يقول ابن سيرين في كتاب تفسير الأحلام إنه إذا رأت السيدة في المنام أنها تقوم بوضع الكسكس في الطبق المعد دل ذلك على الاستقرار والسعادة والهناء في حياتها الأسرية. ولكن في الواقع يدل ذلك على التقاليد الصارمة للمطبخ المغاربي والتقدير الكبير الذي يحظى به طبق الكسكس رمز المطبخ المغاربي ومفخرته. الكسكس أو الكسكسي ليس مجرد طبق طعام يؤكل على عجل لسد الرمق، ولكنه أقدم طبق عرف في المغرب العربي، لدرجة أن مبدعه لا يُعرف على وجه التحديد. ويتطلب إعداده مهارة متوارثة، وكونه اقتصر مؤخراً على المناسبات السعيدة واجتماع العائلة في العطلات أو حتى كطبق سياحي يقدم للإبهار بزينة مبالغ فيها فهو يحتوي على التراث الحميم للأسرة وتكريم مستمر للأم التي تنفق وقتاً كبيراً في إخراجه بتلك الألوان الفسيفسائية التي تجعل منه لوحة أكثر من مجرد طبق طعام. وتنظر منظمة اليونسكو في إدراج هذا الطبق في سبتمبر المقبل كجزء من التراث العالمي تكريماً للمهارة المغاربية الشعبية وعبور شهرة الطبق إلى العالم. وتقدمت الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس بطلب إلى منظمة اليونسكو لحصول الطبق الشعبي الأشهر في المغرب العربي لإضافة طبق الكسكس إلى قائمة التراث الثقافي غير المادي. ورغم ادعاء كل بلد بملكية الطبق في ثقافته المحلية ولكن الطلب المشترك يعد اعترافاً ضمنياً كونه ينتمي إلى إقليم أكبر من الحدود الجغرافية للدول. وتمر مراحل تحضير الكسكس بعمليات معقدة تطلب الخبرة والمهارة والصبر. ويصنع الكسكس من سميد القمح الصلب ويوضع في وعاء خشبي ويدعك براحة اليد في عملية تسمى برم الكسكسي ليتحول إلى حبيبات صغيرة منفصلة عن بعضها بمهارة ثم يمرر خلال غربال خاص واسع الثقوب ثم يضاف قليل من الزيت لحفظ الحبيبات متناثرة وغير معجنة أثناء الطهي. وللكسكس أدوات مخصصة لطبخه حسب الأصول، وهي البرمة أو "المقفول" وهي قدر خاصة ذات فوهة مطابقة لمقاس قعر الكسكاس، وهو إناء مثقب يوضع بداخله الكسكس لينضج عبر البخار المتصاعد. وتتم عملية الطهي بوضع الكسكاس على فوهة البرمة ثم يشد قماش يسمى باللطمية أو الحزامية لسد الفراغ بين القدر والكسكاس لحجز البخار. بعد ذلك يتشكل الطبق بأشكال مختلفة من الخضراوات واللحوم والأسماك والديك الرومي. ورغم الرياح الثقافية العاتية صمد هذا الطبق منذ قرون ملتصقاً بالوجدان ومصاحباً للولائم العائلية والمناسبات وجلسات الأعيان والجاليات في الغربة وسحر العالم بتذويقه الفني البديع ومذاقه الطبيعي وخواصه في منح الشعور بالمتعة أثناء الأكل. لكن الفريد في طبق الكسكس أنه يصبح طعاماً للناس العاديين في كل بلد حل فيه ويأكله الغني والفقير بنفس بإحساس متشابه. ويعود ذلك إلى تجانس عناصره من القمح والخضراوات واللحوم والحبوب. ورغم الأفكار التقليدية الشائعة عنه ولكن وجوده في كثير من مناطق المغرب العربي يأخذ أشكالاً مختلفة. وأحصت الصحفية نادية حمام التي نشأت في جبال القبائل بالجزائر أكثر من مئة طريقة قديمة بالمغرب توارثتها البنات بعد الأمهات.
مشاركة :