{ مع الثورة التكنولوجية التي أقحمت العالم في أشكال مختلفة للتواصل الإلكتروني حتى بات الفرد الواحد بإمكانه أن يشكل لنفسه منبرًا إعلاميا حرًا وخاصا، ويحظى البعض بمتابعين يصلون إلى مئات الآلاف وأكثر، لم يعد التعبير عن الرأي يمثل عائقًا أو حاجزًا كما يتم التداول، وحيث رسالة مصورة أو سمعية بإمكانها اختراق كل العوائق والحواجز وفي أقصر مدة زمنية! وربما من هنا اتضح أحيانا حجم (التأثير السلبي) لتلك الحرية في التعبير، إن لم تكن منضبطة بالأخلاقيات ومعايير التواصل الجماهيري المفتوح! حيث تدخل في هذا الإطار (توظيفات سلبية) لأغراض هدامة كإيصال رسائل كاذبة أو ملفقة أو لهدف التحريض والتجييش أو زعزعة الثقة العامة أو التأثير في الرأي الجماهيري في قضية معينة أو بهدف توظيف كل ذلك لأجندات دول خارجية، وكثيرة هي الاستدراكات للثغرات في كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإلكتروني بشكل عام! { إذا كنا في عالم مفتوح وفضاء إلكتروني لا تحكمه الضوابط بعد، فإن الحاجة الأهم من التعبير عن الرأي هي (صناعة الوعي) سواء على المستوى الفردي الخاص أو المستوى الشعبي العام وسواء في وسائل الإعلام الرسمية والشعبية أو في وسائل التواصل الإلكتروني، وصناعة الوعي هي الصناعة التي تحتاج إلى (رؤية إعلامية واضحة) قبل الانطلاق فيها، والرؤية الواضحة، تعني أيضا تحديد الأزمات الاجتماعية والسياسية وتحديد التهديدات والتحديات ثم توجيه (الرسالة التوعوية) النابعة من ذلك التحديد، خاصة أن العالم كله وفي مجتمعات الدول النامية (المستهدفة) تحديدًا فإنها تعاني من اختراقات خطرة موجهة إلى العقول وحرب الأفكار وخلخلة القيم والثوابت الدينية والوطنية والقومية والمنطقة العربية أكثر من يتعرض لمثل تلك الاختراقات! { صناعة الوعي هي من الصناعات الدقيقة التي تحتاج في الأساس إلى كوادر واعية وملمة بظروف العصر، وبماهية الأحداث التي تمر بها منطقتنا، ولا يمكن لأي أحد تسلمها أو الإشراف عليها، ما لم يتمتع (بوعي شمولي ناضج وموضوعي) من خلاله يصنع الوعي للآخرين! وكما نرى فإن أخطر أشكال الإعلام اليوم هو وسائل التواصل الإلكتروني وتقنيات التواصل الذكية الأخرى التي فتحت الساحة لكل من هب ودب، ليوصل ما يشاء من رسائل تحت شعار (حرية التعبير) وهو الشعار الذي كثيرا ما يتم استغلاله لضرب المجتمعات من داخلها، وإفراغها من محتواها الأصلي وملء الفراغ الفكري فيها بكل ما يعبث بالوعي الشعبي العام، وتسييره في اتجاهات بعيدة عن مصالحه الحقيقية! وهنا نتحدث بالطبع عن (الاستخدام السلبي) ولا نعمم فهناك استخدامات إيجابية تخدم هدف (التوعية الصحيحة) بالقضايا. { من أخطر مهمات الدول في الحفاظ على استقلالها وسيادتها، هو مواجهة (الاختراقات الناعمة) بسلاح الوعي، فالمسألة هنا فكرية وثقافية وأخلاقية بالدرجة الأولى، لكي تتمكن المجتمعات، وهي اليوم مفتوحة على كل أشكال (الاختراق الناعم) من التصدي لآفات تلك الاختراقات. في مجتمعاتنا العربية نحن بحاجة إلى الاهتمام بلغتنا وتاريخنا وديننا وقيمنا الأخلاقية كأولويات، لأن الحرب الفكرية والحرب على العقول تستهدف تلك الأولويات قبل غيرها لتهيئة الأجواء لأجيال مسطحة يتم ملء عقولها بعد ذلك، بكل ما يسهم في هدم مجتمعات بأكملها، خاصة مع اكتساح القيم المادية والترويج للانحلال الأخلاقي! فهل بالفعل مجتمعاتنا الخليجية والعربية تعمل بشكل جاد ومنضبط وممنهج في إطار مواجهة الحرب الفكرية والحرب على عقول شعوبها وشبابها، أم أن الانسياق وراء الموجات الأخلاقية والقيم المادية هي السائدة ومن ثم أصبحت اللغة والهوية والقيم العربية الأصيلة في خبر كان؟!
مشاركة :