي المحليات ثم التعليم وتليها الصحة في الترتيب ، وأكد أيضا على دور المواطنين في مكافحة الفساد وفي رأيي هذا تطور مهم من خلال جعل المواطن شريكا ورقيبا ايضا في منظومة مكافحة الفساد ، حيث قال أن العدد الإجمالى للقضايا المذكورة والبالغ عددها أكثر من 154 ألف قضية، شارك المواطنون بشكل مباشر فى كشفها بمعدل 54 ألف بلاغ وشكوى خلال عام 2016.ولكن السؤال الأهم هنا هل هذا وحده كافيا لتحقيق الردع للموظف العام في مكافحة الفساد ؟ والحق أقول هنا أن هذا بالطبع ليس كافيا على الإطلاق لتحقيق الردع ،خاصة وأن هناك قوانين قديمة عفا عليها الزمن لم تحقق الردع بل هي نفسها تعتبر محرضا رئيسيا على الفساد ، كما أنه للآن لم يعد هناك تشريعا لحماية الموظف العام المبلغ عن الفساد أو حماية الشهود ، حيث يتم التنكيل وبلا هوادة للموظف العامةالمبلغ عن الفساد من جهة الإدارة بل وتلفيق الإتهامات له ، وإقصاؤه ، ويحدث ذلك أيضا مع الشهود ، كما أن مكافحة الفساد تتطلب سرعة الردع والعدالة الناجزة في قضايا الفساد ، حيث أن التأخير في ملاحقة الفاسدين يخلق ناقمين على الدولة ، ويضع الموظف البسيط المبلغ عن الفساد تحت سطوة التنكيل والقمع والتلفيق والإقصاء من قبل جهة الإدارة ، كما أن المتهم بالفساد سيكون تم ترقيته قبل أن يتم محاسبته بسبب البطء في إجراءات سير العدالة ، كما أن قانون الإدارات القانونية الحالي يعتبر معوقا رئيسيا في سياسة مكافحة الفساد ، وذلك لأنه لا يحقق الإستقلالية ، ويجعل الجهة الإدارية خصما وحكما في ذات الوقت ، وهو ما يستوجب أن تكون الإدارات القانونية تابعة لوزارة العدل لتحقيق الشفافية والحبادية الكاملة في منظومة سير العدالة ، كما يتطلب مكافحة الفساد بجدية إتاحة حرية تداول المعلومات لوسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ، وإتاحة فرص التدريب الكامل لأعضاء هيئة النيابة الإدارية الجدد على قوانين القطاعات التي يحققون فيها ، والقرارات الإدارية الصادرة عن الجهات والمؤسسات المتعلقة بتلك القضايا ، وإقرار تشريعات وقوانين تسمح بالتسجيل والتصوير صوتا وصورة لوقائع الفساد طالما الهدف من التصوير أو التسجيل يخدم مصلحة وطنية ويستهدف حماية المال العام ، ومن هنا فأنني أطالب االحكومة المصرية بسرعة تأسيس مفوضية عليا للشفافية ومكافحة الفساد ، تراعي كل الأفكار التي طرحتها في هذا المقال خاصة وأن مصر موقعة على اتفاقية مكافحة الفساد عام ٢٠٠٣ وهو ما يجعل من تأسيس الإتفاقية مطلبا منطقيا وعادلا ، ولا أخفيكم سرا أن هناك مطالب في مجلس النواب كانت قد تصاعدت في إحدى الفترات بإقرار مفوضية او هيئة للشفافية ومكافحة الفساد ، ولكنها قوبلت بالرفض والتجاهل التام من عدد كبير من النواب ، وهذا مؤشر خطير ومرعب ، خاصة وأنه المفروض في عضو المجلس أن يكون صوتا للشعب ووكيلا عنه في حماية مقدرات الدولة والمال االعام ، ومن هنا فأنني اطالب الرئيس السيسي شخصيا بتوجيه الحكومة لإعداد مشروع قانون لتأسيس مفوضية عليا لمكافحة الفساد خاصة وأن الفساد يعد خطرا داهما يستهدف الدولة ويقتلها ببطء ، بل وأن الفساد يعتبر أكثر خطورة من الإرهاب ، على أن يشمل المشروع تغليظ العقوبة في قضايا الفساد لتصل للإعدام ، وحماية المبلغين والشهود وتعديل القوانين المتضاربة وتغيير القوانين االقديمة المعوقة بل ونسفها واستقلالية الجهات الرقابية ، بل ووضع تشريعات تضمن الرقابة والمحاسبة الصارمة للعاملين بالحهات الرقابية متى أخلوا بواجباتهم حماية لمنظومة العدالة . وهل يمكن ونحن في ظل إقرار تعديلات على الدستور إقرار مفوضية للشفافية ومكافحة الفساد في مصر على غرار مفوضية منع التمييز ؟.
مشاركة :