وصف الكاتب والإعلامي وليد علاء الدين الرواية الأولى بأنها تدريب أول على معالجة القلق في صورة قابلة للتداول الجمالي، معتبراً القلق محركاً للكتابة باعتبارها محاولة لمعالجته في صيغة تتذرع بالجمالي لمشاركة هذا القلق مع آخرين، وهي مشاركة لا تعني الخلاص منه، بل توسيع رقعته وتنويع تساؤلاته. ضوء على موراكامي أفرد وليد علاء الدين مساحة من المحاضرة أو «اللقاء»، بحسب وصفه، لتسليط الضوء على تجربة الروائي هاروكي موراكامي، باعتبارها تجربة استمرار، استفاد منها في تجربته، مشيراً إلى أن موراكامي حدد شرطَ كتابة الرواية الأول في الموهبة، إلا أن المرء في الأساس يحار أمام معنى «الموهبة»، كما أنه لن يعرف إن كان موهوباً أو لا، إلا بعد التجربة، ثم تأتي بقية الشروط، وأهمها التركيز، والتدرب المستمر والمثابرة، مع هذه الشروط تبدو الأفكار والأشخاص والعبارات والخيالات وكأنها في انتظار إشارة الكاتب لتقفز على الصفحات البيضاء لتشكيل الرواية. وفي محاولته لمقاربة الإجابة عن سؤال: الرواية الأولى، كيف لا تكون الأخيرة؟ أوضح علاء الدين خلال المحاضرة التي نظمها مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، مساء أول من أمس، في مقره بالبطين، وقدمتها الإعلامية جنات بومنجل، أن البحث في موضوع السؤال ليس جديداً، إذ كان شاغلاً لكثير من المفكرين والفلاسفة عبر مراحل زمنية مختلفة، وتحت عناوين ومسميات متعددة، مثل التوقف عن الإبداع، وأرق الكتاب الأول، والاستمرارية، مشيراً إلى أن السؤال يصبح أكثر إلحاحاً كلما زاد نجاح الرواية الأولى واتسع تأثيرها وانتشارها. وأضاف صاحب رواية «ابن القبطية»: «ثمة جملة تتكرر كثيراً في العديد من الثقافات واللغات، إلى أن باتت تشبه الحقيقة، وهي أن الروائيين الكبار يكتبون رواية واحدة طوال حياتهم. (واحدة) هنا لا تعني بالطبع العدد (واحد) بالمعنى الكمي، أو أن كل روائي له رواية واحدة مهمة، لكنها تعني تحديداً أن ثمة فكرة أو قناعة أو قلقاً أو هاجساً ما، يقبض على روح الكاتب ويحرك شغفه فيقرر مطاردته، هذه المطاردة الفكرية الإبداعية الجمالية تتجلى في عدد من الروايات، تختلف فيها العوالم والطروحات والأشخاص وزوايا المعالجة». وفي تتبّعه لعملية الكتابة الإبداعية؛ كشف المبدع المصري وليد علاء الدين عن إيمانه بأن الكتابة هي ثمرة جهد والتزام وقراءة وبحث متواصل، وهو ما أدركه عبر رحلة استغرقت 20 عاماً كاملة من عمره قضاها في انتظار «الوحي والإلهام» لإتمام مشروعاته الإبداعية التي بدأها وظلت تنتظر الاكتمال «خلال سنتين من تحولي عن فكرة (انتظار الوحي والإلهام)، أتممت خمسة مشروعات كانت مفتوحة، أربع مسرحيات ورواية، إضافة إلى كتابين في النقد الثقافي، هما حصيلة التزامي بالكتابة الأسبوعية لعدد من الصحف العربية. أيضاً انتهيت بالتزامن مع صدور (ابن القبطية) روايتي الأولى من كتابة رواية ستصدر خلال معرض أبوظبي للكتاب المقبل، ورواية أخرى لم يتم بعد تحديد موعد صدورها. فلم تعد الكتابة وحياً عليك أن تنتظره، أو إلهاماً ترجو أن يتدفق منساباً من دون عناء». في الوقت نفسه شبّه الكتابة بالضَرع الذي يجب أن يُستدرَّ لينتج، «الفلاحون يعرفون معنى ذلك، الضرع إذا لم يُستدر فإن حليبه يفسد، ثم يجف، كما أن الحيوان نفسه يمرض وربما يموت. هنا ثمة منتج يريد أن يتحقق، وهو الحليب»، لافتاً إلى أن ثمة أمراً أخيراً يضمه هذا المشهد، وهو أن البقرة لا تصنع حليبها ولا تدره من الأساس إلا إذا كانت أمّاً، أي لديها رضيع تدر من أجله، وفي مشهد الكتابة يمثل «القلق» بالنسبة للكاتب، دور الرضيع بالنسبة للبقرة، فالقلق وثيق الصلة بحساسية الكاتب وقراءاته واهتماماته وانشغالاته، وكما يثير وجود الرضيع حنان البقرة فيتحرك الحليب في ضرعها، يشحذ القلقُ حواس الكاتب ويُعوِّدُه الملاحظة والانتباه للتفاصيل التي تعينه على معالجة هذا القلق وتطويره وتحويله إلى تساؤلات. أما القارئ؛ فعادة ما يكون آخر انشغالات الكاتب الحقيقي. وأشار علاء الدين إلى أن استمرارية الكتابة تتطلب من الكاتب أن يعمل على تطوير قلقه بالقراءة والبحث ليتجسد في شكل جديد، في كل مرة، أو بمعنى آخر: في رواية جديدة. وأن يحول قلقه إلى أسئلة، وتحويل هذه الأسئلة إلى عالم به خيال وأشخاص وأحلام ومفارقات ودهشة، لأن الرواية ببساطة هي تمرير القلق على حامل من الجمال. يشار إلى أن وليد علاء الدين، شاعر وكاتب مصري، يعمل بالصحافة الثقافية منذ عام 1996، ويعمل حالياً مديراً لتحرير مجلة تراث بأبوظبي. صدر له في الشعر: «تردني لغتي إلي»، و«تفسر أعضاءها للوقت»، وفي المسرح «العصفور»، و«72 ساعة عفو»، وفي الرحلة «خطوة باتساع الأزرق، مشاهدات من رحلة إلى الجزائر». وفي الدراسات الثقافية «واحد مصري»، وفي الرواية «ابن القبطية». نال علاء الدين جوائز عدة، منها جائزة الشارقة للإبداع العربي في المسرح، وجائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي، وجائزة أدب الحرب المصرية للقصة القصيرة، وجائزة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات (غانم غباش) للقصة القصيرة.
مشاركة :