مارلين سلوم الأبطال الخارقون يغزون الشاشة، وأفلام «الأكشن» تكسب الرهان في الغالب، ورغم إقبال الجمهور على هذين النوعين في الصالات، إلا أنه يتوق أيضاً إلى «الرومانسية»، ويقبل عليها بشدة، خصوصاً إذا توجه الفيلم إلى المراهقين، وعالج قضية واقعية، يمكن تصديقها والتعاطف مع أبطالها سريعاً. «فايف فيت أبارت» أو «على بعد خمسة أقدام» فيلم يحبه الجمهور، ويتعلق به؛ رغم مسحة الحزن فيه، والتي تذكرنا بأشهر أفلام الرومانسية في تاريخ السينما. أن ينافس فيلم شبابي رومانسي على شباك التذاكر، ويحتل المركز الثالث في قائمة الإيرادات التي يتصدرها أحد أفلام الأبطال الخارقين «كابتن مارفل» (إنتاج «مارفل»، والت ديزني)؛ وفي ظل وجود «شازام» الكوميدي (إنتاج «دي سي»، ورنر بروس) في الصالات، فهذا نجاح يدل على رغبة الجمهور -لاسيما الشباب والمراهقين- في الهروب من العنف والحركة والأكشن إلى أعمال هادئة، تحرك مشاعرهم وتحاكي واقعهم، مع تضمنها بعض العِبَر والفلسفة التي يمكن تطبيقها في الحياة. «على بعد خمسة أقدام» أو يمكن اعتبارها «خمس خطوات»، فيلم بسيط، هادئ، يأخذك في ساعة و56 دقيقة إلى عمق المشاعر الإنسانية؛ حيث يصير «التنفس» نعمة لا تقدّر بثمن، ولمس الآخر أو مجرد مصافحته نعمة أيضاً، قد يجد المرء نفسه محروماً منها طول العمر! القصة تشبه قصصاً قرأناها أو شاهدناها سينمائياً، عن حالات مرضية يعانيها مراهقون أو حتى الكبار، تتخطى كونها أزمة صحية، لتدخل في إطار «أزمة وجود» ومعنى البقاء على قيد الحياة، والنظرة الفلسفية للموت والغياب.. أمراض نقص المناعة أو السرطان أو الإصابة بالوباء الكبدي والأمراض المعدية.. تتحول إلى قصص رومانسية، شاهدناها مثلاً في فيلم «حظنا سيء» الذي لاقى رواجاً قبل نحو خمسة أعوام، ونرجع إلى الوراء نحو خمسين عاماً، لنجد فيلم «قصة حب» الذي شكل علامة فارقة في السينما العالمية؛ ولا يمكن حصر عدد الأفلام التي يصبح لقاء البطلين فيها «ممنوعاً» أو مستحيلاً، مثل قصة روميو وجوليات إنما بطريقة مختلفة، والموانع فيها صحية لا ثأرية اجتماعية. ميكي دوتري وتوبياس إياكونيس نجحا في كتابة «على بعد خمسة أقدام» بشكل جديد، حملّا القصة أبعاداً فلسفية جميلة ومهمة. ستيلا فتاة مراهقة، تعاني تليّفاً في رئتيها، وإذا لم تجد من يتبرع لها برئتين سليمتين، لن تعيش طويلاً. هي شبه مقيمة في مستشفى متخصص، تأقلمت مع الحياة فيه؛ بل صارت تجهز «عربة الأدوية» الخاصة بها، وتفهم كل التفاصيل المتعلقة بحالتها، وتساعد المرضى والممرضات، وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي لها متابعون كثر، تصور لهم حياتها داخل المستشفى، وتشرح تطورات الحالة، وتقدم أيضاً معلومات عن الأمراض التي تصيب الآخرين في نفس المستشفى. ستيلا جميلة ومهووسة بالنظام والدقة ومفعمة بالأمل؛ رغم كل المآسي المحيطة بها. أدتها الجميلة هالي لو ريتشاردسون بعفوية وإحساس يصدقه الجمهور ويتفاعل معه سريعاً. تصادف في المستشفى مريضاً جديداً، تنشأ بينهما علاقة تبدأ بصراع ثم تصل إلى تفاهم وحب «لكنه مستحيل». هذا الشاب هو «ويل» يؤديه النجم ذو الشعبية بين المشاهدين الشباب والمراهقين كول سبراوس. ويل مصاب بما هو أخطر، «بي سبيسيا» والذي يفرض عليه الابتعاد عن الناس خصوصاً المرضى في المستشفى، مسافة لا تقل عن ستة أقدام، خوفاً من إصابتهم بالعدوى. عرف المخرج جاستن بالدوني، اختيار البطلين ويبدو الانسجام بينهما واضحاً ومؤثراً على العمل. كما ركز على التفاصيل الصغيرة التي تؤجج مشاعر المشاهدين، لا سيما وأن التصوير في غالبيته؛ بل يكاد يكون بكامله، داخلي، ومحصور بين غرف المستشفى والردهة، وغرفة الاستراحة أو الاستقبال؛ لذلك لم يتطلب العمل مبالغ ضخمة للإنتاج؛ لكنه اعتمد على الصورة الرومانسية والواقعية، موهبة الممثلين والأداء الجيد والمقنع، السلاسة في الحوار والسيناريو، والعبارات التي تحفر أثراً في نفس المشاهد، وتجبره على التفكير في المرضى المحرومين من العيش بشكل طبيعي، وكبت مشاعرهم، والالتزام بتعليمات الأطباء وكأنهم يحيون داخل غرف معزولة يتفرجون على الحياة والعالم من خلف الزجاج. من العبارات الجميلة والمؤثرة التي قالتها ستيلا، حين قررت التمرد على المرض والتعليمات، وبعد المجازفة بكسر القواعد وجعل «الستة أقدام» خمسة فقط لتقترب أكثر من ويل: «كل هذا الوقت كنت أعيش من أجل العلاج، بدل أن آخذ العلاج من أجل أن أعيش». الشخصية الثالثة المرافقة للبطلين والتي لعبت دوراً في الأحداث، «بو» (موزيس أرياس) صديق ستيلا منذ الطفولة، والمصاب أيضاً بمرض في التنفس. وهذه الشخصية أرادها الكاتبان «مثلية» تماشياً مع الموجة المفروضة علينا سينمائياً الآن؛ إذ لا بد أن يكون في كل عمل شخصية من هذه الفئة، تتحدث عن نفسها بوضوح ولم يعد للحوار «المبطن» ولا للرموز والإسقاطات أي مكان على الشاشة الكبيرة. الفيلم جيد، غني بمعانيه والرسالة التي يحملها إلى كل إنسان، وليس فقط لمن يعانون أمراضاً رئوية صعبة. ولا يمكن مقارنته بأي من أفلام الرومانسية الشهيرة التي اعتبرت علامة فارقة في تاريخ السينما العالمية، لأسباب كثيرة أولها الإنتاج، واعتماده على السهل الممتنع في الإخراج والحبكة، واعتمدت شركتا الإنتاج: «سي بي إس» و«واي فارير» ميزانية متواضعة له، لم تتجاوز 7 ملايين دولار (وقد حقق إيرادات جيدة عالمياً تجاوزت 54 مليوناً)، بينما بلغت مثلاً ميزانية «لاف ستوري» (قصة حب) في ذلك الوقت 1970 مليونين و200 ألف (إيرادات أكثر من 136 مليوناً)، ثم جاء «تايتنك» 1997 والذي اعتبر هو الآخر محطة مهمة في السينما الرومانسية، بميزانية 200 مليون دولار وإيرادات فاقت المليارين! marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :