التمدد الإيراني في شمال إفريقيا والساحل

  • 4/19/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. إدريس لكريني أضحت القارة الإفريقية مركز جذب واهتمام بالنسبة لعدد من القوى الدولية والإقليمية الكبرى خلال العقود الأخيرة، حيث اتخذ التنافس والتهافت على كثير من دولها أشكالاً متعددة ومتباينة، تنوعت بين السبل الناعمة والخشنة.وتشير الإحصائيات والتقارير العلمية، إلى أن إفريقيا تحتضن إمكانيات بشرية وطبيعية وحضارية هائلة تجعل منها قارة الحاضر والمستقبل بامتياز، فقد شهدت كثير من دولها تحولات اقتصادية وسياسية مهمة خلال العقدين الأخيرين، عكسها بروز نخب جديدة تعي حجم التحديات المطروحة، وإعمال إصلاحات سياسية واقتصادية مختلفة، أسهمت بشكل كبير في تراجع تلك الصورة النمطية التي طالما سُوّقت عنها، وربطتها بالمجاعات والأمراض والتخلف والانقلابات.ظل هاجس تصدير الثورة «الإسلامية» نحو الخارج حاضراً لدى صناع القرار في إيران منذ ثورة الخميني عام 1979، وبدأ الاهتمام الإيراني بإفريقيا في فترات مبكرة، رغبة منها (إيران) في توسيع دائرة نفوذها وتمدّدها في هذه المناطق الحيوية، معتمدة في ذلك على آليات ومداخل مختلفة، منها تقديم «المساعدات الإنسانية».ومع تزايد حدة الضغوطات الدولية على إيران خلال العقدين الأخيرين، بسبب توجهاتها العدائية تجاه محيطها الإقليمي، وبفعل ما يحيط ببرنامجها النووي، سعت هذه الأخيرة إلى التحرك لفكّ عزلتها بالتمدد في مناطق نائية تسمح لها بالمناورة وربح نقاط تتيح لها كسب بعض التأييد لمواقفها على المستويين الإقليمي والدولي، مستثمرة في ذلك حالة التردّي التي باتت تطبع النظام الإقليمي العربي. وتعد القارة الإفريقية إحدى أهم المناطق التي شهدت تحركات مكثفة للدبلوماسية الإيرانية في السنوات الأخيرة، عبر آليات رسمية وأخرى خفية.ولم تتوقف إيران على امتداد العقود الأخيرة، عن استغلال مختلف الأزمات الإقليمية والدولية لتدخلاتها وتكريس وجودها في مناطق مختلفة من العالم، ما يزيد تعقيد الأوضاع وتأزّمها.ولم تكن منطقة شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء في مأمن من هذه التحركات، بعدما اعتبرتها فضاء خصباً لكسب معارك إقليمية ومحاصرة الدول العربية، وللمناورة في مواجهة القوى الدولية الكبرى وخاصة تلك المناوئة لها، وقد وقفت العديد من دول المنطقتين على حقيقة التمدد الإيراني، ما جعلها تبادر في كثير من الأحيان والفترات إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معها كرد فعل على تدخلاتها في شأنها الداخلي، وكتعبير عن الرفض للمسّ بمقومات أمنها، وهو ما يعكسه قطع العلاقات المغربية الإيرانية لمرتين متتاليتين في ظرف عقد واحد من الزمن، فيما اتخذت الجزائر وموريتانيا وتونس نفس الموقف في ظروف زمنية مختلفة.وتوظف إيران في توغلها داخل العمق المغاربي والإفريقي، الجانب الديني مستغلّة في ذلك طبيعة هذه المجتمعات الميالة بطبعها نحو التسامح والتعدد والانفتاح. فقبل أيام قليلة دعيت لحضور أشغال مؤتمر علمي مهم نظمه المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، والمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بمدينة الرباط حول موضوع: «إيران.. أية تأثيرات على منطقة شمال إفريقيا والساحل؟»، بمشاركة باحثين وخبراء من المغرب والسعودية، والإمارات، وتونس والجزائر ولبنان وليبيا وموريتانيا.توزعت أشغال اللقاء بين أربع جلسات علمية، تناول فيها المتدخلون السياسة الخارجية الإيرانية تجاه منطقة شمال إفريقيا والساحل، والحضور الإيراني في منطقة شمال إفريقيا والساحل في خضم التنافس الدولي، والتأثيرات الإيرانية في المنطقة على ضوء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ثم مستقبل العلاقات الإيرانية مع منطقة شمال إفريقيا، على ضوء التجاذبات الإقليمية الجديدة.سمحت المداخلات والنقاشات المستفيضة التي أعقبتها بطرح مجموعة من المواضيع ذات الصلة، حيث نبه البعض إلى خطورة التوغل الإيراني في المنطقة عبر استغلال واضح لبعض الخلافات التي تحدث بين دول المنطقة، وللارتباكات الأمنية والسياسية التي تشهدها بعض الأقطار سواء في الفضاء المغاربي، أو داخل منطقة الساحل الإفريقي المعروفة بإشكالاتها الاجتماعية وضعف السلطة المركزية، وهشاشة الأوضاع الاقتصادية والأمنية، فيما حذر آخرون من التداعيات السلبية للتمدد الإيراني على الوحدة المذهبية في المنطقة المغاربية التي ظلت بعيدة كل البعد عن مظاهر الصراعات الإثنية والدينية والطائفية.وأكد متدخلون أن أمن المنطقة المغاربية من أمن واستقرار محيطها الإقليمي، وخاصة في منطقة الساحل المترامية الأطراف. وقد خلصت الندوة إلى مجموعة من التوصيات تركزت حول أهمية وضرورة بلورة استراتيجية شاملة لمواجهة التدخلات الإيرانية المتزايدة في المنطقة، في إطار من التنسيق والتعاون، كما تم تأكيد أهمية تحصين الذات عبر تشجيع البحث العلمي وترسيخ تنشئة اجتماعية بناءة، وتدبير الخلافات الإقليمية بشكل فعال، وبلورة إصلاحات سياسية تدعم الانتقال السلمي للسلطة، وتدبير التنوع المجتمعي بصورة سليمة تُقوِّي الشعور بالانتماء والوحدة الوطنية بكل روافدها الحضارية والمذهبية والسياسية والاجتماعية، إضافة إلى رصّ الصفوف وتعزيز التكتلات الإقليمية، كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد المغاربي. ودعا آخرون إلى الاتجاه نحو مزيد من الانفتاح على القارة الإفريقية الغنية بمكوناتها البشرية وإمكانياتها الاقتصادية والتجارية والطبيعية، سبيلاً لتضييق هامش التحرك الإيراني، وإلى مضاعفة الاستثمارات الخليجية داخل البلدان المغاربية لتجاوز مختلف الإشكالات الاجتماعية والسياسية التي طالما استغلتها إيران للتموقع والتمدد في المنطقة. drisslagrini@yahoo.fr

مشاركة :