كشف مصدر مطلع لـ”العرب”، بأن مصالح أمنية مختصة قامت الأيام الماضية، بتجريد المدير السابق لجهاز الاستخبارات المنحل الجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق) من عناصر الحراسة والسيارة والسلاح الخاص، وهي الامتيازات التي كان يحظى بها منذ إحالته على التقاعد العام 2015، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت السلطات تجهز لتتبعه قانونيا. ويمثل التجريد من الامتيازات الخاصة في التقاليد السياسية الجزائرية، رسالة لأصحابها لوقوعهم في دائرة المغضوب عليهم أو المستهدفين بإجراءات لاحقة، تتوافق مع التحذيرات التي أطلقها قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، للرجل الذي اتهمه بـ”التأجيج وعرقلة الانتقال السياسي في البلاد”. وظل الجنرال اللغز محمد مدين، بعيدا عن الأضواء خلال السنوات الأخيرة، رغم ركونه للتقاعد القسري، من طرف جناح الرئاسة في شهر سبتمبر العام 2015، حيث لم يظهر إلا نادرا في بعض المواقع الخاصة. لكن اندلاع الحراك الشعبي في البلاد، أعاده إلى الواجهة بعد اللقاءات التي جمعته قبل إجهاض ترشيح عبدالعزيز بوتفليقة للولاية الخامسة، مع الرجل القوي حينها في مؤسسة الرئاسة سعيد بوتفليقة. وقطعت كلمة الجنرال قايد صالح، كل تقاليد التحفظ العسكري، بعدما هدد فيها، باللجوء إلى الأساليب القانونية ضد المدير السابق لجهاز الأمن والاستعلامات، إذا لم يتوقف عن تأجيج الأوضاع الداخلية وإعاقة الانتقال السياسي في البلاد.ولم يستبعد المصدر، أن تتخذ تدابير تحفظية ضد الرجل في القريب العاجل، خاصة وأن الاتهامات التي وجهها قايد صالح، تمثل جناية خطيرة قد تصل إلى الخيانة العظمى، في ظل تأكيده على مشاركة محمد مدين، في مخطط بحضور جهات استخباراتية فرنسية للانقلاب على الحراك الشعبي، وشخصيات سياسية موالية لبوتفليقة، وتحت إشراف شقيقه سعيد بوتفليقة. ومع ذلك لا يزال الغموض يكتنف التجاذب بين رموز المؤسستين العسكرية والأمنية، خاصة وأن الشخصيات الحاضرة فيما أسماه قايد صالح بـ”الاجتماع المشبوه للعصابة”، وعلى رأسها سعيد بوتفليقة، لم تطلها أي إجراءات إلى حد الآن، من طرف المؤسسة وفق صلاحيات حماية البلاد من الأخطار الخارجية والداخلية. وارتبط الجنرال المتقاعد (توفيق) بما بات يعرف بـ”الدولة العميقة”، المتغلغلة داخل مختلف الأجهزة والمؤسسات، والتي تريد توجيه التطورات الداخلية باتجاه معين، ولمح لها ناشطون في الحراك الشعبي، بالوقوف وراء ممارسات القمع التي طالت المتظاهرين الجمعة الماضي، وهو ما قابله قائد أركان الجيش بالقول “إن المؤسسة العسكرية لن تسمح بسقوط قطرة دم واحدة لأي جزائري، وأنها ستضطلع بحماية الشعب من أي تجاوزات”. وسبق للرئيس السابق اليامين زروال، أن كشف الشهر الماضي، عن عرض سياسي نقله إليه الجنرال محمد مدين، من سعيد بوتفليقة، يتضمن قيادته للدولة خلال فترة انتقالية محدودة، وهو ما رفضه الرجل، بدعوى احترام إرادة الحراك الشعبي، مما يؤكد الاتهامات الموجهة لتوفيق بالضلوع في مخطط سياسي نُسج في الخفاء. وتحوز الدولة العميقة في الجزائر على مؤسسات حزبية ونقابية وإعلامية وأهلية ومالية، كانت تدير التوازنات السياسية بشكل لافت في العقدين الأخيرين، وغير مستبعد أن يكون مثول رجل الأعمال القوي يسعد ربراب، المحسوب على الجنرال محمد مدين، الأربعاء أمام محققي جهاز الدرك بالعاصمة، بداية تفكيك قيادة الأركان لتركة جهاز الاستخبارات. ولو أن رجل الأعمال المذكور، دوّن في حسابه الخاص على تويتر الأربعاء قائلا “مثلت اليوم لدى قيادة الدرك الوطني في باب جديد (ضاحية بالعاصمة)، للتحقيق في مسألة المشروع المعطل منذ أكثر من عامين، بإيعاز من نظام العصابة الحاكمة”. وجهر قائد أركان الجيش، بضلوع مقربين من الرئاسة السابقة، في أعمال فساد ونهب للمال العام، كلف الخزينة العمومية الآلاف من المليارات، وألمح إلى أن جهاز القضاء يتردد في فتح الملفات، وهي إشارة مبطنة لهيمنة الطرف المقصود على الحكومة الحالية، خاصة الوزارات السيادية، كالعدالة والمالية واواطلعت “العرب” على أمر قضائي موجه للعدالة من أجل فتح تحقيقات في حسابات نحو عشرين شخصا، معظمهم من عائلة رجل الأعمال المسجون حاليا علي حداد، منهم من ولد في مطلع الألفية، فضلا عن وضع أكثر من 500 شخص تحت طائلة المنع من السفر والتحقيق. ومع ذلك تبقى الشكوك قائمة لدى قطاع عريض من نشطاء الحراك الشعبي والطبقة السياسية، حول إمكانية تحول الحرب على الفساد إلى تصفية حسابات، في ظل هشاشة المؤسسات الحالية، وضلوع أشخاص آخرين محسوبين على قايد صالح نفسه في ملفات فساد، وعدم شمول الإجراءات التحفظية للقوى السياسية المتواطئة في السلطة مع هؤلاء. والأربعاء، على الأرض استمر مسلسل الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسلطة والداعية لرحيل جميع رموزها، عبر عدد من الوقفات والإضرابات التي نفذها المحامون وموظفو قطاع العدالة والنقابيون والطلبة في العاصمة وعدد من مدن البلاد. وكان اللافت اختراق الحرم الجامعي بكلية الحقوق بالعاصمة، من طرف قوات أمنية لتوقيف بعض الطلبة الناشطين، وهو ما أجج مشاعر الغضب والاستياء في الوسط الجامعي ولدى الرأي العام، خاصة وأن الأمر جاء في أعقاب التطمينات التي قدمها قائد أركان الجيش حول حماية الحراك الشعبي. ولا زالت الأنظار تتطلع إلى استقالات منتظرة لـ”الباءات الثلاثة ” المتبقية (الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، رئيس الحكومة نورالدين بدوي والأمين العام لجبهة التحرير معاذ بوشارب) عقب استقالة رئيس المجلس الدستوري المستقيل طيب بلعيز. وتم استخلاف بلعيز بكمال فنيش، وهو ما لم يحظ بقبول الشارع، نظرا لاقترانه بإصدار أحكام قمعية في حق طلبة ثانويات خلال ما يعرف بأحداث الربيع الأمازيغي سنة 1980 في منطقة القبائل..
مشاركة :