لا يزال "هروب" أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني، من القمة العربية التي انعقدت قبل أيام في تونس، يثير الكثير من التساؤلات عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ذلك الانسحاب، والخروج المفاجئ من قمة العرب، الدكتور خالد محمد باطرفي، الأكاديمي والباحث السياسي السعودي، يحلل أسباب انسحاب أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني أثناء كلمة أمين عام الجامعة العربية أحمد أبوالغيط، مؤكداً أنها جاءت مفاجئة، وصادمة ومستغربة. فمن ناحية، استثمرت قطر مليارات الدولارات في علاقتها مع تونس، خاصة خلال هيمنة حزب النهضة الإخواني على السلطة في مرحلة ما بعد الربيع العربي وثورة الياسمين، ومن غير المنطقي أن تحرج الدوحة أصدقاءها في الحكم خلال أول قمة من نوعها تستضيفها بلادهم، وهذا ما حاول رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي أن يقنع به الضيف القطري، بلا جدوى، كما تشير تقارير إعلامية. ويضيف "باطرفي": ومن ناحية أخرى، فإن الموقف القطري الملتبس فيما يتعلق بالعلاقات السرية والمعلنة مع إيران وتركيا في ظل تدخلاتهما المؤذية، والمزمنة في شؤون البلاد العربية، يثير الانزعاج لدى المتضررين من الدول المشاركة في القمة، وكان الأجدر بقطر العمل على نفي الانحياز للبلدين على حساب الأشقاء العرب عوضاً عن الانسحاب الذي يؤكد العكس ويبعد الدوحة أكثر فأكثر عن محيطها العربي. ويقول "باطرفي": ولذلك يأتي الحضور المتأخر صباح انعقاد المؤتمر، ثم الانسحاب خلال تلاوة بيان القمة والمتفق عليه مسبقاً في اجتماع وزراء الخارجية، وقبل كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، وموعد كلمة الأمير نفسه، علاوة على تدني التمثيل الرسمي بتغيب وزير الخارجية، وتكليف مندوب قطر في الجامعة العربية برئاسة الوفد، بدون تفسير رسمي أو إعلامي، ليلقي بمزيد من الظلال على السياسات القطرية ومزيد من الضوء على تخبطات أدارتها كما يشير ذلك إلى تنامي عزلة الدوحة في العالم العربي وانهيار مشروع التغيير، والتدمير، والهيمنة على حكوماته الذي عملت عليه، ومولته بالتحالف مع الأعاجم في طهران، وأنقرة، وإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وتنفيذ التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، والمنظمات الإرهابية الحليفة كداعش، والقاعدة، والنصرة، وحزب الله، والحوثيين، والحشد الشعبي العراقي وغيرها من المليشيات المدعومة من تركيا وإيران، ويبدو أن عهد التلون والخداع الممنهج انتهى وبدأ زمن التخبط، والتفلت، والانكشاف، والأمة العربية باتت اليوم أوعى، وأدرى، وأقوى في مواجهة اللاعبين بالحبال وعلى نار الفتن وأهازيج الإعلام المؤدلج". وفي ذات السياق يرى المحلل السياسي اللبناني نضال السبع، أنه لم يعد مقبولاً من قطر أو غيرها، ضرب وحدة الصف العربي، وتبني مشاريع إسقاط الأنظمة العربية، ولم يعد مقبول أيضاً أن تكون عضواً فى الجامعة العربية، وتتحالف مع تركيا ضد السعودية، والإمارات، ومصر، وهي الآن تعزل نفسها، وتريد أن تلغي الجغرافيا، وكأن الدوحة على حدود إسطنبول. ويقول "السبع": لم يحتمل أمير قطر كلام أحمد أبوالغيط عن فلسطينية القدس، وسورية الجولان، وإرهاب أردوغان، فقرر الهروب من المشهد وعزل نفسه، لقد علمتنا تجارب الربيع العربي أن المتغطي بأردوغان عريان". ويضيف: فى القمة العربية المنعقدة فى تونس لم يحتمل أمير قطر الشيخ تميم، حديث الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط عن تدخلات تركيا فى الشان العربي، ورعايتها للتنظيمات الإرهابية، فغادر القاعة إلى المطار مباشرة، ولهذا تبدو قطر وكأنها منعزلة عن محيطها العربي، فهي تشارك مجبرة بقمم العرب وتغرد بعيداً عنهم وتضع سلتها المالية والسياسية عند أردوغان. ومن جانبه يقول المحلل السياسي اليمني عبدالملك اليوسفي: إن انسحاب أمير قطر من القمة العربية يتسق مع الدور الخبيث الذي يقوم به النظام القطري لخدمة المشروع الإيراني ولخدمة مشاريع مختلفة تكتسب استراتيجيتها القائمة على نشر الفوضى بالمنطقة. ويضيف: كما هو معروف هناك حرب هجين في المنطقة لإثارة الفوضى والعنف تشارك قطر فيه بأدوار مشبوهة كبيرة جداً، وبالتالي انسحاب أمير قطر من القمة العربية يأتي من أجل الشق العربي، وأبعاد أخرى، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تمارس قطر هذه الأدوار؟ ولماذا تقوم قطر بكل هذه الأعمال المشبوهة؟ التفسيرات متعددة لكن التفسير الأقرب للمنطق هو نزعة الانتقام عند الأمير القطري ووالده بعد الانقلاب عام 1995م على الأمير خليفة آل ثاني، وبسبب الموقف المشرف من السعودية، والإمارات مع الوالد وشرعيته، مما جعل النظام القطري يتخذ جميع الأدوات لتحقيق ذلك الانتقام، وما زال يمارس ذلك، لكنه ينتقم من نفسه ويصنع بدايات نهايته، والعزلة الكبيرة التي وصل إليها النظام القطري هي مؤشرات لذلك.
مشاركة :