«واحة الديمقراطية» تكشف زيفها

  • 4/13/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، هي التي عملت جاهدة طوال العقود السبعة الماضية، أكثر من غيرها من الدول، على تسويق المقولة الزائفة التي تدعي أن «إسرائيل» هي التي تمثل «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، رغم كل ما أنتجته وتسببت فيه من كوارث بشرية حلت بشعوب المنطقة بسبب الحروب التي أشعلتها بهدف التوسع وسرقة أراضي الغير بالقوة، وبدعم مباشر من تلك الدول ذاتها، هذه الدول هي المعنية قبل ومن دون غيرها بقراءة وشرح معاني ومغزى التصريحات المتتالية التي تصدر عن القادة «الإسرائيليين» وتحديدا التصريح الأخير لرئيس وزراء الكيان الصهيوني الذي قال فيه بعبارة لا تقبل التأويل أو التمويه خلال جلسة حكومية بأن «الدولة، وهو يعني «إسرائيل»، تحترم الحقوق الشخصية لجميع مواطنيها اليهود وغير اليهود، ولكنها كدولة قومية، ليست لجميع مواطنيها، وإنما فقط للشعب اليهودي». مر تصريح رئيس الوزراء «الإسرائيلي» من دون أن يطرق آذان أي مسؤول من مسؤولي هذه الدول، رغم كل ما يحمله من تمييز ديني وعرقي يتعارض كليا مع المبادئ التي تقوم عليها الدول الديمقراطية، بل ويتصادم مع المبادئ التي تسير عليها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي لا تؤمن، من حيث المبدأ، بأي تمييز بين مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية، ففي الدول المتعددة الأعراق والأديان والتي تؤمن بالمبادئ الإنسانية، في العدالة والمساواة، وتصر على أنها تمارس الديمقراطية في علاقاتها مع جميع مواطنيها، في مثل هذه الدول لا يمكن تحت أي حجة أو عذر كان، أن تكون هناك درجات متفاوتة في الحقوق بين المواطنين. مثل هذه التصريحات البغيضة والكريهة والعنصرية التي صدرت عن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» وهي بالمناسبة ليست الأولى التي تصدر عن مسؤول «إسرائيلي» كبير، كان يفترض أن تواجه بالنقد الحاد والصارم من قبل قادة أمريكا والدول الأوروبية الديمقراطية، لأن اتباع مثل هذه السياسة في التعامل مع مواطني الدولة الواحدة يؤكد بما لا يدع أي مجال للتأويل أو الشك الممارسة العنصرية للقائمين على تسيير شؤون هذه الدولة، بل ويضعها في خانة الدول العنصرية التي يفترض ألا تحظى بأي قبول في المجتمع الدولي، وخاصة لدى الدول التي طالما تغنت وعملت على ترويج مبادئ الديمقراطية والمساواة، ومن شأن سياسة كهذه أن تؤسس لنشوء واستفحال النزعات العنصرية والكراهية بين مختلف الاثنيات العرقية والدينية. رئيس وزراء «إسرائيل» بتصريحه الأخير، ينزع حقوق المواطنة عن أتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون كمواطنين في «إسرائيل»، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين أم غيرهم، وبالتالي فإن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» يشرع ويدعو صراحة إلى عدم المساواة مع «مواطنين» يحملون نفس الجنسية ويخضعون لنفس القوانين التي تسير عليها «الدولة»، وهو بذلك يصادر حقوق المواطنة عن مواطني «واحة الديمقراطية»، مع ذلك لم يستفز مثل هذا التصريح وهذا الموقف العنصري، أيا من المسؤولين في الدول التي روجت لأكذوبة هذه «الواحة»، وسوقتها على أنها امتداد لواحات الديمقراطية التي تغطي مبادئها جميع أنحاء القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. «إسرائيل» وعلى ألسن قادتها، ومن خلال ممارساتها أيضا، لا تخفي طبيعتها العنصرية البغيضة، وأن محاولة إخفاء والتستر على هذه الصفة القبيحة بالقول بأنها «دولة للشعب اليهودي»، فإن ذلك لا يعدو كونه أكذوبة على غرار أكذوبة «واحة الديمقراطية»، فالدولة التي تقسم وتجزئ حقوق مواطنيها على أسس عرقية أو دينية، هي في النهاية دولة عنصرية، لا يجب أن يكون لها مكان وسط عالم يتجه نحو محاربة وإزالة كل أشكال التمييز العنصري، عرقيا كان أم دينيا، حيث وصلت العقول المستنيرة في المجتمع الدولي إلى قناعة مطلقة بأن مثل هذا التمييز يعد واحدا من أهم الأسباب التي تهدد مستقبل البشرية؛ نظرا إلى ما تسببه من صراعات دموية بين أتباع مختلف المكونات العرقية أو الدينية. لا يخفى على أحد أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بصفتهما القوتين العالميتين اللتين مكنتا «إسرائيل» من التغول العسكري والسياسي في المنطقة من خلال الدعم السخي في كل الميادين خلال العقود التي أعقبت إنشاء «إسرائيل» عام 1948 وطرد الشعب الفلسطيني من دياره إلى الشتات، هذه الدول تعرف أكثر من غيرها أن «إسرائيل» تمارس تمييزا عنصريا، دينيا بالدرجة الأولى عندما تعتبر اليهود، أي أتباع الديانة، أحق من غيرهم في التمتع بكل حقوق المواطنة، وهي الممارسة التي تمقتها جميع الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتجرمها القوانين المعمول بها في هذه الدول. «إسرائيل» وعلى مدى العقود السبعة منذ قيامها على أرض فلسطين التاريخية لم تتخل عن ممارساتها العنصرية والقمعية ضد الشعب الفلسطيني، وكانت تحاول إخفاء ذلك من خلال تصوير نفسها على أنها ضحية محيط «معاد» لليهود وقد استطاعت الدعاية الصهيونية المدعومة من أباطرة الإعلام في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية أن تخترق عقوق شرائح واسعة من مجتمعات هذه الدول وشكلت مجموعات دعم مكنتها من الإمساك بعصب اتخاذ القرارات في الكثير من هذه الدول، هذه المكاسب السياسية الكبيرة وضعت «إسرائيل» خارج دائرة المساءلة القانونية والسياسية على الجرائم التي ترتكبها بحق أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى، للدرجة التي لم يتردد فيها رئيس وزرائها عن البوح علنا والتشدق بالنزعة العنصرية التي تؤمن بها وتمارسها قيادات «إسرائيل».

مشاركة :