تحاول إيران الاستثمار في الغضب المكتوم لدى آل البارزاني من خذلان الولايات المتحدة لهم في قضية الاستقلال عن العراق، لضمّهم إلى صفّها وتوظيف ما لديهم من سلطة واسعة وسيطرة على الأرض في إقليم كردستان لجعل الأخير بوابة ومنفذا لخرق العقوبات الأميركية المفروضة عليها. بغداد - تراهن طهران على إعادة بعث الزعيم الكردي العراقي مسعود البارزاني، سياسيا، على أمل أن يلعب دورا في تخفيف أثر العقوبات الأميركية عليها، بالنظر إلى النفوذ الكبير الذي يتمتع به في مناطق حدودية واسعة بين العراق وإيران. ويقول مراقبون إنّ إيران تعوّل في هذا الجانب على ما تعتبره “غضبا مكتوما” لدى آل البارزاني من الولايات المتحدة التي يعتبرون أنّها خذلتهم في منعطف حاسم حين تركتهم لمصيرهم ولم تساندهم في مسعاهم للاستقلال بل جعلتهم يواجهون منفردين تبعات الاستفتاء على الاستقلال ويتحمّلون الضغوط الشديدة التي سُلّطت عليهم في إثره من قبل بغداد وطهران وأنقرة. وتؤكّد مصادر مقرّبة من الحزب الديمقراطي الكردستاني أنّ موقف زعيمه مسعود البارزاني من واشنطن سلبي، وإن كان يتحاشى التصريح بذلك، أو يصرّح بعكس موقفه الحقيقي لتجنّب مواجهة غير متكافئة وغير مضمونة العواقب مع إدارة ترامب. وتلقى البارزاني ضربة سياسية قاتلة، كادت تقصيه من المشهد العراقي، عندما أصر على إجراء استفتاء لسكان المنطقة الكردية بهدف فصلها عن العراق في سبتمبر 2017، ما أثار ردود فعل داخلية حادة فرضت على الحكومة المركزية الدفع بقواتها إلى تخوم إقليم كردستان وإبعاد قوات البيشمركة الكردية عن كركوك الغنية بالنفط، فضلا عن الرفض الإقليمي الذي جوبه به حلم الاستقلال الكردي، في ظلّ سلبية وبرود غير متوقّعين من قبل الولايات المتّحدة الحليف الكبير لأكراد العراق، والتي كانت قد دفعت بإقليمهم إلى وضع أشبه بوضع الدولة بعد أن أطاحت بنظام الرئيس السابق صدّام حسين. واضطر البارزاني، إثر تداعيات استفتاء الانفصال، إلى التنحي عن منصب رئيس إقليم كردستان، الذي شغله لسنوات عدة، فيما بلغت التوترات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده، وكل من إيران وتركيا، مستوى غير مسبوق من التوتر، وصل إلى حد فرض الجارتين حصارا جزئيا على المنطقة الكردية في العراق، وعلقتا الرحلات الجوية إليها. ولكن إيران سرعان ما عادت إلى فتح قنوات التواصل مع البارزاني، مستغلة فتور علاقته بالولايات المتحدة. سعدالله مسعوديان: بالنسبة لنا فإن معالجة الخلافات بين بغداد وأربيل أمر مهم لإيرانسعدالله مسعوديان: بالنسبة لنا فإن معالجة الخلافات بين بغداد وأربيل أمر مهم لإيران وتقول مصادر سياسية كردية لـ“العرب” إن “طهران شجعت البارزاني على الانفتاح على القيادة الجديدة في بغداد، التي يمثلها رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي” ما مهّد لزيارة الزعيم الكردي إلى بغداد والنجف حيث التقى رئيس الحكومة ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وغريمه التقليدي زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، فضلا عن الزعيم الشيعي العنيد مقتدى الصدر. وبدا القنصل الإيراني في مدينة السليمانية، المحاذية للحدود الإيرانية في إقليم كردستان العراق سعيدا بنتائج زيارة البارزاني إلى بغداد والنجف مشيرا إلى أنها “حافلة بالمكاسب”. وقال سعدالله مسعوديان إن زيارة البارزاني إلى بغداد “تبشّر بمستقبل آمن وزاهر للعراق”، مشيرا إلى أن “نتائج ومكاسب هذه الزيارة ستعود بالنفع على الشعب العراقي خلال الأشهر القادمة”. وأضاف “بالنسبة لنا في جمهورية إيران الإسلامية فإن معالجة الخلافات بين بغداد وأربيل أمر مهم، وبالتأكيد كلما وجدت علاقة أكثر متانة بين الجانبين على أساس المواطنة، فإن ذلك سيساهم بتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد ودعم وحدة الأراضي العراقية”. وبشأن الدور الذي يمكن أن يلعبه البارزاني في تخفيف أثر العقوبات الأميركية على إيران، قال القنصل الإيراني، إن “العلاقات بين إيران وإقليم كردستان والعراق قوية ومتينة لدرجة لا يمكن فيها للمتربصين إحداث فجوة فيها أو إضعافها”. وأضاف “شعبا العراق وكردستان يطالبان برفع الحصار أيضا لأن العلاقات التجارية تصب في مصلحة الطرفين”. ولا تستبعد مصادر سياسية في بغداد أن “يكون ثمن الخطة الإيرانية لإعادة البارزاني إلى واجهة الأحداث في العراق، هو دور يمكن أن يلعبه الزعيم الكردي في مساعدة إيران على تجاوز أضرار العقوبات الأميركية جزئيا”. ويهيمن الحزب الديمقراطي الكردستاني على معظم القوة العسكرية في إقليم كردستان الممثلة بمقاتلي البيشمركة الذين يسيطرون على حدود المنطقة الكردية العراقية مع إيران، فيما تخضع حركة المال والتجارة والاقتصاد بشكل شبه كلي لنفوذ عائلة البارزاني. وتمثّل حدود كردستان العراق وإيران ممرا تقليديا للتهريب المتبادل الذي يشتمل على المخدرات والخمور والمواد الغذائية والإنشائية والخضر والفواكه، بعيدا عن المنافذ الرسمية. وتقول مصادر محلية في كردستان، إن معدلات التهريب بين إيران وكردستان العراق، ازدادت بشكل ملحوظ مؤخرا. وتضيف المصادر أن تجار عملة إيرانيين، ينشطون بشكل واضح في مدينة أربيل معقل حزب البارزاني، ويستخدمون شركات صيرفة محلية لتحويل مبالغ صغيرة بالدولار إلى طهران، على أساس أنها بدل صادرات، وهو ما تحظره العقوبات الأميركية. لكن السلطات المحلية لا تتابع هذه العمليات على اعتبار أنها أنشطة تجارية خاصة، لا تدخل ضمن التعاملات المالية الرسمية. وبحسب مراقبين، يمكن لكردستان العراق في المدى القريب أن يكون منصة لا بأس بها لتوفير جزء من العملة الأميركية لإيران، في ظل الرقابة الدولية الشديدة المفروضة على التحويلات المالية الرسمية إلى طهران.
مشاركة :