كتب -إبراهيم بدوي وقنا: يترأس حضرة صاحب السّموّ الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدّى، وفد دولة قطر للمُشاركة في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية على مُستوى القمة في الدورة العادية الثلاثين، والتي ستنعقد اليوم الأحد، في العاصمة تونس بالجمهوريّة التونسيّة الشّقيقة. يرافق سمو الأمير وفدٌ رسميُّ. تعكس مُشاركة حضرة صاحب السّموّ الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المُفدّى، في أعمال القمة العربية في دورتها العادية الثلاثين في تونس في 31 مارس الجاري، التزامَ قطر بدعم مسيرة العمل العربيّ المُشترك والوصول إلى أفضل السبل لتحقيق الأمن والاستقرار لشعوب منطقتنا العربيّة التي تعتصرها الأزمات، وذلك رغم ما تُواجهه منطقتنا الخليجيّة من تحديات أزمة عبثية تراوح مكانها منذ ما يقرب من عامين. وتعدّ قمة تونس هي القمة العربية الثانية منذ اندلاع الأزمة الخليجية الراهنة، حيث سبقتها قمةُ الظهران في المملكة العربية السعودية في أبريل 2018، بينما عُقدت القمة العربية السابقة لها في الأردن في مارس 2017، أي قبل افتعال الخلاف مع قطر بنحو 3 شهور تقريباً. تقف قمة تونس والجامعة العربية أمام اختبار جديد لمدى قدرتها وجديتها في تطبيق ميثاق الجامعة وأهداف القمم العربية السابقة واللاحقة التي تنصّ على توحيد كلمة الدول الأعضاء وإيجاد سُبل حلّ الخلافات بينها وفق عمل مؤسّساتي لا يخضع لأهواء الدول منفردة. ورغم عدم وجود بوادر تستدعي تفاؤل الشارع الخليجي لحلّ الأزمة الراهنة بسبب تعنّت دول الحصار وإصرارها على بقاء أزمة ثبت عدم جدواها في النيل من سيادة قطر ومسيرة نهضتها، تؤكّد مُشاركة قطر على حكمتها في إدارة الأزمة التي تبقى أزمة عربية وليست خليجية فقط في ظلّ تأثيرها على شعوب بأسرها وانتهاكها بشهادة العالم الحرّ حقوقَ الإنسان المكفولة في السفر والتنقل ولمّ شمل العائلات. الأزمة الخليجيّة وتجسّد الأزمة الخليجية ضعف آليات فضّ النزاعات داخل مجالس ومنظمات العمل العربيّ. وفيما تعاملت قطر بحكمة وعقلانية إزاء الأزمة الخليجيّة، وأكّدت التزامها بمواثيق حلّ الخلافات عبر الحوار والتفاوض، أصرّت دول الحصار على تهميش هذه الآليات وانتهاك كافة المواثيق فيما يعد تبديداً للطاقات وتهديداً لثروات ومُستقبل الشعوب. ويعكس حضور قطر في القمة العربية، رغم تعنّت دول الحصار، موقفها المبدئي الذي يتّسم بالثبات والتسامي والقوة، وتأكيد ارتباطها بمحيطها الخليجي والعربي، استناداً إلى سياسة خارجية واضحة، ركيزتها السيادة واستقلال القرار الوطنيّ، وحماية المصالح العُليا، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية والمُستضعفين، فضلاً عن الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية، والعمل على ترسيخ الأمن والسِّلم الدوليين. ضبط البوصلة وتعزّز مُشاركة الدوحة ضبط بوصلة حقوق شعوبنا العربيّة تجاه العديد من الملفات المهمّة في ظلّ محاولات متكرّرة للانحراف بها باتجاه صفقات مشبوهة مثل صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية التي ثبت تورّط دول عربية فيها مع الكيان المحتل، فضلاً عن التصدّي لمُحاولات رفع الحظر عن عضوية النّظام السوريّ في الجامعة العربية والحدّ من تطبيع العلاقات مع نظام مجرم يقتل شعبه بمُحاولة إعادة تأهيله رغم أن أسباب تعليق عضويته مازالت قائمة. ولعلّ موقف الدوحة الأخلاقي الثابت من دعم حقوق الشعب السوري ومحاسبة من ارتكبوا في حقّه جرائم ترقى لجرائم الحرب، من أهم أسباب عدم إدراج مسألة عودة النظام السوري للجامعة العربية على جدول أعمال قمة تونس المُقبلة. حضور بارز وبرزت مُشاركة حضرة صاحب السّموّ الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدّى، في القمة الاقتصادية العربية الأخيرة في لبنان في يناير الماضي والتي جاءت بمثابة إنقاذ للبنان من العزلة في ظلّ غياب أغلب القادة والزعماء العرب. تطوّرات خطيرة وتأتي القمة العربية الثلاثون وسط تطوّرات خطيرة لقضايا عربية مصيرية، آخرها، وضع هضبة الجولان السورية المُحتلة في ظلّ مُحاولة أمريكية لشرعنة الاحتلال الإسرائيلي عليها. كما تأتي القمة في ظلّ رؤية ضبابية لمستقبل الدولة الفلسطينية وإصرار المُجتمع الدولي على إدارة وليس إنهاء هذا الصراع الأزليّ مع الكيان المحتل. وتتزامن القمة أيضاً مع استمرار نزيف الشعب اليمني، بأيادٍ عربية في حرب بلا جدوى منذ أكثر من أربع سنوات، إضافة إلى مستقبل إعادة إعمار العراق وفرص الحل السياسي في سوريا واستمرار الاضطرابات في ليبيا والسودان والصومال. حضور دوليّ ستشهد قمة تونس حضور مسؤولين دوليين بارزين، هما الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني، وهو ما يصعّب من اتّخاذ موقف بإعادة النظام السوريّ في ظلّ هذا الحضور الأوروبيّ والدوليّ الكبير. ملفات صعبة أمام القمة العربية الثلاثين تبدو قمة تونس أمام عددٍ من الملفات الحاسمة والصعبة التي تستوجب قرارات على أرض الواقع بدلاً من الاكتفاء ببيانات لا تتجاوز الحبر الذي كُتبت به. ويبرز بين هذه الملفات مدى قدرة القمة على مُواجهة المُحاولة الأمريكية لشرعنة احتلال الجولان السورية، حيث أكّدت كافة القمم العربية على عروبة الجولان السوري المحتل وَفق قرار مجلس الأمن الصادر عام 1981. وأيضاً التصدّي لمُحاولة نقل أي سفارة إلى القدس المحتلة مع التأكيد على عدم شرعية الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي. وأيضاً وضع إطار لإنهاء حرب اليمن بدلاً من أن تكون القمة منصة لتبرير سياسات الحرب الفاشلة. كما تزداد أهمية إنهاء مصطلح الإرهاب الإسلامي من قاموس العالم بل وتجريمه على طريقة تجريم معاداة السامية، بعد ما ثبت من تورّط بعض القادة العرب في استخدام نفس المصطلح لأهداف سياسية. ووضع حدٍّ للارتماء في أحضان حملات مكافحة الإرهاب لدرجة الهجوم على الإسلام في تجاهل تامٍّ أن أغلب ضحايا الإرهاب هم من المُسلمين أنفسهم. وتبقى القمة أمام تحديات أخرى في ظلّ استمرار التوترات بين الفرقاء في ليبيا تؤجّجها تدخلات خارجية لصالح أجندات خاصة لا تراعي مصالح الشعب الليبي وأيضاً اضطرابات السودان والصومال وإعادة الإعمار في العراق ومرحلة ما بعد تنظيم داعش، وأزمة النّازحين واللاجئين في الأردن ولبنان. التداعيات تكشف عجز الجامعة العربية الأزمة الخليجية الحاضر الغائب في القمة تُعقد قمّة تونس في ظلّ غياب تام لأي مؤشرات من جانب دول الحصار لحل الأزمة الخليجية الراهنة. وتبقى أزمة الخليج الحاضر الغائب على طاولة القمة العربية المُقبلة، بكشفها عن قصور لافت في ميثاق الجامعة العربية وآليات تطبيقه وأيضاً كشف عجز القمة عن تحقيق الهدف من انعقاد مثل هذه القمم والذي يتلخّص في النهوض بالأمة وتوحيد كلمتها وإيجاد سُبل حل للخلافات بين الدول الأعضاء. ويؤكّد واقع الأحداث منذ اندلاع الأزمة الخليجية في 5 يونيو 2017، أن الجامعة لم تحرك ساكناً في الأزمة ولم تقم بما يفرضه ميثاقها من تعزيز الروابط وتحصين استقلالية وسيادة الدول الأعضاء. ولا يبرر دعم حل من داخل البيت الخليجي عدم قيام الجامعة العربية بمسؤوليتها وتطبيق ميثاقها على أرض الواقع، خاصة بعد ما كشفته تطوّرات الأحداث من افتعال الأزمة الخليجية على حزمة من الافتراءات والأكاذيب وما تأكد من تأثيرها على شعوبٍ بأسرها في التنقل والسفر ولمّ شمل العائلات، فضلاً عن زعزعتها للأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي. ولم يتطرّق السفير محمود عفيفي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية، لمُناقشة القمة ملف الأزمة الخليجية، حيث أشار في تصريحات صحفية إلى أن جدول أعمال القمة المُقبلة سيتضمن 20 ملفاً على رأسها، القضية الفلسطينية بأبعادها المُختلفة، والأزمات في سوريا وليبيا، واليمن، ودعم السلام والتنمية في السودان، ودعم الصومال، ومُتابعة صيانة الأمن القومي العربي، وتطوير المنظومة العربية لمُكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى بند جديد تمّ إضافته بدعم من دولة العراق وهو دعم النازحين في العراق.
مشاركة :