علاء الدين: الرواية تتوسل بالجمال والمتعة لاستدراج القارئ

  • 4/18/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

استطاع الأديب المصري وليد علاء الدين أن يجذب القارئ العربي إلى عالمه الإبداعي عبر أعمال حققت قبولاً وانتشاراً واسعاً، وتنوعت بين الرواية والشعر والمسرح، لكن تبقى روايتاه "ابن القبطية" و"كيميا" أبرز ما أنجز حتى الآن، واحتفى بهما النقاد لما تميزتا به من طرح جديد على مستوى الشكل والمضمون. "الجريدة" التقت علاء الدين في حوار حول تجربته مع الكتابة الإبداعية. ● "كيميا" هل تعتبر رواية تأريخية ترد على ما ورد من أساطير في أعمال قدَّست جلال الدين الرومي وكُتِبت من وحي ما دوَّنه مريدوه فقط؟ - الروائي ليس كاتب تاريخ، ولا يوجد في الرواية - بوصفها أدباً- ما يمكن تسميته "رواية تاريخية"، إلا من باب الاستسهال؛ فالأدب فن قائم على التخييل، والرواية لعبة سردية تتوسل بالجمال والمتعة لاستدراج القارئ إلى عالمها. صحيح أن الهدف في النهاية تواصليّ، أي أن لدى الكاتب ما يود توصيله للقارئ من رؤى وأفكار ومعلومات أو حتى منهج تفكير في الكون وكائناته، لكنه تواصل فني، غير مباشر، أساسه وجوهره التخييل. يصبح التخييل تزييفاً حين نمارسه على مادة منضبطة بمناهج بحث علمية، كالتاريخ. وإن تخلينا عن التخييل مكتفين بسرد التاريخ وفق مصادره فقد ابتعدنا عن ملعب الفن والأدب. يجوز لنا استعمال التاريخ في الرواية بالطبع، لكن لا يجوز أن نظل متشبثين بأنه تاريخ، وأن نمنح الرواية وصف "تاريخية". لنا أن نناقش الأفكار وأن نتسلل بين الفجوات لنطرح احتمالات جديدة، أو نعيد ترتيب المعطيات التاريخية من أجل طرح تصور مختلف. الرومي في رواية "كيميا" ليس شخصية تاريخية، إنما هو صورة ذهنية رائجة، مصنوعة بانتقائية شديدة من مختارات مجتزأة من تراث أدبي ذي مسحة دينية (معظمه شعر) أنتجته شخصية تاريخية عاشت قبل ثمانية قرون. هذه الصورة الذهنية حاضرة ومؤثرة، لذا فإنها ليست تاريخاً، والنص الشعري موجود ومتداول وإن شاع منه ما يخدم فقط تلك الصورة المرغوبة. والعودة للتاريخ كانت من أجل مناقشة هذه الصورة ودعوة القارئ لإعادة التفكير في تفاصيلها في ضوء معطيات أخرى منها ما هو تاريخي (حكاية الفتاة كيميا، وكل ما يتعلق بحياة الرومي وشمس والعصر الذي عاشا فيه) ومعطيات أخرى أعتبرها راهنة وإن كان إنتاجها قبل ثمانية قرون، وهي مجمل تراث الرومي، والذي يتضمن الكثير من التناقضات مع الصورة الشائعة عنه... كل هذا داخل لعبة من الحلم والتخييل والفانتازيا، إنها وسيلتي لدعوة القارئ للتفكير في صورة الرومي خصوصاً، وعلى وجه العموم في كل ما يصنعه الآخرون من صور ذهنية ويطلبون منا الاستسلام لها والتسليم بها. ● بالتأكيد مقالاتك الصحافية تعكس فكرك وأسلوبك... لكن ماذا أفادتك الصحافة على مستوى تقنية الكتابة الإبداعية؟ - الصحافة فن تواصلي، والأدب كذلك، المهارات في الحقلين تقريباً واحدة، الفارق أن الأولى مهنة والأخيرة لعبة. في المهنة تستخدم خيالك بشكل منضبط لدعم مهاراتك في إيصال المعلومة أو الخبر بأقل قدر من التحيز، ومن دون إخلال بحق القارئ في الإحاطة بالوقائع والمعلومات والأشخاص والأخبار وتفاصيل القصص، وربما تربط الخبر بمحيطه وتاريخه وقد تفكر مع القارئ - أو لأجله - في بعض الاحتمالات. في الأدب أو الكتابة الإبداعية، تستخدم كل المعطيات السابقة: الوقائع، والمعلومات والأشخاص والأخبار والتفاصيل... إلخ، لصنع عالم خيالي وضبط لعبة سردية تواصلية استعراضية، تتوسل بالجمال وتغازل القارئ بوعد المتعة من أجل إقامة حوار معه، أياً كان هدفك من ذلك: أن تسرب لوعيه معرفة، أن تلهمه منهج تفكير، أن تدعوه ليشاركك زاوية نظرك في قضية أو موقف، أو لمجرد تحقيق لذتك الشخصية في استعراض خيالك وأفكارك. ● يتنوع نشاطك الأدبي بين الشعر والقصة والمسرح والنقد... كيف أثرى هذا التنوع تجربتك، وأي هذه العوالم أقرب إليك أكثر؟ - أكرر دائماً أن الكتابة بالنسبة لي هي الامتداد المكتوب للتفكير، واحدة من التجليات المادية الصالحة للمشاركة لانشغال العقل بالتساؤلات. هي نوع من معالجة القلق وإعادة ترتيب المعطيات لتفكيك التساؤلات وتجزئتها وتوسيع مساحاتها من أجل إعادة تركيبها بشكل يسمح بالحديث عنها ومشاركتها مع الآخرين. لذلك لا أقف كثيراً أمام الأنواع أو الأجناس الأدبية، أرى الكتابة كياناً واحداً، كالموسيقى يمكنك – وفق مهارتك - استخدام آلاف الآلات وإصدار ملايين المؤلفات من سبعة نغمات أصلية، وليصنفها المصنفون بعد ذلك كيفما شاؤوا. ● هل يمكن القول إن روايتيك الأولى والثانية "ابن القبطية" و"كيميا" كرَّستا لهذه الفكرة؟ أقصد إذابة الحدود بين الأجناس الأدبية؟ - النقاد قالوا ذلك، وفي ظني أنها سمة مشتركة في كتابات هذا العصر. بصفة عامة، الأدب كائن حي، بمعنى أنه منتج إنساني يتطور بتطور الإنسان وأفكاره وذائقته، ولا يصلح مع الأدب منطق القياس على ما سبق وأن قعّد له النقاد، علينا أن نكتب وعلى النقاد أن يتابعوا ويصنفوا كما شاؤوا. ● حدثني عن تجربتك في مجلة "تراث" وإلى أي مدى أسهمت في تحقيق هدفك في المزج بين الإبداع والعمل الصحافي؟ - إدارة تحرير مجلة ثقافية عربية، أشبه بجلسة نقاش فكري مفتوح بحضور ممثلين لمعظم تجليات الفكر والثقافة، على اختلاف المرجعيات والمنطلقات والجغرافيات والانتماءات. وقد سمحت بيئة الحرية الفكرية التي أعمل فيها بأن يكون هذا الحوار ثرياً ودسماً... وأملي أن أكون ناجحاً في استثماره ونقل ما أستطيع من وهجه عبر أعداد المجلة إلى القارئ العربي. ● ما المشروع الأدبي الذي تعكف على إنجازه حالياً؟ - منذ أن انتبهتُ إلى أن الكتابة مشروع وليست وحياً أو إلهاماً، وأنا أعمل في عدة مشاريع متوازية، ربما كان أقربها للنشر نص مسرحي بالمصرية الفصحى عنوانه "وِشّي في وشّك" يعالج فكرة النقاب بوصفه ظاهرة معقدة وشديدة الحساسية في مجتمعاتنا. روايتان وديوانان وجائزتان وليد علاء الدين (46 عاماً) أديب مصري، ومدير تحرير مجلة "تراث" الإماراتية. صدرت له روايتان هما "ابن القبطية" و"كيميا". وديوانا شعر "تردني لغتي إلي"، و"تُفسّر أعضاءَها للوقت". وفي المسرح "العصفور" الحاصلة على جائزة الشارقة للإبداع العربي، و"72 ساعة عفو" الحاصلة على جائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي، و"مولانا المقدَّم". وله إصدارات في أدب الرحلة منها "خطوة باتساع الأزرق". وفي الدراسات الثقافية صدرت له ثلاثة أجزاء في سلسلة "واحد مصري" التي يناقش من خلالها واقع الحياة المصرية بأدوات التحليل الثقافي.

مشاركة :