الرئيس اللبناني أمام قمة تونس: شرذمة المنطقة والفرز الطائفي يمهدان لإسقاط مشروع الدولة

  • 4/1/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

وجَّه الرئيس اللبناني عماد ميشال عون في مستهل كلمته في افتتاح أعمال القمة العربية التهنئة للرئيس الباجي قايد السبسي على ترؤسه القمة العربية في دورتها الثلاثين، متمنيًا له التوفيق في هذه المهمة، وشاكرًا له وللشعب التونسي العزيز على طيب الاستضافة. وقال في كلمة أمام القمة العربية في تونس اليوم: "تسع سنوات مرت على بدء الحروب الإرهابية في الدول العربية، سقط فيها مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين، فضلاً عن الآلاف المؤلفة من المعوقين والجرحى، وأيضًا من المفقودين، وأنظمة تهاوت، ورؤساء غابوا، ومدن بكاملها دُمرت، وثروات تبددت، ومعالم ضاعت، وشعوب تمزقت، وخسر الجميع. اليوم خفت أزيز الرصاص ودوي الانفجارات، وكف نصف الدم، ولكن الجراح التي خلفتها هذه الحروب حفرت عميقًا في الوجدان العربي، وفي المجتمعات العربية؛ فزادتها تمزقًا، وزادت شروخًا". وأكد أنه على الرغم من أن الحرب هدأت، أو تكاد، فإن نتائجها لن تهدأ.. متسائلاً: إلى متى الانتظار للبدء بترميم ما تكسر وإزالة التداعيات المؤلمة؟ مشددًا على أن الخطر من الحرب هو المشاريع السياسية والصفقات التي تلوح في الأفق، وما تحمله من تهديد وجودي للدول والشعوب العربية. مشيرًا إلى أن "شرذمة" المنطقة والفرز الطائفي يمهدان لإسقاط مشروع الدولة الواحدة الجامعة لصالح كيانات عنصرية طائفية، وفرض واقع سياسي وجغرافي جديد، يلاقي ويسوغ إعلان إسرائيل دولة يهودية. وذكَّر الرئيس اللبناني في السياق بتوقيع الرئيس الأمريكي على قرار، يعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، ويأتي ذلك بعد قراره السابق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وهو ما ينقض جميع القرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها البند الرابع من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتعهد فيه أعضاء الهيئة جميعًا بالامتناع عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة. ورأى عون أن هذا القرار لا يهدد سيادة دولة شقيقة فحسب، بل يهدد أيضًا سيادة الدولة اللبنانية التي تمتلك أراضي قدمتها إسرائيل تدريجيًّا، ولاسيما في مزارع وتلال كفر شوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر. لافتًا إلى أن الملكية اللبنانية لهذه الأراضي مثبتة بالوثائق والخرائط المعترف بها دوليًّا. وتساءل في السياق: "فكيف سنطمئن بعد - نحن الدول الصغيرة - عندما تُضرب المواثيق الدولية والحقوق، وتُطعن الشرعية الدولية التي ترعى الحدود بين الدول التي اعترفت بها الأمم المتحدة؟ وما هو مصير المبادرة العربية للسلام بعد الذي يحصل؟ هل ما زالت قائمة أم أُطلقت عليها رصاصة الرحمة، وباتت بلا جدوى؛ ذلك أنه بعد ضياع الأرض ماذا يبقى من السلام؟ وكيف ستترجم الاعتراضات الدولية والاستنكارات والإدانات لما جرى ويجري؟ وهل سيتمكن مجلس الأمن من حماية حق سوريا ولبنان في أراضيهما المحتلة؟ وكيف سنواجه هذه المخططات وهذه الاعتداءات على حقوقنا؟ هل بحدود لا تزال مغلقة بين دولنا أم بمقاعد لا تزال شاغرة بيننا هنا؟". واستدرك الرئيس اللبناني يقول: "إن كنا ونحن مجتمعون موحدون بالكاد نقدر على مجابهة مشاريع كهذه فكيف الأمر إن كنا مبعثرين مشتتين كما هو حالنا اليوم. لعلكم إخواني تتساءلون معي: هل نريد لسوريا أن تعود إلى مكانها الطبيعي بيننا وإلى الحضن العربي؟ هل نريد لليمن أن يعود سعيدًا، وينعم شعبه بالأمن والاستقرار؟ هل نريد لفلسطين أن لا تضيع وتستباح معها القدس وكل مقدسات الأديان؟ لا بل أكثر من ذلك: هل نريد لكل دولنا الأمن والاستقرار، ولشعوبنا الأمن والأمان؟". وشدد في سياق كلمته على أن الرغبة الفعلية بحماية دولنا وشعوبنا، والمحافظة على وحدتها وسيادتها واستقلالها، مرتبطة بالمبادرة.. مطالبًا بضرورة السعي مجتمعين إلى التلاقي والحوار، ونبذ التطرف والعنف، وتجفيف منابع الإرهاب. وشدد عون على أن العالم صرف خلال السنوات الماضية المليارات في التسليح والقتل والتدمير، وقال: فلو استُعملت تلك الأموال أو بعضها للتنمية والتعليم والتطوير، للصناعة وللزراعة وللاستثمارات، وخلق فرص عمل للشباب، فأي قفزة كانت ستحققها دولنا؟ وهل كان شبابنا وأطفالنا سيقعون بسهولة فريسة للفكر المتطرف الذي يحولهم إلى إرهابيين وإلى آلة قتل وتدمير؟! وأكد الرئيس اللبناني أن لبنان يقلقه إصرار المجتمع الدولي على إبقاء النازحين السوريين في لبنان رغم معرفته بالظروف السيئة التي يعيشون فيها، ورغم معرفته أن معظم المناطق السورية قد أصبحت آمنة، ورغم معرفته أن لبنان لم يعد قادرًا على تحمل هذا العبء الذي يضغط عليه من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية كافة، ورغم تأكيد المنظمات الإنسانية الدولية أن أكثر من ثمانين بالمئة من النازحين السوريين في لبنان يرغبون في العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم. وقال إن ما يقلقه كذلك مصطلح العودة الطوعية والتعاطي مع مليون ونصف المليون نازح، وكأنهم جميعًا لاجئون سياسيون، بينما معظمهم لجأ بسبب الأمن، أو الضائقة الاقتصادية التي ترافق عادة الحروب، إضافة إلى الإصرار على ربط عودة اللاجئين بالحل السياسي، لا بل إعطاء الأولوية للحل السياسي رغم معرفتنا كلنا بأنه قد يطول، فهل يسعى المجتمع الدولي لجعل النازحين رهائن لاستعمارهم، أو أدوات ضغط على سوريا، وأيضًا على لبنان للقبول بما قد يفرض من حلول؟ وعن القضية الفلسطينية المستمرة منذ واحد وسبعين عامًا وصفها بأنها خير شاهد على عبثية ربط العودة بالحلول السياسية، وما يلوح بشأنها بعد سنوات الانتظار محاولة فرض تسوية لإبقاء الفلسطينيين حيث هم، وتصفية قضيتهم، وقال: يقلقنا أيضًا السعي الإسرائيلي لضرب القرار مئة وأربعة وتسعين، وحرمان الفلسطينيين نهائيًّا من أرضهم وهويتهم، وإقرار قانون القومية اليهودية لدولة إسرائيل، ونكران حق العودة مع ما يعني ذلك من سعي لتوطين فلسطين الشتات حيث يوجَدون، ولبنان الحصة الأكبر منهم. وأكد أن لبنان يضيق بسكانه مع قلة موارده وضعف بنيته التحتية، ومع جميع مشاكله الاقتصادية والاجتماعية؛ فهو لم يعد قادرًا على استضافة ما يوازي أكثر من نصف مواطنيه، وهو قطعًا لن يقبل بأي شكل من أشكال التوطين. وإن المساعدات العينية والمادية من المؤسسات الدولية ما زالت تقدم للنازحين مباشرة من دون المرور بالقنوات الرسمية للدولة التي تستضيفها، وفي هذا تشجيع صريح لهم للبقاء حيث هم، والاستفادة من كل التقديمات من دون أن يترتب عليهم أي موجبات، في حين تنوب الدول المضيفة تحت الأعباء المتزايدة عليها؛ لذلك وجهنا في قمة بيروت الاقتصادية إلى المجتمع الدولي، وخصوصًا الدول المانحة التي يجب عليها الاضطلاع بدورها في تحمل أعباء أزمات النزوح، وتنفيذ ما تعهدت به من تقديم التمويل للدول المضيفة، لتلبية حاجات النازحين، ودعم البنى التحتية، وكذلك تقديم المساعدات للنازحين في أوطانهم تحفيزًا لهم على العودة. كما أكد أن دعم الدول المضيفة ضروري جدًّا؛ لكي تتمكن من الاستمرار، لكن ما يفوقه ضرورة هو تقديم المساعدات للنازحين العائدين في بلدهم لتشجيعهم على العودة، والمشاركة في إعادة الإعمار عوضًا عن أن يبقوا مشردين يتوقون إلى سقف وطن يحميهم، هو عنوان كرامتهم وهويتهم. مطالبًا في ختام كلمته ببعض التنسيق بين الحكام العرب لمواجهة الانتظارات القادمة.

مشاركة :