سكان الزنتان لازالوا يحلمون بتدفق مياه النهر الصناعي

  • 4/3/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الزنتان (ليبيا) - يتنقل عبدالله الرماح بين مئات أنابيب المياه الضخمة المعدة لمشروع ربط مدينة الزنتان في الغرب الليبي بمنظومة النهر الصناعي، داخل محطة لضخ المياه، ويتحسر على عدم تنفيذ خطة كان من شأنها أن تساهم في حل مشكلة انقطاع مزمنة للمياه. وتقع الزنتان في منطقة جبلية في جنوب غرب البلاد، وكانت من أولى المناطق التي انتفضت ضد الزعيم الليبي معمر القذافي الذي قتل في تشرين الأول/أكتوبر 2011. ولم يكن في الإمكان تنفيذ مشروع إمداد المياه إليها بعد انتفاضة 2011 والفوضى التي تلتها. ويشكو سكان المدينة الذين يتجاوز عددهم ستين ألفا، كما سكان المناطق المجاورة، اليوم، من إهمال من المؤسسات العامة. وكان يفترض أن تكون الزنتان جزءا من مشروع "النهر الصناعي" الضخم الذي كان يشكل مصدر فخر للقذافي، والقائم على إنشاء أقنية عملاقة تنقل المياه من الآبار الجوفية في الصحراء إلى المدن الساحلية. وتمّ تنفيذ المشروع في مناطق معينة، لكنه لم يصل إلى الزنتان. ويعد "النهر الصناعي" أضخم مشروع أقيم في العالم لنقل المياه الجوفية من الصحراء إلى المدن والمناطق الزراعية. ويبلغ طول شبكة الأنابيب الممتدة في هذا النهر حوالي 4000 كم، فيما يبلغ عدد الآبار المحفورة في محيطه نحو 1300 بئر. ويمثل النهر رئة ليبيا المائية التي تغذيها بحوالي 60 في المائة من المياه، لكنه يواجه ومنذ العام 2011 خطراَ داهماَ بسبب الحرب والفوضى وغياب الاستقرار الأمني. ويقول الرماح، مسؤول توزيع المياه ببلدية الزنتان وهو يقف خلف خزان مياه إسمنتي يشكل مصدر المياه الوحيد للمدينة إن "مشروع ربط الزنتان بمنظومة النهر الصناعي توقف عام 2010، وهذه المعدات لا تزال في مكانها في انتظار استئناف العمل فيه ". قرب الخزان العمودي الذي يبلغ ارتفاعه عشرات الأمتار، تصل شاحنات صهاريج لتعبئة المياه ثم تغادر لتوزيعها على السكان. ويؤكد سائق أحد الصهاريج الصيد شنطة "نقوم بنقل ثمانية صهاريج يوميا، كل عائلة تحتاج شهريا لصهريجين من المياه (20 ألف لتر كل صهريج)، وثمن الصهريج الحكومي الواحد يتراوح بين 20 إلى 40 دينارا". ويلجأ البعض إلى خدمات صهاريج خاصة قد يصل سعر الواحد منها إلى ثمانين دينارا. ويضيف، مشيرا إلى المشاكل التي تعاني منها المنطقة، "كل شيء غير موجود"، مؤكدا أن مستوى الخدمات متدن جدا. وتقتصر نسبة الذين يستفيدون من خزان المياه الوحيد في الزنتان على خمسين في المئة من السكان. بينما يلجأ آخرون إلى سائقين منفردين ينقلون حمولات المياه بسعر يبلغ ضعفين أكثر. ويقول الرماح إن "المشكلة أيضا أن الشبكة وخطوط النقل قديمة متهالكة منذ السبعينات وتحتاج إلى إعادة بناء". ويلفت إلى غياب شبكة للصرف الصحي، "فيتم التخلص من مخلفات الصرف الصحي عبر حقنها في باطن الأرض، وهو ما يهدد شبكة المياه الجوفية". وبسبب هذا التلوث، يقول طبيب في المدينة إن هناك حالات إصابة عديدة بمرض الالتهاب الكبدي الفيروسي، خصوصا بين الأطفال.في الزنتان الواقعة على بعد 170 كلم جنوب غرب طرابلس، الشوارع تكاد تكون خالية والمصارف مغلقة، فيما تصطف السيارات في طابور طويل أمام محطات الوقود للتزود بالمحروقات. ويقول عميد بلدية الزنتان مصطفى الباروني "نتيجة إهمال استمر طيلة 60 عاما، تعاني منطقة الجبل من صعوبات كبيرة جدا بينها شح المياه وغياب الاتصالات الجيدة والخدمات العامة، الأمر الذي تسبب في هجرة العنصر البشري". ويقول إن مدينته لا تصلها إلا مبالغ محدودة من المخصصات الحكومية، "ولا يتم التوزيع بشكل عادل بين المدن، ما يضطرها إلى الاستدانة من القطاع الخاص لتلبية احتياجات المدينة". ويرى أن "وضع الدولة المالي السيء سببه أن حلقات الفساد وإهدار المال العام متواصلة، في ظل وجود مؤسسات حكومية لا تعمل". ويتابع عميد بلدية الزنتان "سقف طموحات الليبيين بعد ثورة 17 فبراير كان كبيرا"، مشيرا إلى أن استمرار "التهميش سيدفع بالشباب إلى الانفجار قريبا (...)، الزنتان لا زالت مظلومة في حقها من الثروة". ويطالب المواطن محمد القرج الحكومة والمنظمات الدولية بتقديم المساعدة. ويقول "مشاكلنا عامة نقص المياه وغلاء الأسعار"، مضيفا "المياه تمثل حياة يومية ويمكن العيش لأسابيع بدون طعام، لكن لا نستطيع الصبر على عدم شرب الماء ليوم واحد".ويتطلع سكان المنطقة إلى المؤتمر الوطني الجامع الذي دعت إليه الأمم المتحدة في منتصف نيسان/أبريل لمحاولة وضع خارطة طريق تخرج ليبيا من أزماتها. وعلق عميد بلدية الزنتان بهذا الشأن قائلا "الوضع محتقن جدا، وهو أمر دفع جميع الأطراف إلى الاقتناع بضرورة الوصول إلى حل ينهي الأزمة ويحسن الخدمات في المدن". يذكر أن جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي حذر عديد المرات من الوضع الكارثي الذي يهدد الإمداد المائي في المنطقة والأفراد العاملين على المشروع، علاوة على الخسائر المادية الجسيمة التي تقدر بالملايين بسبب الاعتداءات المتكررة من قبل جماعات مسلحة على آبار المياه. كما دعا منذ أشهر المسؤولين إلى "سرعة التحرك واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للحفاظ على هذا المشروع الاستراتيجي الهام". وتستهدف الجماعات المسلحة المنشآت العامة لتحقيق مكاسب وفرض طلبات معينة، على غرار تهديدها سنة 2017 لإدارة المشروع بنسف مولدات الكهرباء وتخريب الآبار إذا لم يجرِ وقف إمدادات المياه عن بعض المدن التي تريد السيطرة عليها. وفي أبريل 2018، أكد جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي الاعتداء على 27 بئرا من آبار منظومة النهر الصناعي وإهدار 100 ألف لتر مكعب من المياه يوميا. وفي مايو 2018، أكدت إدارة المنطقة الجنوبية بمنظومة الحساونة سهل الجفارة بجهاز النهر الصناعي، ارتفاع عدد الآبار التي تم تخريبها إلى 37 بئرا بالمنظومة. وأوضحت الإدارة أن هذه الآبار كانت من ضمن المستهدف لتركيب مضخات لها الفترة القادمة لتعاود الضخ مرة أخرى. وفي يوليو 2018، أعلن عن وقوع أكثر من 20 اعتداء على مواقع تابعة للمشروع على يد مخربين وإرهابيين. كما تعرض مهندسون وأفراد من فريق حماية موقع المشروع إلى هجمات من قبل عناصر داعش الإرهابي، ففي السابع من يوليو/تموز، لقي شخصان مصرعهما، واختطف آخرون في هجوم شنه التنظيم على حقل آبار المياه بموقع تازربو بجهاز النهر الصناعي الليبي. وسَطَت المجموعات الإرهابية على محتويات الموقع من سيارات وآليات، قبل أن تقتل مهندس وأحد أفراد فريق حماية الموقع.

مشاركة :