«بينالي الشارقة» يستحضر ماضي التلاقي مع الآخر

  • 4/3/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

خارج مصنع ثلج مهجور في كلباء، على الساحل الرملي لخليج عمان، هناك رجال سمر يرتدون قبعات سوداء عريضة الحواف، يمارسون التجديف بجانب مركب شراعي على الشاطئ، إحياء لطقوس لافتة للانتباه. انضمت إليهم نساء يرتدين الخلاخيل، وثلاثة أشخاص يعزفون على العود وطبل الدربوكة والكمان، مشكلين مسيرة تم تصميمها لأداء مشاهد على طول الشاطئ، رافعين صدورهم بحثا عن هواء يستنشقونه، قبل العبور من بوابة مزدوجة على طراز أبواب زنجبار. المشهد يشير إلى تمازج أجناس بين العرب والبانتو، خلال المتاجرة بالتوابل عبر المحيط الهندي، طوال قرون مضت - وقد يبدو بشكل مثير للدهشة مشهدا إيحائيا على شاطئ عام في الشارقة - وهي إمارة خليجية محافظة، تتطلع لأن تصبح عاصمة ثقافية ضمن الإمارات السبع. ومع ذلك، كان أداء "الاستعراض" الذي يعبر عن ذلك التلاقح، الحدث الأبرز في افتتاحية عطلة نهاية الأسبوع لـ"بينالي الشارقة" الذي تأسس منذ عام 1993. أخرج العمل فنان مولود في سويتو مع مؤدين من جنوب إفريقيا وأفارقة مقيمين في الإمارات. أخبرني أنه رأى في الخليج أوجه تشابه مع "كيف بدأت جوهانسبرج كمدينة تعدين بعمالة جماعية رخيصة، عندما تم فصل الرجال عن عائلاتهم في بيوت الشباب". لا مفر من تردد الأصداء في عمل يستند إلى التاريخ الطويل، بين شبه الجزيرة العربية والساحل في إفريقيا. يقول موديساكنج، الذي يعتبر الطقوس تنفيسا بالنسبة له، "المشاهد التي يؤديها هؤلاء الأشخاص، تربطك مباشرة بتلك الذاكرة، وبالعمالة الحديثة والمرتهنة". عرض موديساكنج ضمن عديد من الأعمال البارزة، التي تتبع تاريخ بلدان جنوبي العالم، في بينالي الشارقة الـ14: بعنوان "خارج السياق" الذي يتحدث عن مغادرة حجرة الصدى. تقول لي حور القاسمي، مديرة مؤسسة الشارقة للفنون: "من الناحية الجغرافية، نحن في منطقة غامضة". الفنانة التي درست في كلية سلايد للفنون الجميلة، قيمة على "بينالي الشارقة"، وتولت إدارة المعرض منذ 16 عاما، بحيث جعلت المعرض الذي يقام سنويا في مدينة كاسل نموذجا لها. أضافت: "نصف الناس هنا من جنوبي آسيا. كما أن هناك عددا كبيرا من السمر، من المقيمين". في البلدان التي تعتمد اقتصاداتها على التحويلات المالية، يكبر الأطفال فيها ويعرفون والديهم إلى حد كبير من خلال مكالمات الإنترنت. بدعوة الفنانين للاستجابة لهذا السياق والتفكير خارج "غرفة الصدى"، هناك ثلاثة أمناء بارعون، زوي بوت من فيتنام، وعمر خليف من مصر، وكلير تانكونز من جوادلوب، لديهم منصات تتميز بالتيارات المتداخلة الغنية. تتنوع أعمال 80 فنانا معروضة أمام 60 لجنة جديدة، من عرض خليف التاريخي في متحف الشارقة للفنون، الذي يعرض رسامين مبتكرين بداية من مروان إلى لوبينا حميد، إلى عمل شركة "نيو أورليانز إيرليفت" وسكان محليين في مطار مهجور. في فيلم "ذا ترانس ناشيونال" - جزء من عرض أداء، تحوّل ستائر الساتانية طائرة ركاب سوفياتية مسطحة إلى بوابة رمزية للأمل وخيبته، معا. مع فرقة فلبينية هي "دي جي" ، يتوج القطعة الليلية في فريك، مغني راب صومالي مولود في الإمارات، وأهازيج بالعربية لا تكاد تنتهي، للناطقين بغيرها. في معرض "بوت" في استوديوهات الحمرية الذي يبعد نصف ساعة بالسيارة عن مدينة الشارقة، يتم تتبع الفكرة الضمنية للعمالة المنقولة عبر التاريخ الاستعماري. يستحضر فيلم شيراز بايجو Ile de France أي جزيرة فرنسا (2015)، الذي لم يصور فيه أشخاص، الذكريات الشاردة لموريشيوس من خلال تصوير قصور مدمرة، ومساكن عمال مزرية، ومقتطفات من أخبار "بي بي سي"، وهمسات بالفرنسية والهندية، وقبور بجانب المحيط. من المثير للإعجاب أيضا التنصيب النحتي لجومبت كوسويدانانتو في عمله الفني، حيث إن الثريا التي هي العنصر المركزي للعمل، محاطة بزجاج محطم تمثل طائرا محطما وسط توترات تطارد فادو الإندونيسية. عمل تيان أندرو نجوين، الذي هو عبارة عن مقاطع فيديو تم تركيبها على أربع قنوات في الهواء الطلق، في منطقة المريجة التراثية التي تشبه مدينة قديمة The Specter of Ancestors Becoming، أي طيف من استعادة الأسلاف، يعتبر من الأعمال البارزة الأخرى، حيث يستعيد ذكريات قناصة سنغاليين حاربوا من أجل الفرنسيين في الهند الصينية، وعادوا بامرأة فيتنامية معهم إلى غربي إفريقيا. صورة بالأبيض والأسود التقطها منعم واصف، تسلط الضوء على التكلفة الإنسانية ليد عاملة يمكن الاستغناء عنها، مع أحمال الجوت يحملها رجل بنغالي، بحيث تغطيه مثل الشعر الكتاني المتدفق. في عرض ميشاك جابا البارع الذي قدمه من خلال السوق، ارتدى الفنانون البارزون باروكات ضخمة على شكل مبان إماراتية بارزة، فيما ينشدون التقدير لكل من يجدلون الضفائر في "بنين" وكذلك عمال البناء. يقول جابا إن المتعة فيها كانت في ممارسة أن المعرض يمكن أن يكون في كل مكان. أصحاب المتاجر في جنوب آسيا الذين يستمتعون بالمزحة، صوروا الاستعراضات على الهواتف الذكية. ويتساءل خليف: "ما الموقف الذي يمكن اتخاذه في عصر الأخبار المزيفة؟" بالنسبة إلى لورنس أبو حمدان، الفن هو "عملية إنتاج الحقيقة"، وليس لعبة هزلية بحقائق متعددة. مشاركته السمعية والبصرية Once Removed، التي أخطأت في فهمها بأنها وهمية، هي قصة حقيقية تجسد شخصية رجل مراهق من الميليشيات في الحرب الأهلية اللبنانية، يجمع الأسلحة والتذكارات من المقاتلين، الذين يعاملونه باعتباره أحد رفاقهم الذين سقطوا. في غياب رواية متفق عليها، يقول لي أبو حمدان، "هذا الأرشيف المادي وسيلة للوصول إلى الواقع المادي للحرب الذي تم محوه". The Ballad of Special Ops Cody 2017، فيلم رسوم متحركة موقفة عن الحركة لمايكل راكويتز وهو فنان عراقي-أمريكي، يأخذ طريقا آخر في ذاكرة الحرب المتنازع عليها. في فكرة رائعة، يتم التعبير عن الحوار الخيالي بين لعبة على شكل جندي أمريكي وآثار عراقية منهوبة في متحف، على لسان طبيب في الجيش الأمريكي. كلمات المخضرمين تخصهم، فيما يعتبره خليف "عملية مصالحة". تدعي حور القاسمي أن معرض بينالي حظى بقيود قليلة، طالما أن عرضنا لا يأت بشكل استفزازي؛ إذ لا أريد أن أخسر جمهوري. هناك خيط قوي يشكك في دور التعليم في فرض السلطة والسيطرة. هرب خادم علي رسام اللوحات المصغرة الأفغاني إلى باكستان كلاجئ. اللوحات التي رسمها بالألوان المائية، وأثوابه المطرزة بـ"زهور الشر"، تضع الأسلحة أمام الأحداث الأفغانية، ما يشير إلى كيفية تعلم العنف والتطبع به. تم تشويه سمعة مجموعته العرقية "هزارا" من قبل طالبان: شياطين القرن المتمرد في جدارية علي في ساحة الفنون هي رده. يثبت عرض "بليدة جوينفيل" لمحمد بورويسا في روضة أطفال سابقة، تم الرسم على جدرانها بمساعدة الأطفال، أوجه التشابه بين مدى الانسجام الناجم عن التعليم ومستشفى للأمراض النفسية في الجزائر المستعمرة؛ وفي فيديو، يروي نزيل بستاني أنه تم تعذيبه بصدمات كهربائية. انتهت فترة وصاية جاك برسكيان في عام 2011 بشكل مفاجئ، بسبب صور يعتقد أنها حوت قدرا من التجديف. الجنس والدين ليسا الجانبين الحساسين الوحيدين. هناك رسومات وائل شوقي التي تشبه القصة المصورة لـThe Gulf Project Camp وهي 400 عام من التاريخ العربي، بداية من السفن الشراعية الصليبية إلى ناقلات النفط. على أن استخدامها لشخصيات حيوانية تخفف من حدة النقد. يقول لي الفنان المصري: "إنه ليس تاريخا مكتوبا، لذا يمكن لأي شخص أن يصنعه - مثل الفن. استخدام الحيوانات البريئة يعني أنهم ليسوا أخيارا أو أشرارا؛ هذا يمنعنا من إصدار الحكم". ومع ذلك ، فإن الحدود لما هو مسموح به يمكن أن تتحول بشكل غير متوقع مثل الكثبان الرملية. ما هو أكثر مباشرة من عمل شوقي هو عمل ألفريدو جار "33 امرأة" (2014-2019). أفاد بعض الزوار في البداية أن الحاضرين كانوا يمنعون من التصوير الفوتوغرافي. على أنني، عندما ذهبت بنفسي، قدم الرجل الذي يجلس على طاولة القراءة لي الكتيب تطوعا. يمكن للفن ، من خلال التساؤلات التي يطرحها، أن يفتح الطريق أمام التفكير النقدي. معرض بينالي يشبه الكرنفالات، ويؤدي إلى قلب المعايير الاجتماعية في "صمام أمان للتحرر". ويبقى السؤال ماذا عندما ينتهي الكرنفال؟

مشاركة :