يقوم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أخيراً بشيء حيال نهج بلاده الخامل تجاه الشرق الأوسط. فعلى مدار السنوات الخمس الماضية، دفع باستراتيجية حازمة للشراكة مع السعودية والإمارات العربية المتحدة في محاولة لجذب الاستثمارات وإقامة شراكات أمنية أعمق. وبالقيام بذلك، تجاهل إيران إلى حد كبير وسحق إرث الهند في فترة الحرب الباردة في المنطقة القائم على لعبة التوازن، بحسب تقرير لـ"فورين بوليسي Foreign Policy". ومنذ انتخابه في عام 2014، جعل ناريندرا السياسة الخارجية أولوية، مما دفع بعض المراقبين إلى الادعاء بأنه تم البدء بتطبيق "مبادئ ناريندرا"، والشرق الأوسط ليس مستثنى. وعلى الرغم من صعوبة حكم بلد بحجم الهند وصعوبة قيادة سياساتها الداخلية المعقدة، إلا أن ناريندرا زار 8 دول ومناطق في الشرق الأوسط منذ عام 2014، وهي زيارات فاقت مجموع زيارات أسلافه الأربعة. كما هو الحال غالباً في الشرق الأوسط، فإن المحفز الرئيسي هو النفط. من المرجح أن تتجاوز الهند الصين كمحفزٍ رئيسي للنمو في الطلب على النفط بحلول عام 2024. وخلال رحلته الأولى إلى نيودلهي في فبراير، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إنه رأى فرصاً استثمارية تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار في الهند خلال العامين المقبلين رغم أنه لم يتم الكشف بعد عن تفاصيل هذه الاستثمارات. كما عززت الهند استثماراتها في مجال الطاقة في المنطقة. حيث حصلت شركة النفط الهندية المملوكة للدولة – شركة النفط والغاز الطبيعي – على حصة 10% في امتياز نفطي بحري في أبوظبي مقابل 600 مليون دولار. ويأتي ذلك الاهتمام الجديد في ظل خلفية من الاختلافات التاريخية. وعلى الرغم من حجم التجارة الهائل وتواجد كبير للمغتربين من الهند في الخليج، إلا أن الاستثمارات بين الهند والخليج ظلت منخفضة على مدى عقود. وعلى الرغم أيضًا من إقامة 8 ملايين هندي في الخليج وتحويلهم حوالي 53 مليار دولار سنويًا إلى الهند (منذ 2015)، إلا أن الاستثمارات استمرت في كونها متواضعة. وما زالت الهند لا تُعتبر من ضمن أفضل عشرة مصادر للاستثمارات لدى الخليج وكذلك الخليج بالنسبة إلى الهند. روابط وثيقة مع قادة الخليج وعلى الرغم من ذلك، وفي ظل تواجد مودي في منصبه، فإن الأمور تبدو آخذة في التغير. فعلى مدى الأربعة أعوام الماضية، بنى مودي روابط وثيقة مع قادة الخليج الشباب، بما في ذلك أولياء العهد في أبوظبي والسعودية. ولقد قيل إن مُحمد بن سلمان أشار إلى مودي خلال زيارته إلى نيودلهي بصفته "الأخ الأكبر". ونتيجة لذلك، بدأت الاستثمارات الخليجية في قطاع الطاقة في الهند تتحقق على أرض الواقع خلال السنوات الأخيرة على الرغم من انخفاض أسعار النفط. وفي أكتوبر 2018، فازت شركة موانئ دبي العالمية بعقد امتياز تطوير منطقة تخزين في أكبر ميناء للحاويات في مومباي بالهند بقيمة 78 مليون دولار. وعلاوةً على ذلك، اتفقت كل من شركة أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية على استثمار أكثر من 44 مليار دولار في مصفاة راتناغيري النفطي الضخم في مهاراشترا، على الرغم من مواجهة المشروع لحالات تأخير. وفي مايو من العام 2018، ذكرت تقارير أيضًا أن الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" تُفكر في شراء حصة نسبتها 50% بقيمة 4.6 مليار دولار في مصنع للبتروكيماويات في ولاية غوجارات الهندية التي تحتضن الدائرة الانتخابية الخاصة بمودي. بالنسبة لمودي، لا يُعد الشرق الأوسط محدودًا بالصفقات التجارية والاستثمارات، فالأمن أيضًا يحتل مرتبة متقدمة على أجندته. وذلك إذ تتطلع الهند إلى إسرائيل كمصدر للتقنية العسكرية المُتقدمة، لتتصدر قائمة عُملاء إسرائيل في مجال الدفاع بنسبة تتجاوز 40% من صادرات إسرائيل العسكرية بين عامي 2012 و2016. حيث تضمنت قائمة عمليات الشراء الهندية 54 طائرة هجوم بدون طيار، ونظام صاروخي أرض جو طويل المدى من طراز باراك 8 بقيمة إجمالية تتجاوز قيمتها 6 مليارات دولار، ونظام صاروخي أرض جو متوسط المدى بقيمة 2 مليار دولار. شراكات أمنية كما تُظهر الهند علامات متعلقة باجتيازها الذي طال انتظاره لترددها حيال إقامة شراكاتٍ أمنية مع دول الخليج التي كانت أجهزتها الأمنية مرتبطة منذ مدةٍ طويلة بباكستان. ويبدو أن مثل هذه الجهود تؤتي ثمارها. ففي عام 2018م، سلّمت الإمارات العربية المتحدة ثلاثة أفرادٍ مطلوبين في الهند بتهمٍ تتعلق بالفساد، حيث إنها خطوةٌ عزاها السفير الهندي لدى أبوظبي إلى "تعاونٍ وثيق"، وهي إشارةٌ واضحة – وإن كانت ضمنية – إلى علاقات مودي الوطيدة مع القادة في الإمارات العربية المتحدة. (ملاحظة المترجم: التصريح جاء على لسان السفير الإماراتي لدى الهند وليس العكس بحسب الرابط الموجود في المقالة) وفي عام 2018، وقّعت الهند اتفاقية مع عُمان تسمح للبحرية الهندية باستخدام ميناء الدقم الاستراتيجي المطل على بحر العرب والمحيط الهندي. كما أن التعاون الأمني كان أحد المحاور الرئيسية لزيارة الأمير محمد بن سلمان إلى نيودلهي في الشهر الماضي، وذلك عندما اتفق الجانبان على التعاون في إنتاج "قطع الغيار للأنظمة البحرية والبرية". ووعدت السعودية في بيانٍ لها بتبادل المزيد من المعلومات الاستخباراتية لتعزيز التعاون مع الهند فيما يخص مكافحة الإرهاب، والتي تعد رسالةً قوية فيما يتعلق بالمواجهة الهندية - الباكستانية بشأن هجومٍ للمتمردين في الشهر الماضي الذي أسفر عن مقتل 40 من القوات شبه العسكرية الهندية في كشمير. الاستثناء.. إيران إلا أن هنالك استثناء واحدا كبيرا لحب مودي الكبير للخليج: ألا وهو إيران. فعلى الرغم من أن علاقات الهند مع الجمهورية الإسلامية ربما لم تصبح متدهورة، إلا أنها فقدت توهجها بالمقارنة مع توجه علاقاتها نحو الخليج في السنوات القليلة الماضية. ونتيجة لذلك، يبدو أن الهند تتخلى أن لعبة "التوازن" تجاه المنطقة، والذي غالبًا ما يعتبر إرثًا لسياستها الرامية لعدم الانحياز في حقبة الحرب الباردة. كما أن هنالك عاملين يفسران حماسة مودي المثبطة إزاء إقامة علاقات وثيقة مع إيران، حيث يكمن الأول في إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران من قبل الرئيس دونالد ترمب في نوفمبر من عام 2018. وعلى الرغم من أن وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج ردّت على القرار قائلةً إن الهند لا تعترف "بأي عقوباتٍ موجهة ضد بلدٍ بعينه"، حيث إن التهديد بفرض عقوباتٍ ثانوية من المحتمل أي يثني معظم الشركات الهندية عن التعاون مع إيران. ثانيًا، لدى إيران أسلوب تفاوضي صارم مثل الهند، وأبرز مثالٍ على ذلك هو مشروع تطوير حقل فرزاد بي للغاز، إذ استمرت المفاوضات الصعبة بين إيران والائتلاف الهندي منذ عام 2009 على الأقل. ولكن تجاهل إيران يحمل ثمنا. فالاحتياطيات الهائلة من الوقود الأحفوري لدى البلاد وضعتها دائمًا كواحدة من أكبر الدول الموردة للنفط والغاز للهند. واعترافًا بموقع إيران الاستراتيجي، استثمرت الهند أيضًا في مجمع ميناء تشابهار، الذي تأمل في استخدامه من أجل الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى وأفغانستان دون المرور بباكستان. ولكن من خلال عزلها إيران، تختار الهند بفقد موطئ قدم لها في تشابهار أو خسارة امتيازات الغاز في حقل فرزاد بي للمنافسين الصينيين أو الروسيين. وفي الوقت الحالي، يبدو أن مودي مستعدٌ لقبول هذه المخاطر. فلقد استبدل نهج "الموازنة" الحذر للهند في المنطقة باستراتيجية عدائية موجهة نحو جذب الاستثمارات من الخليج وتعميق شراكة الهند الاستراتيجية مع إسرائيل، متجاهلًا إيران في هذه العملية. وحتى في حالة فشل مودي في الانتخابات القادمة وحلول حكومة جديدة في الهند، فستجد الحكومة الجديدة أنه من الصعب تغيير هذا المسار، لأن بصمة رئيس الوزراء من المرجح أن تستمر لفترة أطول مما اعتقده الكثيرون عندما تولى زمام منصبه.
مشاركة :