يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت نظام استقبال الضيوف سواء على المستوى العائلي الشخصي أو على مستوى الوفود وكبار الشخصيات، وكيف يتبارون في وضع المراسم والخطوات التي تبدي أعلى مراحل الاستقبال سواء الشعبي منها أو لكبار الشخصيات، وكذلك طبيعة ومستوى إكرام الضيف وكلاً حسب مستواه وطبيعة العلاقة معهم. ويبدأ إتيكيت الاستقبال وإكرام الضيف من قبل الاستقبال أو الوصول وذلك بإرسال جدول الزيارة بالتفصيل حتى في بعض المدارس الأوربية يسأل الضيف عن ما الذي يحب وما الذي يكره سواء في الأكل أو الزيارات رغبة منهم في إكرام الضيف والوصول إلى خدمة سبعة نجوم بالضيافة وليس فقط الأكل حيث ترى الابتسامة وحلاوة الروح والبشاشة ورحابة الصدر التي تميزت بها المدارس الدبلوماسية ويتفاخرون بأنهم هم من الأوائل في هذا المجال. إنّ القرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإن بروتوكول وإتيكيت استقبال وإكرام الضيف استخدمها القرآن في كثير من المواضع ونحن أهل هذا الكرم وأساس إتيكيت استقبال وإكرام الضيف وكان رسولنا الكريم -صلّى الله عليه وسلم- يحث على هذا النسق الراقي في الحياة. وأول هذه القواعد وكما عرفنا عند المدارس الدبلوماسية أن يكون الضيف دائما على جهة اليمين سواء في المسير أو الجلوس بينما هذه القاعدة عندنا منذ آلآف السنيين، قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، .. وفي حديث آخر وقصة واقعية يعطينا الرسول الكريم درساً تعتمده المدارس الغربية في إتيكيت الجهة اليمنى وضيافة الشخص حدثنا أنس: شَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وِجَاهَهُ عَنْ يَسَارِهِ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شُرْبِهِ، قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ، يُرِيهِ إِيَّاهُ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ، وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ ، لكون الضيف كان يقف على الجهة اليمنى وإكراما له. وفي القرآن الكريم بأن إكرام الضيف من سمات الأخلاق الإسلامية العالية التي أكد عليها في عدة مواضع وورد في كثير من الآيات الكريمة قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم الْمُكْرَمِينَ “24 الذاريات” وجاء بصفة التكريم للضيف والاعتناء به بأعلى درجات الإتيكيت من احترام وتقدير وقال تعالى: “فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ” {26}الذاريات. وهو من واجبات إكرام الضيف وتهيئة ما يليق به من أكل ومشرب ومكان وكل ماهو يفرح ويسعد الضيف، وحتى أن المضيف قبل أن يبدأ بالطعام يدعو جميع الحضور بالبدأ بالأكل كجزء من حسن الأخلاق بعد أن أذنوا له بالأكل قال تعالى:{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ {27} الذرايات حيث كان المدرسة الإسلامية ورسولنا الكريم يطبق هذه القاعدة قبل آلآف السنين والآن نراها تدرس في المدارس الدبلوماسية على مختلف أنواعها، يجب أن يبدأ به الضيف أولاً والبقية على شرف الحضور.. قال تعالى: “وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ” الأحزاب: 53. وهو درس إلهي للجميع من الآية توجه الضيف بأن لا يطيل الجلوس بعد الطعام لأن كثير من الدعوات يبقى الضيوف بعد وجبات الأكل الى ساعات طويلة وهذا مما يزعج المضيف فقد يكون ملتزماً بنشاط آخر أو مريض أو لديه أطفال “فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا”. وفي إكرام الضيف مهما يكن من منزلة اجتماعية كبيرة أو صغيرة مهمة أو غير مهمة قال تعالى: “وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ” يوسف 21، وهو واجب إجباري في إكرام الضيف دون النظر إلى المستوى الاجتماعي، وعلى المضيف أن يجود بكل ما عنده في سبيل إكرام الضيف وقال تعالى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” الحشر: 9، وهذه الآية الكريمة نزلت بالأنصار عندما قام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، فانطلق به إلى رحلة، وقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:جودي بالأكل والشارب للضيف، نوّمي الصبية، وأطفئي المصباح، …رغم بساطتهم ففعلت فنـزلت الآية أعلاه وهي قمة الأخلاق الإسلامية وأعلى صفات الكرم واستقبال الضيف بهذا المثل الراقي. وفي المدرسة النبوية الشريفة في موضوع من آداب الاستقبال والتوديع كان رسولنا الكريم”إن من سنة الضيف أن يشيع إلى باب الدار” وهو ما تؤكد عليه المدارس الدبلوماسية في طبيعية الاستقبال والتوديع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا خير فيمن لا يضيف” حيث يعتبر الإكرام والاهتمام بالضيف من مكارم الأخلاق والضيافة؛ ليست بالأكل والأشربة فحسب، وأنما بكل مفردات الضيافة من حسن الترحيب والاهتمام فيه لحين المغادرة، أما صفة الوقوف للضيف فكانت السيرة النبوية ثرية بهذه الصفة وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة عندما دخلت عليه وهي ابنته، وقامت له رضي الله عنها عندما دخل بيتها، وقام الصحابة رضي الله عنهم عندما دخل عليهم رسولنا الكريم، وقد نبهه الإسلام بعدم القدوم أو الزيارة دون إعلام صاحب الدار وصاحب الشأن. ولا ينبغي أن يفاجئ أهل البيت، بل يخبرهم قدر الإمكان بعزمه على زيارتهم، ووقت الزيارة والغرض منها، وإن أمكن مدة المكوث، حتى يصلحوا من حالهم في أنفسهم وفي بيوتهم، ويستعدوا لاستقباله. ومن مكارم الاخلاق في الدعوة الإسلامية على الضيف أن لايسال عن نوع وطبيعة الأكل وأن يجلس بالمكان الذي يخبره المضيف ولا ينتقد الطعام أو المكان أو ملابس الضيوف ويستهزئ في أمور الحديث، ولا يناقش في أمور تجلب الحساسية سواء في “السياسية أو الدين” ولا يطيل في الجلوس بعد الدعوة ولا يجلب معه أشخاص دون دعوة فيسبب إحراج للمضيف. وفي الختام وعن الإمام علي قال: “لأن أجمع إخوان على صالح طعام أحب إلي من أن أعتق رقبة”. وهذه هي مدرسة الرسول الكريم وآل بيته الكرام وصالح الطعام ليس بالكثرة والتنوع الكثير وإنما بما يجود به الشخص.
مشاركة :