خلال الأسبوعين الماضيين، كرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وصف خصومه في الولايات المتحدة بأنهم «خونة»، وهدد بأنه سيعاقب الحزب الديمقراطي، عن طريق إغراق مناطقهم الانتخابية بالمهاجرين. ونشر تسجيل فيديو يربط بين عضو مسلم في الكونغرس، وصور أحداث 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمي. وتبدو هذه الرسالة واضحة، مفادها أن الرئيس يهتم فقط بالذين انتخبوه وأوصلوه إلى البيت الأبيض من الأميركيين، كما أنها تفيد، أيضاً، بأنه لا يحكم مثل أحد من أسلافه الجدد من الرؤساء الآخرين. ويبدو أن الفكرة القديمة، التي مفادها أن الرئيس عندما يصل إلى السلطة، يجب على الأقل أن يتظاهر بأنه قائد لشعبه كله، قد عفى عليها الزمن الآن، إذ إن الرئيس ترامب لا يرغب في إزعاج نفسه بمجرد التظاهر، فهو يتحدث إلى جماعته، وليس إلى شعبه. وسافر ترامب إلى الولايات التي انتخبته عدداً من المرات، يصل إلى خمسة أضعاف عدد مرات الولايات التي أيد معظمها المرشحة الأميركية السابقة هيلاري كلينتون. كما أنه أجرى عدداً من المقابلات مع محطة «فوكس نيوز»، أكثر بكثير من المحطات التلفزيونية الرئيسة مجتمعة. ورسالته تهدف إلى حشد أكبر عدد من المناصرين له، وليس إقناع أي شخص. وترامب هو الرئيس الوحيد، في تاريخ شركة «غالوب» لاستطلاعات الرأي، الذي فشل في الفوز بتأييد أغلبية الأميركيين، ولو ليوم واحد، خلال وجوده في السلطة. وظل معدل قبوله من قبل الشعب الأميركي في استطلاع غالوب يراوح بين 35 و45%، طيلة فترة رئاسته. لكن يبدو أن ترامب يستمتع بسياسة «فرِّق تسد»، ولم يبذل أي جهود تذكر من أجل توسيع قاعدة أنصاره لأكثر من الناخبين الذين أوصلوه إلى البيت الأبيض. وفي الوقت الذي حاول فيه رؤساء آخرون الحصول على الدعم العريض للشعب الأميركي، يبدو ترامب أنه يقوم بحملة إعادة انتخابه، اعتماداً على جماعته. لكنْ مستشارو ترامب يصرون على أن الحقيقة غير ذلك، فعلى الرغم من أنه سياسي غير تقليدي، يعتمد كثيراً على موقع «تويتر»، فإنه يحاول الوصول إلى ناخبين جدد. وقال مدير التواصل في حملة إعادة انتخاب ترامب، تيم مورتوغ: «في الحقيقة إننا فعلاً نصبو إلى ناخبين جدد، والذي يقول غير ذلك هو مخطئ». وتحدث مورتوغ عن الاقتصاد القوي في عهد ترامب، والذي أنتج ملايين فرص العمل، وزاد الأجور، إضافة إلى التغيرات الكبيرة التي طرأت على نظام العدالة الجنائية. وقال إن عدداً من الناخبين، عبر اختلاف أفكارهم واعتقاداتهم، يتفقون مع آراء الرئيس ترامب بشأن المهاجرين، وأن القانون يجب تطبيقه بقوة. وأضاف «الديمقراطيون يقترفون خطأ كبيراً، عندما يعتقدون أنهم عندما يواصلون الصراخ بموضوع اللاجئين، يمكن أن يحققوا نصراً كبيراً». وكان طريق الرئيس ترامب إلى النصر عام 2016 مستقيماً من الداخل، حيث فاز بأصوات المجمع الانتخابي، في حين أنه خسر التصويت الشعبي الوطني لصالح المرشحة كلينتون بنحو ثلاثة ملايين صوت، على الرغم من أن مستشاري ترامب، والديمقراطيين والمحللين المستقلين، قالوا إن الرئيس يقامر بفكرة إمكانية فوزه بالطريقة ذاتها. وقال كورنل بلتشر، الذي يعمل على إجراء استطلاعات الرأي لصالح الرئيس السابق باراك أوباما: «إنهم يصرون على تحقيق نصر مشابه لما حققوه في المرة السابقة، على ألا يتمكن الحزب الديمقراطي من حشد ما يكفي من الأصوات لإخراج ترامب من السلطة» وفي الواقع، أمضى ترامب الكثير من فترة رئاسته مركزاً على أجزاء من الدولة التي عمد ناخبوها إلى دعمه، حيث إنه يحاول صنع قبيلة انتخابية خاصة به. وبمعزل عن أربع ولايات، حيث يزور ترامب أملاكه في ولاية ميريلاند، كما أنه يسافر كثيراً إلى قاعدة أندروز الجوية أو كامب ديفيد، فقد أمضى أياماً في الولايات التي صوتت له في الانتخابات، بنسبة تفوق خمسة أضعاف ما أمضاه في الولايات الأخرى التي صوتت لكلينتون، أي 115 يوماً للأولى مقابل 15 يوماً للأخرى، حسب خدمات «فاكتبا.سي» التي تجمع وتحلل المعلومات المتعلقة برئاسة ترامب. وتنفق حملة ترامب الانتخابية 44% من ميزانية الإعلان على موقع «فيس بوك»، حيث تستهدف من هم في سن 65 وما فوق، أكثر بكثير مما يفعله الديمقراطيون، حسبما ذكره موقع «أكسيوس» للأخبار. وقال عدد من الديمقراطيين إنه ليس من الواضح ما إذا كانت تصريحات ترامب الأخيرة تستند إلى حسابات أم لا. وقالت آنا غرينبيرغ، التي تجري استطلاعات الرأي للحزب الديمقراطي، إن الرئيس ترامب ربما يوجه انتقاداته إلى كثيرين، نظراً لوجود قلة من المستشارين حوله كي يكبحوا جماحه. وأضافت: «لكن في الوقت ذاته يجهز حملة أكثر كلفة بكثير، من حملته التي بدأها المرة الماضية. وقالت آنا: «لا أدرى إذا ما كانت هناك استراتيجية معينة، أم أنه مجرد تحرر ترامب من أي قيود. وهو لا يبدو بالنسبة لي أنه خبيث أو ذكي، أو أنه ذلك الشخص الذي يفكر بعمق من أجل استراتيجية لانتخابات عام 2020. ووجهة نظري أنهم ينشئون جهازاً خارج البيت الأبيض، للاستعداد لانتخابات عام 2020». في السابق، قام رؤساء آخرون بإيجاد توازن بين كونهم قادة للأمة، وبين كونهم مرشحين عن أحزابهم من أجل الانتخابات، حيث يتأرجحون بين الوحدة الوطنية والهجوم الشرس على الخصوم. لكن النظرية القديمة التي تقضي بالوصول إلى المرشحين المتذبذبين، من أجل بناء ائتلاف حاكم عفى عليها الزمن منذ سنوات عدة. وكان الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، قدم نفسه على أنه يميل إلى الوسط عامي 1992 و1996، كي يصل إلى ما هو أبعد من قاعدة الناخبين الديمقراطيين. ووصف الرئيس السابق جورج بوش الابن نفسه بأنه «محافظ رحيم»، في مسعى منه لجذب الناخبين من الوسط. وبعد تأكيد انتصار بوش الابن، إثر إعادة إحصاء أصوات ولاية فلوريدا الحاسمة، مد بوش يده إلى الديمقراطيين ليعمل معهم في التعليم وقضايا أخرى. وبعد حادثة 11 سبتمبر، قام بوش الابن بزيارة أحد المساجد، حيث أكد بعد ذلك أن الحرب التي سيشنها لاحقاً ليست ضد المسلمين. ومد يده إلى اللاتينيين عن طريق دعم إجراء تعديلات كبيرة في قوانين الهجرة. لكن بعد عام 2000 أجرى مستشار بوش لحملة إعادة انتخابه، ماثيو داود، دراسة للرئيس خلص فيها إلى أن معظم المستقلين كانوا في واقع الأمر ناخبين ديمقراطيين أو جمهوريين موثوقين، وإن جزءاً من الناخبين القابلين للاقتناع تناقص منذ عام 1980، من 22 إلى 7% فقط. ونجمت عن ذلك استراتيجية عام 2004، التي ركزت على زيادة تعداد قاعدة بوش إلى أعلى حد ممكن، عن طريق دعم تعديلات قانونية تحظر زواج المثليين. لكن داود الذي رفض شخصياً تلك المبادرة، قال إنهم لايزالون يحاولون الفوز بناخبين جدد. وأضاف «لم نعتقد أننا سنختار بين شخص وآخر». وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن فريق ترامب يعتمد على فكرة أن الرئيس يمكن أن يخسر الأصوات الشعبية، لكنه لايزال متعلقاً بالفوز في أصوات المجمع الانتخابي. وقال داود «يمكنهم محاولة الفوز بالطرفين، لكن على ما يبدو أنهم قرروا عدم الاهتمام بالطرفين، والأمر الوحيد الذي يريدون القيام به هو تحفيز قاعدة الرئيس الانتخابية». وقال مورتوغ إن الرئيس كان يوسع بشكل جدي قاعدته الانتخابية، فإذا لم يتمكن من التغلب على خصومه، فإنه يجلب ناخبين جدداً إلى العملية الانتخابية. وكشف استطلاع للرأي أن ربع الأشخاص، الذين ظهروا في تجمع أمام الرئيس ترامب في مدينة إيل باسو بولاية تكساس يصوتون بصورة متقطعة، وأن الربع الآخر لم يصوتوا مطلقاً، حسبما ذكره مورتوغ، الذي قال عنهم «هؤلاء ناخبون جدد. ويمكن أن ندعوهم ناخبين غير مسيسين تماماً. والرئيس ترامب ليس سياسياً تقليدياً بكل المقاييس، وبناء عليه فإن الكثير من الولايات التي نتحدث عنها، ليست بالضرورة ولايات جمهورية، وإنما هي ولايات ترامبية». بيتر بيكر : مراسل «نيويورك تايمز» في البيت الأبيضطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :