أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البلدية التي جرت في تركيا في 31 مارس الماضي، فشل مرشحي حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، في الفوز بمقعد عمدة أكبر مدينتين في تركيا (إسطنبول وأنقرة)، في حين فاز مرشحو حزب الشعب الجمهوري CHP، حزب مصطفى كمال أتاتورك. كما أظهرت النتائج ظهور معارضة قوية لسيطرة أردوغان، نظامه السياسي على مدار الـ15 عامًا الماضية، بحسب ما خلصت إليه دراسة تحليلية للباحث نيكولاس كونوموس، نشرت في موقع المعهد الأسترالي للشؤون الدولية AIIA. فشل أساليب أردوغان المعتادة ففي قراءة لتلك النتائج، استخلص التقرير أن استراتيجية أردوغان المعتادة المتمثلة في التمسك بالدين والقومية التركية فشلت في تأمين فوز انتخابي ساحق لحزبه لا سيما في المدن الكبرى، بعد آثار الركود الاقتصادي المتنامي على الناخبين. كما أظهرت نتائج الانتخابات انقسامًا بين الدعم الحضري التقدمي والدعم الريفي المحافظ للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، رغم أن حزب العدالة والتنمية لا يزال الحزب الأكثر شعبية في تركيا. استغلال للدم وخصوم وهميون ويبدو أن استغلال أردوغان للهجوم الإرهابي الذي وقع في نيوزيلندا، ومحاولة خلق أعداء وهميين لم تنفعه أيضاً. فقد أشار التقرير الأسترالي إلى أن الحملة الانتخابية لأردوغان شهدت العديد من التعليقات المسيئة، التي وجهها الرئيس التركي على شكل تهديدات للأستراليين والنيوزلنديين بعد هجوم مسجد كرايست تشيرش، في أحدث مثال ضمن سلسلة طويلة من التصريحات الاستفزازية، التي قصد بها الرئيس التركي توحيد مؤيديه ضد "أعداء مفتعلين" أو وهميين. ففي عرضه لهجوم كرايست تشيرش خلال التجمعات الانتخابية، عزم أردوغان على تقديم نفسه كحام للأتراك والمسلمين ضد القوى الغربية التي تهدف إلى إضعاف تركيا، "مثلما فعلت مع الإمبراطورية العثمانية" بحسب تعبيره. كما لم تنفع بطبيعة الحال محاولة تقويض "الإرث الأتاتوركي". فعلى الرغم من أن صعود أردوغان إلى السلطة تميز بمحاولة زعزعة الأسس العلمانية لتركيا الحديثة، واستبدالها بنظام ديني محافظ قديم، حيث حاول الرئيس التركي تقويض دعائم تركيا التقدمية والحديثة، التي تخيلها أتاتورك، ساعياً إلى تنصيب نفسه مكان "أب تركيا الحديثة"، إلا أن سحره انقلب على الساحر على ما يبدو. إلى ذلك، يعتبر التقرير التحليلي أن حنين أردوغان إلى الإمبراطورية العثمانية، ودولة الخلافة، استدعى منه إعلان تركيا زعيما شرعيا للأمة الإسلامية. ولتحقيق هذه الغاية، شرعت أنقرة في تمويل بناء المساجد في جميع أنحاء العالم، لتوسيع نطاق النفوذ التركي عبر الدين. كما ازداد بناء المساجد محلياً، مما شكل تحديا للعلمانية التركية، وتغييرا لهوية الأحياء المختلفة. 3 ركائز لشعبية أردوغان ويشير التقرير إلى أن شعبية أردوغان بنيت على 3 ركائز للسياسة الداخلية، هي الإدارة الفعالة للاقتصاد، ومشاريع البنية التحتية واسعة النطاق والتوجه الإسلامي المحافظ. ولقد أدرك أهمية كل من هذه الأعمدة في الحفاظ على شعبيته وتوسيع قوته. كما أدرك أنه إذا استمر اقتصاد تركيا في النمو، وشعر المواطنون بأن مستويات معيشتهم تتحسن، فسيظلون سعداء بقيادته، ويمسكون به "حاكماً". الانقلاب والقمع لكن انقلاب عام 2016، قلب المشهد رأساً على عقب. فعقب هذا الانقلاب قام بقمع المعارضة السياسية والاجتماعية، وعمد إلى طرد أي شخص مرتبط بحركة فتح الله غولن الإسلامية من الوظائف الحكومية والخدمة العامة والجيش؛ وكذلك الصحفيين والعاملين في المنظمات غير الحكومية ورجال القضاء. وعلى الرغم من أن هذه التدابير قد أثرت على شعبيته الواسعة، إلا أنها لم تمنعه من تكديس السلطات الرئاسية الموسعة في الاستفتاء الدستوري لعام 2017 بين يديه، وإعادة حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة في ائتلاف مع حزب الحركة الوطنية MHP في الانتخابات العامة لعام 2018. عندها أتت الانتخابات، وجرت رياحها بعكس سفن أردوغان!
مشاركة :