يشهد العمل في العراق عقبات ومخاطر جمة، فطريق الاستثمار فيه ليس معبداً بالورود، بل غالباً ما كانت هناك أصوات طاردة للاستثمار الأجنبي. وأكدت كاثرين باور المسؤولة السابقة في وزارة الخزانة الأميركية، أن العقبات والمخاطر في الاستثمار بالعراق لا تقتصر فقط على الأصوات الموالية لإيران المعرقلة لأي علاقات عراقية لا يراها النظام الإيراني تصب في مصلحته، إلا أنها أكدت أن الكثير من تلك العقبات كانت طهران سببها بشكل أو بآخر. واختصرت عقبات الاستثمار في العراق بـ4 نقاط هي: 1 مشكلات النزوح: يُعتبر الوضع الإنساني في العراق مصدر القلق الأول. فقد أسفرت الحرب مع تنظيم داعش عن نزوح 5.7 مليون عراقي، 1.6 مليون منهم من محافظة نينوى وحدها. وعاد أكثر من 3 ملايين عراقي إلى ديارهم، إلا أن 2.6 مليون مشرد ما يزالون في المخيمات بسبب مجموعة من العقبات، من بينها تدمير منازلهم، ومخاطر الألغام، والبطالة، والخلافات المحلية. كما أن حوالي 70 في المئة من أطفال المدارس في العراق لم يلتحقوا بالدراسة عاماً دراسياً واحداً على الأقل وما زالوا ينتظرون إعادة دمجهم في النظام التعليمي، علماً بأن نحو مليون منهم أُرغموا على دراسة المناهج التعليمية الخاصة بتنظيم داعش خلال فترة الاحتلال. 2 الأمن والاستقرار: انعدام الأمن، العقبة الثانية التي على المستثمرين تخطيها وهي السبب الأول لعدم عودة معظم الناس إلى بيوتهم. ففي الموصل، على سبيل المثال، ما زالت نسبة 90% من المباني تحتوي على متفجرات وأدوات مفخخة. وتُبذل حالياً جهود لإزالة المتفجرات من الهياكل الأساسية العامة، إلا أنه لا يتوفر سوى القليل من التمويل لإزالة الألغام في المناطق السكنية. وبالإضافة إلى ذلك، ما زالت الميليشيات تتمركز في المدن، الأمر الذي يثير استياءً بين السكان المحليين. 3 القطاع المصرفي: الاقتصاد القائم على السيولة النقدية في العراق يجعله وسيلة لتهرب إيران من العقوبات من خلال مراقبة الطلب على الدولار والتحويلات البرقية، مما يجعله هدفاً إيرانياً دائماً، موضحة أنه ومن أجل إصلاح القطاع المالي للعراق، تحتاج البلاد إلى مساندة حركية وأخرى فنية في تحويل الرواتب العامة من مدفوعات نقدية إلى ديون مصرفية، إلى جانب الجهود الرامية إلى جلب نشاط إضافي لتمويل التجارة إلى القطاع الرسمي. ودعت باور السلطات العراقية للتواصل مع البنوك والشركات المالية والجهات الفاعلة التجارية في القطاعات الرئيسية، وزيادة الوعي حول المعايير القانونية للعقوبات الأميركية والنتائج المحتملة لممارسة الأعمال التجارية مع بعض الكيانات الإيرانية. مؤكدة أن على واشنطن أن تقدم مساعدة فنية لزيادة قدرة المنظّمين على تنفيذ لوائح تكافح التمويل غير المشروع. 4 إعادة الإعمار: الاستثمار في الجهود التي تساعد العراقيين على العودة إلى حياتهم الطبيعية وفق باور، يشكل أمراً ضرورياً لنجاح عملية إعادة الإعمار في العراق، لتوفير الاستقرار الفوري للموصل ومناطق أخرى، ومساعدة الأشخاص المشردين داخلياً على العودة إلى ديارهم، وإيجاد ظروف عيش لائقة. نيات جادة ويسعى العراق بناءً على هذه المعطيات إلى تعزيز 5 قطاعات رئيسة، هي: القطاع المصرفي، الطاقة، البنى التحتية، التنمية الاجتماعية والأمن. وأكدت باور أن العراق لطالما سعى في الحقيقة إلى تطوير تلك القطاعات إلا أن عدم قدرة الحكومات العراقية المتعاقبة على تطمين المستثمرين هو ما جعل مساعيها الحثيثة لاستقطابهم تُقابل ببرود وتخوف من هؤلاء. وقالت المسؤولة السابقة في وزارة الخزانة الأميركية، إن العراق اليوم ليس العراق في 2006، وإن هناك وعياً عالياً جداً من قبل الحكومة العراقية والشعب العراقي بضرورة إيجاد مخرج من الارتباط بإيران الذي تحول إلى صخرة ثقيلة تجر العراق إلى القاع. وتلمس باور نيات جادة للعمل في العراق مع شركاء دائمين، مضيفة: «يبدو الجهد العراقي واضحاً لإثبات تلك النيات على الرغم من الجو المشحون الذي تحاول إيران خلقه عبر وكلائها الرافضين لأي تعاون مع جهات لا تستسيغها إيران، فقد ساهم البنك المركزي العراقي عام 2015 في فضح الجهات الفاعلة السيئة من شركات الواجهة الإيرانية التابعة للحرس الثوري في العراق، وساهم أيضاً في تحديد وحظر مكاتب الصرافة التي تسعى إلى الوصول إلى الدولار نيابة عن إيران عن طريق مزادات العملة العراقية. كما أدرج البنك في القائمة السوداء أكثر من 200 مكتب صرافة يشتبه في ضلوعها في أنشطة مالية غير مشروعة وتم إدراج بعضها بصورة مشتركة مع الولايات المتحدة». وأضافت: «على الرغم من أن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة من خلال حملة الضغط على إيران، فإن كل جانب من جوانب سياستها بشأن العقوبات على إيران يصب في مصلحة العراق»، مشددة: «إن على قادة العراق استغلال هذه الفرصة التي من شأنها أن تحدث تحولاً جذرياً في العراق، بدلاً من شراء واردات إيران العالية التكاليف. كما يجب أن يكونوا راغبين في الحصول على مجموعة أكثر تنوعاً من مزودي الكهرباء لكي يحصل الشعب على قيمة، وصدقية، واستقلالية أفضل في مجال الطاقة. وينبغي أن يكونوا راغبين أيضاً في تحسين الضوابط المالية وتعزيز الشفافية في الاقتصاد، وصون نزاهته وحماية صلة العراق الحيوية بالنظام المالي الدولي».
مشاركة :