د.إدريس لكريني علاوة على تموقعها ضمن مساحة إقليمية شاسعة غنية بالثروات المعدنية، والبحرية.. تحتضن القارة الإفريقية إمكانات بشرية، وطبيعية، وحضارية هائلة، فيما شهدت الكثير من دولها تحولات اجتماعية، واقتصادية، وسياسية هامة، خلال العقدين الأخيرين، أضحت معها هذه القارة مركز جذب وتهافت بالنسبة إلى عدد من القوى الدولية والإقليمية الكبرى.وتشير الكثير من الأبحاث العلمية والمعطيات الإحصائية إلى أن الكثير من البلدان الإفريقية راكمت منجزات هامة، وأصبحت تحقّق نموّاً اقتصادياً في السنوات الأخيرة. وهو ما أصبح يغري بالاستثمار، ويجعل من إفريقيا بفرصها المتعددة قارة المستقبل بامتياز.ومنذ قيام «الثورة الإسلامية» أواخر السبعينات من القرن الماضي في إيران، وهي تراهن على تصدير هذه «الثورة» نحو محيطها الإقليمي، قبل أن يتطور الطموح إلى نقلها إلى مناطق نائية أخرى. وقد بدأ الاهتمام الإيراني بالقارة الإفريقية في فترات مبكرة على مستويات عدة، وازداد هذا الاهتمام في السنوات الأخيرة، حيث ظلت إيران تنظر لإفريقيا باعتبارها فضاء لكسب معارك إقليمية على مستوى محاصرة الدول العربية، وللمناورة في مواجهة القوى الدولية الكبرى، بخاصة تلك المناوئة لبرنامجها النووي العسكري، بما يتيح كسر عزلتها. وبالرغم من الموقع الجيوستراتيجي الهام الذي تحظى به إيران، والإمكانات الطبيعية التي تزخر بها، فإن سياساتها العدائية والتوسعية تجاه محيطها، فرضت عليها عزلة حجّمت من طموحاتها، ما دفعها نحو البحث عن تحالفات، وتموقعات بديلة.ولم يعد هناك مجال أمام إيران للمراهنة على علاقات بنّاءة وودية مبنية على حسن النية مع محيطها العربي بعد سياساتها المنحرفة التي زجت بعدد من دول المنطقة في متاهات من الصراع، والطائفية، والعنف. وهو ما تعكسه التجارب القاتمة في كل من العراق، وسوريا، واليمن. ولذلك فهي تراهن كثيراً على فكّ عزلتها عبر التموقع في مناطق استراتيجية وحيوية تتيح لها تدبير عدد من الملفات عن بعد، بالصورة التي تمكنها من استنزاف «الخصوم».ومع تزايد الضغوط الدولية عليها بسبب التطورات اللافتة لملفها النووي، سعت هذه الأخيرة إلى فك عزلتها بالتمدد في مناطق نائية تسمح لها بالمناورة، وكسب نقاط تتيح لها بعض التأييد لمواقفها على المستويين الإقليمي، والدولي.وتعدّ القارة الإفريقية إحدى أهم المناطق التي شهدت تحركات مكثفة، ومشبوهة للدبلوماسية الإيرانية، عبر آليات رسمية، وأخرى خفية ومقنّعة. وانسجاماً مع طموحاتها النووية، ودعماً لمشروعاتها في هذا السياق، تحاول إيران بكل ما أوتيت من قوة، استثمار الخلافات التي تعيش على إيقاعها الكثير من دول القارة عبر سبل ناعمة، أو ملتبسة، في سبيل تحصيل حاجاتها المتزايدة من اليورانيوم الذي يتوافر بكمية هائلة داخل تراب القارة حيث وجهت الكثير من المساعدات «الإنسانية» والتقنية لعدد من الدول.. ما أتاح لها التمدد في عدد من الأقطار (فتح أكثر من ثلاثين سفارة على امتداد إفريقيا)، وبناء علاقات متينة مع الكثير منها.ووعياً منها بأهمية المحدّد الاقتصادي في تمتين العلاقات بين الدول، وكسب المواقف والتأييد بصدد عدد من السياسات والتوجهات على الصعيدين الإقليمي والدولي، تعمل إيران أيضاً على تمتين علاقاتها الاقتصادية مع عدد من الدول الإفريقية عبر تعزيز المبادلات التجارية، وتنفيذ عدد من الاستثمارات في كثير من القطاعات الهامة داخل القارة.وعلاوة على المدخلين الإنساني والاقتصادي، توظّف إيران في توغّلها داخل العمق الإفريقي الجانب الديني بسبل متحايلة، مستغلّة في ذلك طبيعة المجتمعات الإفريقية الميالة نحو التسامح، والتعدّد، والانفتاح.. حيث وظفت «التشيّع» لبسط هيمنتها، وتعزيز تواجدها، وخدمة أجنداتها المختلفة، وتشير الكثير من التقارير إلى انتشار التشيّع في أوساط سكان عدد من دول القارة، بخاصة تلك التي تحتضن تواجداً مكثفا للمسلمين، أو أقليات منهم.ويطرح التواجد الإيراني في إفريقيا، مجموعة من الإشكالات والمخاطر التي تبرزها الكثير من الوقائع والحالات الميدانية، بعدما تحوّل هذا التمدّد إلى تدخلات منحرفة كادت في كثير من الأحيان أن تزج بأمن واستقرار عدد من الدول، كما هو الشأن بنيجريا والسودان والصومال، وهو ما تنبّهت له الكثير من الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة، كما أن الكثير من الدول العربية أصبحت تتجه نحو مزيد من الانفتاح على هذه القارة الواعدة.وعلى الرغم من التردي الذي أصبح يطبع النظام الإقليمي العربي في السنوات الأخيرة، إلا أن الجهود التي تباشرها بعض الدول العربية، كما هو الشأن بالنسبة للمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المغربية، على مستوى تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دول القارّة الإفريقية في إطار من الندّية واحترام السيادة، وتبادل المصالح وتوجيه المساعدات الإنسانية وإحداث المراكز الإسلامية والثقافية، أصبحت يضيّق هامش التحرك الإيراني، وتقلل من فرص مناوراته في هذا الصدد. drisslagrini@yahoo.fr
مشاركة :