في خطوة تعاطف جديدة للجيش السوداني مع المحتجين المطالبين برحيل الرئيس عمر البشير، تدخل جنوده أمس، لحماية متظاهرين بمواجهة قوات الأمن التي كانت تسعى لفض اعتصام يشارك فيه آلاف المناهضين للحكومة، لليوم الثالث، على التوالي أمام مقر وزارة الدفاع وسط الخرطوم، ما أدى الى مقتل عسكري ومدني. وأجمع مراقبون للمشهد في السودان على أن مصير الحراك الشعبي بات منوطا بما يدور خلف الأسوار العالية لقيادة الجيش «المحاصرة» بآلاف المحتجين منذ السبت الماضي، فموقف القوات المسلحة هو الحاسم لمسيرة احتجاجات دخلت شهرها الرابع، وحياد الجيش هو المشهد الراسخ حتى الآن، لكنه أحيانا يتحول إلى تعاطف لافت. الخطة باء وبالرغم من استبعاد فرضية انقلاب الجيش على البشير خلال هذه المرحلة على الأقل إلا أن بعض المؤشرات تدفع نحو توقع دور كبير للجيش خلال المرحلة المقبلة، حيث قال مصدر في القوات المسلحة السودانية، إن البشير عقد اجتماعا طارئ مع قيادة الجيش لدراسة الأوضاع، امتدادا لاجتماع أول من أمس مع الأطراف نفسها. ويبقى الحسم في الأزمة بأن يقول الجيش كلمته، وثمة تسريبات عن ضغوط يمارسها صغار الضباط على كبار القادة المرتبطين بالبشير، تذكر بما جرى بانتفاضة 6 أبريل 1985، حيث أعلن القائد العام للجيش الفريق عبد الرحمن سوار الذهب وتحت ضغط العسكر، انحياز الجيش للشعب وإنهاء حقبة الرئيس جعفر نميري، بعد أن التزم الجيش الحياد طيلة أيام التظاهرات. وقالت مصادر نافذة قريبة من البشير أنه بات أقرب لتنفيذ الخطة «باء» المتعلقة بتسليم السلطة إلى الجيش، بعد الاتفاق على ضمانات محددة تتصل بالوضع في البلاد وأخرى تتصل بملف المحكمة الجنائية الدولية. وفي تطور آخر، وجه البشير لجنة متابعة «الأزمة» التي شكّلها عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية، بجمع كل المبادرات المطروحة للحل وتصنيفها والتعامل معها «إيجاباً» لصناعة التحول في المستقبل. وقالت نقيبة الأطباء السودانيين في بريطانيا سارة عبد الجليل، المتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين، رأس حربة حركة الاحتجاج ضد الحكومة السودانية منذ أربعة أشهر، أول من أمس، «الثورة تنتصر». خطة الأمن وتحاول عناصر تابعة للأمن منذ انطلاق موكب انتفاضة 6 أبريل الجاري بلا جدوى عزل المحتجين عن واجهة القيادة العامة للجيش. وبإيعاز من رتب رفيعة بث الجيش عبر مكبرات الصوت، نداءات لفض الاعتصام وفقا لقانون الطوارئ، وسط إصرار المحتجين على البقاء. وكسب الاعتصام زخمه مجددا بتدفق المزيد من المحتجين إلى شارع قيادة الجيش، ورغم إغلاق قوات من الشرطة والأمن عددا من الجسور الواصلة بين الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، فإن المئات عبروها راجلين. وتحول مكان الاعتصام إلى ما يشبه المزار، حيث أقام المتظاهرون خياما لتقديم الخدمات، ما يشير إلى نيتهم مواصلة الاعتصام المفتوح إلى حين تلبية مطالبهم. حماية عسكرية ذكر شهود أن عناصر من شرطة مكافحة الشغب وقوات الأمن انطلقت بشاحنات صغيرة وهم يطلقون الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق المحتجين الذين يقدر عددهم بنحو ثلاثة آلاف رجل وامرأة، لكن الجنود المكلفين بحراسة مجمع الوزارة خرجوا لحماية المتظاهرين وأطلقوا رصاصات تحذيرية في الهواء، فانسحبت قوات الأمن دون رد وتم نشر جنود حول المنطقة، وردد المحتجون هتاف «الجيش حامينا» و«شعب واحد.. جيش واحد». في المقابل، كذب وزير الإعلام حسن إسماعيل، المتحدث باسم الحكومة، هذه التقارير، قائلاً «تم تفريغ التجمهر أمام القيادة العامة تماما وبصورة لم تخلف خسائر في جميع الأطراف»، مضيفاً ان «الأجهزة الأمنية متماسكة وتعمل بطاقة إيجابية وتناسق تام». في المقابل، قال تجمع المهنيين السودانيين المعارض، أمس، إن «وحدات وطنية من القوات المسلحة قامت بحماية المتظاهرين المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم». مقتل عسكري وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية في بيان، أمس، عن مقتل اثنين (مدني وعسكري) في احتجاجات الخرطوم. وأوضحت اللجنة أن سامي شيخ الدين من منسوبي القوات المسلحة توفي متأثراً بجراحه «أثناء محاولته الدفاع عن المعتصمين بعد تبادل لإطلاق النار مع قوات أمنية»، كما «توفي المواطن إبراهيم عثمان (55 عاماً) متأثراً بجراحه نتيجة لتعرضه للضرب والتعذيب من قبل الأمن».
مشاركة :