مشكلة سوء برمجة احتياجاتنا والهدر الشرائي، لا تزال في تزايد، ومع ارتفاع الأسعار كان من المتوقع أن تقل نسبة الشراء. ولكن.. الوضع الملاحظ عكس ذلك تماماً!، وثقافة الاستهلاك في مجتمعنا ضعيفة لحد كبير، فكم من المقتنيات والأغراض تمتلئ بها أدراج منازلنا، وهي إما لحاجة موقتة، وإما لمجرد التقليد والانسياق وراء غيرنا، في السابق كان (النساء) أكثر بذخاً، أما اليوم فصارت المنافسة متساوية بل قد يتفوق الشباب في بعض الأحيان مع الأسف الشديد، لهذا تجد (بعض) الشباب والفتيات أكثر انسياقاً وراء الموضة وكل جديد، يتابعون مواقع الموضة العالمية متجاوزين السوق السعودية أو الخليجية، فأصبح الإنترنت ومواقع الشراء هي جزء من اعتماد أولئك الشباب في الشراء ومتابعة ما يستجد في هذا الشأن، ويجب أن لا تستغرب عندما تشاهد في يد ابنك جوالاً أو جهازاً الكترونياً غير متوافر بالسوق، أو أن ابنتك ترتدي من أكبر دور الأزياء، ذلك لأن (الإنترنت) أتاح لهم فرصة التسوق الدولي، الذي يوصل لك بضاعتك إلى باب منزلك أو مكتبك من دون عناء، فقط ببطاقة الفيزا المتعددة الأسماء. الأمر ليس فيه أي مشكلة، لكن..! الموضوع تجاوز حدوده، بشراء كميات وكماليات لم تعد لحاجة ماسة ولا لضرورة، فهناك تجاوز وإسراف لدى البعض في الكمية سواء من الأسواق المحلية أم من العالمية، فكلاهما هو هدر مالي. وكشفت دراسة اقتصادية نشرتها جريدة الحياة الأربعاء، يناير/ م، أن السعوديين لديهم أكثر من 900 مليون من الأغراض غير المستعملة داخل بيوتهم تُقدر قيمتها بنحو 370 بليون ريال. وأشارت الدراسة إلى وجود نحو 60 مليون هاتف جوال غير مستعمل في المملكة، أي خمسة أضعاف عدد هواتف الجوال في الإمارات، وتبلغ قيمة هذه الهواتف 56 بليون ريال، وهو ضعف الكلفة اللازمة لمشروع سكك الحديد الجاري تنفيذه في المملكة. ولم تقتصر الدراسة على الجوالات غير المستخدمة، بل كشفت أيضاً أن المنازل السعودية تحتضن ما يفوق 288 مليون كتاب لم يعد أصحابها يقرأونها، وهذا العدد يلزم لتأمين كتاب واحد لكل شخص أُمي في الهند، أما الأغراض المتعلقة بالموضة فحدث ولا حرج، إذ بيّنت الدراسة أن السعودية تضم ما يقارب 222 مليون قطعة ملابس وإكسسوارات مستعملة غير مرغوب بها وهي كافية لكسوة كل الفقراء على وجه الأرض. سبق أن تناولت هذا الموضوع في مقال سابق بعنوان (لنهدِ بعض مقتنياتنا لمحتاج!) واقترحت أن نهدي بعض مقتنياتنا التي تمتلئ بها أرففنا ومستودعاتنا، كان يمكن أن نضعها في يد محتاج، قد تعرفه وهو المهم، فقط يمكن إعادة غسل وترتيب الملابس، وكذلك الألعاب وهي بكميات لا حصر لها، وإصلاح المتعطل منها، سواء كان قريباً، أو جاراً، وكله أجر وخير وبركه بإذن الله. هذه الدراسة تجعلنا نُجبر أنفسنا على فتح هذا الملف مع ضرورة تعليم وتدريب أبنائنا على طريقة الاستهلاك الصحيحة، المبنية على الاحتياج والاعتدال في الشراء، ولابد من تغيير نمط التعامل مع الضروريات وغير الضروريات، وتلك ثقافة يجب أن نتدرب ونُدرب عليها أبناء المجتمع كلهم. المشكلة هي بوجود (بعض) من هم بحاجة لضروريات يتركونها ويشترون أخرى لا تقدم ولا تُؤخر مع الأسف الشديد، من إكسسورات ونحوها، أضف لذلك مصاريف أخرى ترهق وهي مجاراة (الزملاء والأصدقاء والأقرباء) وهذا ينطبق على الجنسين، سافروا سافرنا، اشتروا سيارة اشترينا، أقاموا حفلة تخرج أو غيرها أقمنا، وتلك جزء من المشكلة، وهذا ما يجعل البعض يشتري عند دخوله السوق ،الذي يحتاج والذي يتوقع أن يحتاجه، فتتكدس الأغراض في منازلنا، ومثل هذا مؤشر لخطأ يجب أن يُصحح ويعالج.
مشاركة :