استعاد الفنان التشكيلي والباحث في التراث الشعبي السعودي عبد العزيز خليل المبرزي، 20 حرفة محلية وثقها بالريشة والألوان في قرية الحرف التراثية، ليصنع حالة من الإبهار لزوار مهرجان أيام الشارقة التراثية «من 2 حتى 23 أبريل الجاري»، الذين جالوا في أروقة المعرض، وعاشوا رحلة ملهمة نهلوا فيها جواهر القيم والتقاليد وكنوزاً من الاستكشافات الجميلة في سيرة الأولين. واستطاع المبرزي عبر معرضه الذي تضمن لوحات فنية تعكس إشراقات التراث المادي وتضيء على مواقع جذب وآثار تاريخية في الإمارات برؤية تشكيلية فذة، تحلق في فضاءات الموروث العريق وحكايات الأجداد الأولين، راصداً بعين الجمال نفحات الماضي وذكريات الزمن الجميل، ويهدف المبرزي من وراء هذا المشروع الفني الغني بإحساساته اللونية إلى تقديم رسالة التراث بأسلوب بصري لمخاطبة وجدان الأجيال الجديدة. بالريشة والألوان واستعرض المبرزي عديداً من الحرف أبرز تلك اللوحات «الكتاتيب» التي كانت تتولى تعليم الصغار أركان الإسلام، وتحفيظهم للقرآن، والقراءة والكتابة، ولوحة «الغواص» كان ينزل للبحار واضعاً أداة تشبه الملقط على أنفه، وكان ينزل إلى البحر مربوطاً بحبل حتى إذا واجهته مشكلة أو يريد الخروج يقوم بهز الحبل. لوحة الفليق«الفليج» تدل على مهنة فلق المحار لاستخراج اللؤلؤ، ولوحة الحرفة التقليدية صناعة الدخون، ولوحة عن «المعقصة» تستخدم لتمشيط وتسريح الشعر، إضافة للوحة تدل على حرفة «خبز الرقاق» التي تعد من الأكلات الشعبية. ولوحة لحرفة المعالجة الشعبية التي كان يستخدم من خلالها القدامى الكي لمعالجة الأمراض، فضلاً عن لوحة تمليح الأسماك، وخض اللبن «السقا» وصناعة «السدو»، وبناء العريش، والرحى لطحن الحبوب والشعير، ولوحة جذابة تدل على كرم الضيافة وفيها رسم الفنان صورة تشكيلية للمقهوي، ومن الحرف التي كانت في المعرض من ضمن الـ20 حرفة، صور لحرف الغزل «الصوف» و«السفافة»، والتلي، والبرام «صناعة الفخار»، والحداد، والصياد، وصناعة القوارب. وقالت خلود الهاجري، رئيس لجنة الحرف التراثية في الشارقة، إن القرية تضم 4 منصات تستحضر قيم الأجداد وتنبض بروح الأصالة، تشارك فيها 32 حرفية، منها ركن الحرف الإماراتية تابعة لمعهد الشارقة للتراث، ويضم مشغولات يدوية، ومنتجات تراثية مثل السلال والمكاحل والدمى والهدايا والمقتنيات وغيرها، تشارك فيها 6 حرفيات في «السفافة» والتلي والمكاحل والخياطة وصناعة الدخون والعطور، يزاولن تلك الحرف ويتمسكن بها منذ عقود. زينة النساء بالحديث عن ركن الأزياء التقليدية وأدوات الزينة، أشارت إلى أنه يضم العطور والذهب وملابس ومتعلقات المرأة في مختلف المناسبات الاجتماعية كالأعياد والأعراس وغيرها. ويوجد ركن ثان للحرف، تشارك فيه 18 حرفية، في صبغ الملابس وصناعة النعل و«قرض البراقع» و«صبغ الخوص» و«السدو» و«سبوق الطير» والغزل، والحناء والنقدة «الشيلة»، وسيتم استضافة حرفيين من المملكة العربية السعودية، يقدمن منتجاتهن للزوار على مدى 9 أيام، وتحل البحرين ضيفة شرف لمدة 10 أيام، كما تشارك حرفيات من الكويت متخصصات في الحزاوي التراثية. ويوجد ركن خاص بالورش، حيث يقدم يومياً ورشة أمام الجمهور، وتعريف الزوار بطريقة استخدام الحرف ومنتجاتها وأساليب تعلمها، وأبرز تلك الورش «المداوية» الطب الشعبي، وورشة صناعة العطور والدخون، خض اللبن وطريقة عمل الحناء، والركن الخامس هو المطبخ الشعبي، تقدم الشيف شمة عيد بلال، «طبخة» شعبية تحاكي البيئة الخليجية أمام الزوار ويتم إشراكهم في طريقة إعدادها ومكوناتها وتذوقها أيضاً. ورش تفاعلية ولفتت خلود إلى قرية الحرف ستقدم في 18 أبريل الذي يصادف يوم التراث العالمي، مظاهر وطقوس العرس الإماراتي، بالطريقة التقليدية، وتشترك البيئة الزراعية التابعة للمناطق الشرقية تنظيم عرس إماراتي وفق طقوسهم وعاداتهم أيضاً، لا يقتصر إحياء الموروث الحرفي المحلي بحسب خلود على المشاركة في قرية أيام الشارقة التراثية، بل أن هناك مبادرات مهمة في توعية المجتمع من خلال تقديم الورش التفاعلية والنظرية والتطبيقية كمواد تعليمية وتثقيفية وترفيهية في حصص للمدارس والمعاهد والجامعات، مشيرة إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على تلك الحرف وصونها من الاندثار والزوال، وتدريب وتعليم الجيل الجديد لاحترافها بأدواتها الأولى، ولا تجد خلود أي موانع في دمج التكنولوجيا في حرف قديمة، حيث إن متطلبات العصر تفرض ذلك لمواكبة التطور والحداثة على الأقل، لضمان إنتاجها ونقلها وترويجها، طالما أن الهدف الجوهري بالنهاية هو إحياؤها مع المحافظة بالطبع على هويتها وأصالتها. تراث لكل الشعوب قالت خلود الهاجري، رئيس لجنة الحرف التراثية في الشارقة، إن رسالة الحرف المحلية لا تستهدف المجتمع المحلي بل إن الطموح يمتد إلى نقلها كجزء من التراث الثقافي الإماراتي، إلى وجدان الشعوب في العالم، حيث نحرص على المشاركة في معارض دولية، وقد شهد العام الماضي 2018، مشاركات عديدة في البرازيل بمدينة ساو باولو، والثانية في نيودلهي بالهند، كما يشارك حرفيون محليون في شهر مايو المقبل في إيطاليا ويرتحل في شهر يونيو إلى روسيا، تلك المشاركات تهدف بالطبع وفق خلود إلى نقل ونشر تراث الإمارات وبناء جسور ثقافية وحضارية مع شعوب العالم كافة لاسيما أن هناك زواراً ومهتمين وباحثين لديهم تعطش وشغف في التعرف إلى طبيعة الشعب الإماراتي ونمط عيشه في ماضيه وحاضره.
مشاركة :