يقترب المبدعون في بعض الأحيان من قطع الخيط الرفيع، الذي يفصل بين الثقة بالنفس والغرور، إلا أن إبداعاتهم، ورصيدهم الكبير في القلوب، والضغوط التي يتعرضون لها، وحملات التشكيك والكراهية التي تدفعهم لإطلاق تصريحات مثيرة للجدل، تجعل الجماهير تغفر لهم كل شيء، خاصة أن سيمفونية الإبداع تستمر فيما بعد، ولم يكن التصريح الشهير الذي أطلقه النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، حينما قال: أنا ثري ووسيم ولاعب عظيم، سوى مثال صارخ على هذه الحالة، فقد لاحقته هتافات عدائية في كثير من ملاعب العالم للتقليل من شأنه، فجاءت ردة فعله لتثير جدلاً كبيراً، ولكنه في نهاية المطاف استمر على توهجه، مما يعني أنه ليس شخصاً مغروراً، بل يملك الثقة في النفس والكبرياء، والقدرة على مواصلة التوهج رغم الضغوط التي تحاصره. يقولون إن هناك خطاً دقيقاً فاصلاً بين الثقة بالنفس والغرور، ولا يمكن رؤية هذا الفاصل بالعين المجردة، وهذا هو الفخ الكبير الذي يجعل البعض يقع في المحظور، وقد يتحول من شخص محبوب يعترف الجميع بموهبته إلى شخصية مثيرة للجدل، ومجرد رأس كبير تحمله أكتاف صغيرة، وقد أثار النجم المصري محمد صلاح لاعب ليفربول، وهداف الدوري الإنجليزي الموسم الماضي جدلاً كبيراً مؤخراً، حينما قال إنه بلغ مكانة لم يصل إليها لاعب مصري أو عربي أو أفريقي من قبل، وهذا الأمر يجعل الضغوط تحاصره، وعلى الرغم من أن صلاح يشتهر بالتواضع، فإن تصريحاته أثارت جدلاً كبيراً، وخاصة في الشارع العربي، وجعلت الجميع يستدعون تصريحات مشاهير الكرة العالمية، التي اخترقت جدران التواضع، وأثارت عاصفة من الجدل بعد دخولها حيز الغرور. المفارقة أن بعض النجوم في عالم كرة القدم يطلقون تصريحات تبدو في ظاهرها ومن الوهلة الأولى «مغرورة»، إلا أنها من جانب آخر تحمل بعضاً من مؤشرات الواقعية، فحينما يقول النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إنه ثري ويملك تاريخاً كروياً كبيراً فإنه لم يتجاوز الحقيقة، كما أن الغرور بمعناه التقليدي المعروف يقتل صاحبه، إلا أن رونالدو وغيره من النجوم أصحاب التصريحات والتصرفات المثيرة للجدل في بعض الأحيان، يواصلون رحلة التألق في الملاعب، مما يؤشر إلى أن ما يفعلونه أقرب إلى مشاعر الكبرياء والثقة في النفس، والدفاع عن الكيان في مواجهة موجات النقد والهجوم. لم يتمكن النجم المصري محمد صلاح من تكرار حالة التوهج التي عاشها الموسم الماضي، صحيح أنه في قلب المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي من جديد، لكنه لا يقدم أفضل مستوياته، مما دفع الجميع لطرح التساؤلات عن أسباب هذه الحالة، وترقب الملايين إجابة لهذا السؤال، وسط توقعات من البعض بأنه «لاعب الموسم الواحد»، الذي يتألق ويخطف الأضواء والأنظار مثل البرق، الذي لا يتكرر مرة ثانية أبداً، فيما أشار البعض الآخر إلى أن التغيرات الكبيرة في خطط يورجن كلوب، لا تخدم الأداء الفردي لصلاح، فضلاً عن حصار دفاعات الأندية المنافسة له، وغيرها من الأسباب. وفي منتصف مارس الماضي، ظهر صلاح ليتحدث للمرة الأولى عن أسرار تراجعه، فقال إنه يشعر ببعض الضغوط، وهو أمر طبيعي لأنه بلغ مكانة لم يصل إليها لاعب مصري أو عربي من قبل، وأثار تصريح صلاح جدلاً واسعاً، صحيح أنه لم يخرج من دائرة النجم الذي يشتهر بالتواضع، ولم يسقط في بحر الغرور، وكل ما حدث أنه أصدر نغمة مغرورة في لحن الكبرياء، فالفارق كبير بين الاعتزاز بالنفس والثقة والرغبة في الرد على الآخرين، وهذا هو الكبرياء في أروع تعريف له، وبين الغرور الذي يقتل صاحبه. وخرج البعض موجهاً انتقاداته لصلاح جراء هذه التصريحات، فالقارة السمراء منحت العالم جورج ويا المتوج بالكرة الذهبية، وصامويل إيتو، وديديه دروجبا، كما أن الكرة العربية أنجبت رابح ماجر المتوج بدوري الأبطال، ورياض محرز بطل الدوري الإنجليزي، وغيرهم من النجوم الذين تألقوا على الساحة العالمية بقوة، وكانوا فخراً للعرب والقارة السمراء كذلك، وعلى الرغم من ذلك فقد تعاطف البعض الآخر مع صلاح عقب هذا التصريح، باعتبار أن رصيده من التواضع والإبداع الصامت، يسمح له بهذه «الهفوة» التي أثارت جدلاً. كرويف: الكرة سهلة والسهل هو المستحيل «لا يمكن للطليان الفوز علينا، ولكن من المؤكد أننا قد نتعرض للخسارة أمامهم»، بهذا التصريح أثار النجم الأسطوري يوهان كرويف جدلاً كبيراً قبل عقود من الزمن، فهو تصريح يقع على الحافة الفاصلة بين الثقة والغرور، حيث يريد أن يقول وبكل وضوح إن الهزيمة أمام الطليان سوف يكون سببها فريقه، وليس عبقرية أو تفوق الطليان. كما أشار كرويف الذي لا يختلف أحد على عبقريته الكروية في تصريح آخر، إلى أن الخطأ حينما يحدث منه يتم توصيفه من الجميع بأنه خطأ، ولكنه لم يكن كذلك قبل أن يقع فيه، أي أن الجميع ينظرون له على أنه لاعب لا يرتكب الأخطاء، ودائماً ما يؤدي بطريقة مثالية، ومن ثم يترقب الجميع هفواته لكي يقولوا إنه مثل بقية اللاعبين يقع في الأخطاء. وفي تصريح يؤكد شعوره بالفخر بالكرة التي يعشقها ويقدمها، سواء حينما كان لاعباً أو مدرباً، ودفاعاً عن مدرسة التيكي تاكا قال كرويف: «كرة القدم لعبة سهلة، ولكن الجانب الأصعب فيها أن تؤدي بسهولة»، أي أن السهل الممتنع في عالم كرة القدم يراه الجميع أمراً عادياً، ولكنه أقرب إلى المستحيل حينما تتم ممارسته، وكان الدليل الأكبر على صحة ما قاله كرويف أداء فريق البارسا تحت قيادة جوارديولا، وخاصة الثلاثي تشافي وميسي وإنييستا. مورينيو: زيمان؟ سأبحث عنه في جوجل أدرك الإنجليز مبكراً أن جوزيه مورينيو ليس مجرد مدرب يملك أفكاراً ورؤية تكتيكية خاصة تختلف عن أي اسم في عالم التدريب، فقد كان الجزء الأكثر جاذبية في شخصيته التصريحات النارية المثيرة للجدل، ويكفي أنه في المؤتمر الصحفي الأول لظهوره مع تشيلسي عام 2004 قال: «أنا سبيشل ون» أي لست مدرباً أو شخصاً عادياً، والتصق به هذا اللقب حتى اليوم. مورينيو بائع صحف من المقام الرفيع، أي أنه يملك جاذبية خاصة تجعل الصحف التي ترصد تصريحاً له أكثر مبيعاً، وبلغ «مو» قمة إثارة الجدل خلال تجربته مع إنتر ميلان، فقد ظفر بالثلاثية التاريخية «الدوري والكأس و دوري الأبطال» عام 2010، وتعرض لانتقادات شديدة من زدينيك زيمان الذي تولى تدريب أكثر من فريق في إيطاليا على رأسها روما وبريشيا، بل إن تجاربه التدريبية تبلغ 25 في أكثر من 40 عاماً، وفي انتقاده لمورينيو قال: إنه يجبر فريقه على الأداء الدفاعي، ولا يسمح للمنافسين بتقديم كرة قدم حقيقية جذابة. وفي رده الصاعق على زيمان قال مورينيو: طوال مشواري مع التدريب لم أسمع اسم هذا المدرب، من هو زيمان ؟ على أي حال سوف أبحث عن اسمه في جوجل، أنا في إجازة الآن ويمكنني البحث عن اسمه، هل هو لاعب ؟ أم مدرب ؟ لا أعرف أحداً في عالم كرة القدم بهذا الاسم. إبرا: كأس عالم من دوني لا يستحق المشاهدة «لديها إبرا، فلماذا أشتري لها الهدايا».. بهذه الكلمات رد زلاتان إبراهيموفيتش على سؤال حول الهدية التي سوف يحرص على منحها لزوجته في عيد ميلادها، وعلى الرغم من أن تصريحه يبدو في ظاهره مغروراً، إلا أن إبرا يطلق مثل هذه الكلمات بطريقة فكاهية ساخرة، لا بدافع الغرور كما يعتقد البعض، وهي جزء من شخصيته الجذابة المثيرة للجدل. وفي عام 2013 أطلق أبرا التصريح الأكثر شهرة في مسيرته الكروية، حينما فشلت السويد في التأهل لمونديال البرازيل 2014 على إثر الهزيمة أمام البرتغال في محلق التصفيات النهائية، حيث قال: «كأس عالم من دون إبرا مجرد بطولة لا تستحق المشاهدة»، وتناقلت وكالات الأنباء والصحف العالمية هذا التصريح باهتمام كبير فاق في حينه صدمة الفشل السويدي في التأهل، وفرحة بلوغ البرتغال بقيادة رونالدو النهائيات المونديالية، ليخطف إبرا الأضواء من الجميع. وقبل انطلاقة كأس العالم 2018، وعقب التأكد من عدم حصوله على فرصة المشاركة في المونديال لأسباب تتعلق باعتزاله، ورفض الجهاز الفني للمنتخب السويدي منحه فرصة العودة للظهور في المونديال، قال إبرا إن منتخب بلاده يمكنه أن يؤدي بلا ضغوط، لأنه ببساطة سوف يخوض التحدي المونديالي من دونه، في إشارة إلى أن عدم وجود اللاعب النجم يخفف كثيراً من سقف التوقعات، ومن ثم يحرر أي كيان كروي من الضغوط. وحينما تعرض إبرا للانتقادات من جون كارو لاعب المنتخب السويدي، جاء الرد قاسياً لاذعاً في الوقت ذاته، حيث قال إبرا: «ما يفعله كارو بالكرة يمكنني أن أفعل أفضل منه بالبرتقالة» في إشارة إلى فارق المهارات بينهما، أما آخر التصريحات التي تتسم بالغرور الفكاهي اللاذع والتي أطلقها إبرا، فقد أشار تعليقاً على تعافيه من الإصابة سريعاً، حينما كان يدافع عن قميص مان يونايتد بمعدلات أسرع من المعتاد، فقال إن الأسود تتعافى أسرع كثيراً من البشر، وتعززت صورة إبرا باعتباره مبدعاً محبوباً، يطلق التصريحات التي لا يمكن القول إنها تعبر عن غرور بقدر ما تجسد حساً فكاهياً لاذعاً، فهو يقول ما يريد بالطريقة التي يريدها في الوقت الذي يقرره.
مشاركة :