ضاعت فلوسك يا صابر

  • 4/2/2019
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

التعليم الجامعي في معظم الدول هو مرحلة متقدمة ومتطورة من حياة الإنسان، لكونها تؤهله لأنواع وفنون وعلوم شتى لممارسة الحياة، وفي أحيان كثيرة يشعر الطالب أو الطالبة بفخر حينما ينسب تعليمه إلى جامعة استطاعت أن ترسّخ في أذهان المجتمع مكانتها العلمية وأيضا قوة فريق وأعضاء هيئة التدريس فيها، بحيث يكون لديهم نظام داخلي خاص بهم، يصبح عرفا سائدا لدى الناس، إذ يتمنى أي طالب أن يكون منسوباً إليها، على سبيل المثال جامعات هارفارد وإكسفورد وكامبريدج حينما يحصل أي من طلبتها أو أعضاء هيئة التدريس فيها على جوائز عالمية ومكانة مرموقة تضعها أمام مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع، فمجموع جوائز «نوبل» التي حصل عليها طلبة وأساتذة جامعة هارفارد بلغت 157 جائزة في مختلف العلوم، متفوقة بذلك على الكثير من الدول المتقدمة مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا وروسيا، وهذا يعطي إشارة لقوة الابحاث والانجازات العلمية التي خرجت من هذه الجامعة العريقة. يفترض أن تكون جامعاتنا مع مرور الزمن قد استطاعت أن تبني لنفسها مكانة علمية وأيضا نظام داخلي صارم، سواء في اختيار هيئة التدريس أم قبول الطلبة فيها، وحتى الفعاليات والبرامج الاجتماعية التي تشارك فيها تكون من المفترض أن تكون منتقاة وتتوافق مع مكانتها العلمية، أما أن تشارك في أي فعالية وتقبل بأي شخص للانضمام إلى أعضاء «هيئة تدريس»، و«ينهمر» عليك الطلبة الكسالى للتسجيل من أجل أن يحسب للمجتمع أنه طالب جامعي، ومن ثم يتخرج من الجامعة وهو واضع في بطنه «بطيخ صيفي» من دون جهد علمي أو بحثي، ومن أجل تحقيق عوائد مالية لصندوق الجامعة تشارك في أي برنامج أو مهام توكل إليها مقابل أن هذا العمل قدّمه قطاع خاص وبتمويل من البنوك أو المصارف، هنا تغيب هيبة الجامعات ومكانتها، لأنها تقبل تنفيذ أي مبادرة أو برنامج تحت مظلتها، من دون النظر إلى مكانتها العلمية أو انعكاس ذلك على المجتمع. لفت نظري خبر نشر في إحدى الصحف المحلية الأحد الماضي، مفاده أن جامعة مختصة للطالبات في الرياض وقعت مع شركة تعمل في قطاع التجزئة ولديها فروع عدة ومراكز تسوق، بحيث يتضمن الاتفاق مذكرة تعاون وتفاهم في مجال التدريب المختص المنتهي بالتوظيف لعدد من طالبات هذه الجامعة في قطاع التجزئة داخل فروع هذه الشركة. يقول الخبر «إن هذه الشركة تفتخر بتعاونها مع الجامعة، لأنها تسعى إلى فتح آفاق التعاون مع الجهات التعليمية الحكومية، وهي ترغب في تنمية ومهارات وقدرات المرأة السعودية في مجال قطاع التجزئة». في الوقت الذي ننتظر فيه من جامعاتنا أن تخرّج لنا طلابا بمستوى عال من التعليم في مجال الطب والتمريض والهندسة وغيرها من العلوم التي تمكّنهم من الحصول على مراكز مرموقة من الوظائف في كبرى الشركات والمؤسسات الحكومية والمشروعات الصناعية والسياحية وأن يقف طلبتها في مراكز مرموقة عالمياً، تتسابق بعض الجامعات إلى التسويق لوظائف ضعيفة.. بالله عليكم هل يليق بجامعة طالبات في الرياض أن تقبل على تأهيل وتدريب طالباتها على وظائف هي أصلا مخصصة لمن مؤهلاتهم دون الجامعة ولا تحتاج إلى كل هذه البهرجة والفرح على أنه إنجاز، لا أعرف كيف وصلت الشركات إلى الجامعات بهذه الجرأة لتطلب منها تدريب طلبتها على وظائف متدنية الأجور وأعمال تتعلق بالبيع وخدمة العملاء أو حتى أعمال إدارية، حينما ننادي بتعاون القطاع الخاص مع جهاز التعليم، هذا لا يعني أننا سنفتح المجال أمام هذه الشركات لتتباهى أنها تعاونت مع أعرق الجامعات للاستفادة من طلبتها في وظائف لا تتناسب مع طبيعة اختصاصاتهم أو حتى تشغيلهم في أماكن دون المستوى. نحتاج إلى تعاون بين المصارف والمصانع والشركات الكبرى لكي تمنح طلبة الجامعة الذين يلتحقون بها قيمة مضافة في حياتهم الوظيفية، وأيضا أن تضيف لرصيد السنوات التي أمضوها في التحصيل العلمي إلى الرصيد الوظيفي فيكتسبون مهارة عالية ويحققون مكاسب مادية ووظيفية وترقيات، لست مع الاتفاقات الهزيلة والضعيفة بين الجامعات والقطاع الخاص في تأهيل وتدريب طلبتها، وعلى وزارة التعليم أن تضع ضوابط ومعايير في نوعية التعاون المشترك، بحيث لا تضيع هيبة جامعاتنا ولا تضيع هيبة طلبتنا الذين يدرسون فيها لسنوات، ثم في الأخير يلتحقن بائعات أو حراسات أمنية أو وظائف في مستوى متدنٍ من بوابة الجامعة. أنزعج كثيراً من الإفراط في استخدام عبارة «البرنامج يدعم رؤية 2030» حينما يصرح به أي مسؤول من دون أن يعرف محتوى «رؤية 2030» وماهي مكوناتها، ويعتقد أن هذه الكلمة تطلق جزافا للفت انتباه الشخص الذي أمامه. «الرؤية» دعمت المرأة وفتحت لها آفاقا وفرص العمل وهيأت لها مجالات عدة، ولكن ليس إلى الحد الذي نقلل فيه من مكانة الجامعات العلمية وهيبتها ودورها في المجتمع، و«صناعة الهيبة» ليست فقط دور مقتصر على الجامعات، وإنما وزارة التعليم يقع على عاتقها جزء من المسؤولية، ونرجو أن تضع ضوابط ومعايير صارمة خاصة بالشراكة المجتمعية «تصنع» لها شخصية معتبرة في المجتمع، وبالتالي لن يستطيع أحد أن يجرؤ لأن يطلب من الجامعات تأهيل طالبات أو طلاب لبيع الملابس أو الخضار، وأخشى أن تأخذنا الحماسة من قبل القطاع الخاص للتعاون مع الجامعات، أن يطلب أصحاب بسطات شاي الحطب أو سيارات بيع نعناع المدينة إلى تأهيل طلبة الجامعة لإدارة هذه البسطات، وتوقع اتفاقات تعاون معها، حينها لن نقول سوى «ضاعت فلوسك يا صابر».

مشاركة :