تمكنت المعارضة السودانية أخيرا من إملاء مطالبها على السلطة، وبعد الكثير من الانقسامات والاختلافات التي أضعفتها على مدار ثلاثة عقود أمام حكم عمر البشير تشكلت كتلة قوية من ثلاثة أطراف واستطاعت أن تطيح برأس الدولة. وأدى إسقاط البشير إلى تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لمدة عامين، لكن قادة الاحتجاجات في السودان يطالبون اليوم بحل المجلس العسكري الجديد وتشكيل حكومة مدنية رافضين فض الاعتصام المستمر منذ عشرة أيام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم. وخلال مشاركته الثلاثاء في الاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلحة في الخرطوم قال المتظاهر أحمد نجدي إن “الجيش سيحاول مجددا تفريق المحتجين لأنه تحت الضغط، لكننا لا ننوي المغادرة (…) قد تكون معركة طويلة، لكن علينا أن نناضل من أجل حقوقنا”. والإثنين، طالب تجمّع المهنيين السودانيين الذي ينظّم الحركة الاحتجاجية منذ أشهر، ولأول مرة، بحل المجلس العسكري الانتقالي واستبداله بمجلس مدني يضم ممثلين عن الجيش. وقد ربط التجمع مشاركته في أي حكومة انتقالية مقبلة بتحقيق هذا المطلب. وصعّد التجمّع موقفه الاثنين بعد أن ندد بمحاولة لفض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلّحة والمستمر منذ 6 أبريل، من دون تحديد الجهة التي تريد تفريق المتظاهرين. والثلاثاء لبى الآلاف من المتظاهرين دعوة التجمّع إلى حماية “الثورة”، وقد تدفّقوا إلى محيط مقر القيادة العامة العسكرية مؤكدين أن خلع الجيش للرئيس البشير ووعود المجلس العسكري بتشكيل حكومة مدنية من دون تحديد أي جدول زمني لذلك، غير كافِيَيْن. ضغوط دولية هدد الاتحاد الأفريقي الذي يضم 55 عضوا بتعليق عضوية السودان في حال لم يسلم المجلس العسكري السلطة للمدنيين في غضون 15 يوما مؤكدا أن “قيادة الجيش للمرحلة الانتقالية تتناقض تماما مع تطلعات الشعب السوداني”. كذلك دعت عدة دول غربية السلطات السودانية إلى عدم اللجوء إلى العنف لتفريق المتظاهرين. وقتل 65 شخصا على الأقل منذ بدء التظاهرات، بحسب حصيلة رسمية. وبعد أن حصل تقارب في الأيام الأخيرة بين الجيش والمتظاهرين الذين دعوا العسكر إلى الانحياز للثورة من أجل الإطاحة بالبشير، عادت العلاقات بين الجانبين لتشهد توترا. ورفعت لافتة على جدران مقر القيادة العامة للقوات المسلّحة تدعو المتظاهرين إلى “عدم الاقتراب”. وعلى تويتر كتب السفير البريطاني لدى الخرطوم عرفان صدّيق إثر لقائه نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو أن بريطانيا تدعو إلى “عدم استخدام العنف وعدم محاولة فض الاعتصام بالقوة”. شخصية مثيرة للجدل يعد نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي” شخصية مثيرة للجدل، وتلاحقه اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في دارفور. لكن عددا من المتظاهرين يرفعون صوره ويؤكدون أنه يقف حاليا إلى جانب الشعب. والجمعة، تعهد رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق الركن عبدالفتاح البرهان بـ”اجتثاث” نظام الرئيس السابق عمر البشير، إلا أنه لا يزال محاطا بعدد من وجوه “الحرس القديم” للنظام. وأكّد المجلس العسكري الانتقالي أن القوات السودانية المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده الرياض ضدّ المتمرّدين الحوثيين في اليمن “ستبقى حتى يحقّق التحالف أهدافه”. رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق الركن عبدالفتاح البرهان تعهد بـ"اجتثاث" نظام البشير، إلا أنه لا يزال محاطا بعدد من وجوه "الحرس القديم" للنظام وكانت السعودية أعلنت السبت “تأييدها” للإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي في السودان، مشيرة إلى أنّها ستقّدم لهذا البلد، بتوجيهات من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، “حزمة من المساعدات الإنسانية تشمل المشتقّات البترولية والقمح والأدوية”. وطالبت منظمة العفو الدولية السبت الجيش بتسليم الرئيس المخلوع إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت في عام 2009 مذكرة توقيف بحق البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ثم أضافت في 2010 تهمة “عمليات إبادة”، وأصدرت مذكرة توقيف أخرى. وبعد أن أكد المجلس العسكري الجمعة أنه لن يسلم البشير، أعلن الاثنين على لسان الفريق جلال الدين شيخ أن “قرار تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية أمر يُتخذ من قبل حكومة شعبية منتخبة وليس من قبل المجلس العسكري الانتقالي”. وخلّفت الحرب الدائرة في إقليم دارفور والتي تراجعت حدّتها في السنوات الأخيرة أكثر من 300 ألف قتيل و2.5 مليون مشرّد، وفقا للأمم المتّحدة.
مشاركة :