تحول، مخيم الركبان الذي يضم الآلاف من النازحين السوريين إلى ساحة صراع جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا التي تتهم واشنطن بعرقلة أي خطط لإخلائه للإبقاء على ذريعة وجود قوات لها في المنطقة. وكشف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الجمعة، عن لقاء روسي أميركي منتظر عقده قريبا في الأردن في محاولة للتوصل إلى اتفاق، بيد أن التشاؤم يبقى سيد الموقف. ويمتد “الركبان” الذي يطلق عليه “مخيم الموت”، والواقع في المنطقة الحدودية مع الأردن من الجهة السورية، على طول 7 كيلومترات بين البلدين، وهو مخيم عشوائي لا تديره جهة بعينها، سواء من الجانب السوري أو الأردني، ويضم حاليا قرابة 45 ألف نازح سوري، كانوا ينتظرون السماح لهم بدخول الأراضي الأردنية هربا من الحرب. ويعيش سكان “الركبان” في البادية السورية ظروفا إنسانية قاسية، في ظل حصار القوات الحكومية للمخيم، وندرة المساعدات. ورغم الحديث عن بدء عودة تدريجية لهم إلى مناطق سكناهم الأصلية داخل سوريا بتنسيق روسي، فإن هواجس تنتابهم من التعرض لأعمال انتقامية على أيدي القوات الحكومية. ومن التعقيدات التي تحول دون خروج هؤلاء النازحين وجود فصائل من المعارضة وتنظيمات جهادية داخل المخيم، وهناك معطيات تتحدث عن وجود لعناصر وموالين لداعش، وهو الأمر الذي دفع الأردن إلى إغلاق الحدود أمام دخول النازحين من المخيم إلى أراضيه. وتأمل عمّان في أن يتم حل معضلة الركبان في اللقاء المنتظر ذلك أن استمرارها يشكل تهديدا لأمنها القومي في ظل مخاوف من تسرب جهاديين إلى المملكة. وتدعو موسكو والحكومة السورية واشنطن إلى تفكيك المخيم، فيما تشترط الأخيرة، التي تحتفظ بوجود عسكري قربه، أن تجرى عملية إجلاء النازحين بالتنسيق معها ومع الأمم المتحدة، لضمان مغادرة آمنة وطوعية. واتهمت كل من دمشق وموسكو في 11 مارس في بيان مشترك واشنطن بتبني “تفكير استعماري” حيال مخيم الركبان، الذي يقع قرب قاعدة التنف الأميركية. وأضاف البيان “واشنطن لا تهتم بالكارثة الإنسانية والتي تسببت بها في المخيم، وهي تحاول وضع المسؤولية على روسيا وسوريا”. وتابع “من المفيد للولايات المتحدة الاحتفاظ بمخيم النازحين أكثر قدر ممكن من الوقت في التنف من أجل تبرير وجودهم غير القانوني في جنوب الجمهورية (السورية)”. في المقابل، وبتاريخ 22 من ذات الشهر قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية روبيرت بلادينو “إن الولايات المتحدة تؤيد دعوة الأمم المتحدة لإيجاد حل مستدام لمشكلة الركبان وفقا لمعايير الحماية وبتنسيق الجهود مع كافة الأطراف المعنية، غير أن المبادرات الروسية التي تنفذ من جانب واحد لا تفي بهذه المعايير”. وأكد بلادينو عبر “تويتر” استعداد واشنطن والأمم المتحدة لجهود منسقة لضمان المغادرة الآمنة والطوعية والواعية لمن يرغبون في ذلك. وغادرت مطلع أبريل نحو 200 عائلة سورية المخيم ووصلت مناطق سيطرة الحكومة وسط البلاد، وذلك وفق “تسوية” روسية. وقالت مصادر من المعارضة إن العائلات التي خرجت كانت جمعيها مجبرة على ذلك، بسبب العوز والحالة الصحية المتردية لأطفالهم، حيث وصلوا إلى مراكز إيواء مؤقتة في ريف محافظة حمص، مشيرة إلى أن أغلب المدنيين القاطنين في المخيم، أعربوا عن عدم رغبتهم في الخروج منه. وزعم المجلس المحلي لمخيم الركبان في بيان منتصف الشهر الجاري أن الحكومة السورية تحتجز العشرات من سكان المخيم الذين خرجوا قسرا نتيجة الحصار وتمارس كافة أنواع التعذيب بحقهم، داعياً الأمم المتحدة للقيام بواجباتها تجاه المخيم. وفي ذات اليوم، أعلنت الأمم المتحدة، على لسان استيفان دوغريك المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريش عدم قدرتها على الوصول إلى “الملاجئ الجماعية” التي أقيمت في محافظة حمص، وسط سوريا، لاستقبال الأهالي الذي غادروا المخيم. وقال الناطق الرسمي باسم هيئة العلاقات العامة والسياسية بمخيم الركبان شكري شهاب، إن “النظام (السوري) يُحاصر المخيم منذ 10 فبراير الماضي، ويمنع دخول المواد التموينية والغذائية إليه وحليب الأطفال، في محاولة لإجبار الأهالي للعودة قسراً إلى المناطق التي يسيطر عليها”. ولفت “شهاب” إلى أن “المخيم تحوّل إلى ساحة صراع بين الأميركان والروس، وأعتقد أن الكفة راجحة للأميركان بهذا الخصوص، ولن يسمحوا للروس بالتمدد أكثر من ذلك”. واعتبر المحلل السياسي الأردني والخبير في العلاقات الدولية عامر السبايلة بأن “مخيم الركبان يعد معضلة أساسية وأهم نقاط إنهاء أزمة اللجوء في الداخل السوري، وله بعد أمني ويشكل نقطة للتشارك الحدودي الأردني السوري العراقي”. وأضاف “بالتالي المخيم نقطة استراتيجية مهمة، والإبقاء على عدم حلها هو إبقاء لعدم حل المسألة السورية، فهو ورقة أساسية في موضوع الضغط في إطار الحل السياسي مستقبلاً أو في تركيبة الوضع الجغرافي في هذه المنطقة”. بالمقابل أوضح حسن المومني الخبير في النزاعات الدولية “لا نستطيع اختزال الخلاف الروسي الأميركي فقط حول الركبان، وإنما هذا جزء من كل”. وأكد المومني أن “هناك اختلاف حول سوريا تعكسه حالة خلافية أشمل في السياق العالمي بين واشنطن وموسكو”. وبين “مشكلة الركبان تكمن في أنه يقع ضمن منطقة تواجد أميركي، وفي منطقة مهمة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة”. واعتبر “أن المخيم هو عبارة عن ورقة مساومة بين الأطراف في سياق الصراع، حيث إن المسألة ينظر إليها على أنها سياسية أمنية أكثر منها إنسانية”. وأردف “لو أن الأطراف تعتبرها إنسانية بحته لحلت، لكن ما يحكمها هو الواقعية السياسية، وبالتالي سوف تستمر ويتم استثمارها حتى تتوصل الأطراف لاتفاق أو ضمن حل شامل في سوريا”. أما بالنسبة للروس على وجه الخصوص، فاعتبر المومني أن “الوجود في سوريا أعمق وأشمل سياسياً وعسكريا، حيث استثمرت موسكو كثيراً في هذا الوجود مدفوعة بمصالح استراتيجية كقوة تسعى إلى استرداد مكانتها الدولية وخاصة في المنطقة”. وزاد “لذلك لها مصلحة في إنهاء الصراع بما يتلاءم مع مصالحها ومصالح حلفائها”. ولفت إلى أن “الوجود الأميركي محدود لكنه مؤثر وفعال يتم تبريره لمكافحة الإرهاب ودعم الحلفاء، وأيضا لضمان تسوية سياسية مقبولة في سوريا”، معتبراً بأن “الوجود المحدود هو أداة ضغط على النظام والروس”. وبين الصراع الأميركي الروسي، تتزايد الأوضاع سوءاً في المخيم، المكون من مساكن 70 بالمئة منها بيوت طينية سقوفها شوادر بلاستيكية، و30 بالمئة خيام، والذي يعيش أكثر من 80 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.
مشاركة :