صنّفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، قبيل سريان تنفيذ دفعة جديدة من العقوبات الصارمة على إيران، في خطوة رمزية كجزء من حملة “الضغط الأقصى” ضد طهران، لإجبارها على الرضوخ لمطالب واشنطن بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة حول الاتفاق النووي، ولوضع حدّ لتوسّع نفوذها في الشرق الأوسط. تبنت طهران استراتيجية التقارب مع أنقرة، وممارسة الضغوط على نظام الأسد المتهالك اقتصاديا، وعلى روسيا، لتعزيز موقعها في سوريا، غير المرغوب به عربيا، وأميركيا، وإسرائيليا، وروسيا. تستغل طهران دور أنقرة الإقليمي في المنطقة، وخلافاتها مع واشنطن مؤخرا حول رفض الأخيرة لصفقة أس400- بين روسيا وتركيا، وتهديدها لتركيا بإيقاف صفقة طائرات أف35-، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية على أنقرة، والحاجة التركية إلى أوراق ضغط على واشنطن لإجبارها على المضي بإنشاء المنطقة الأمنية شمال شرق سوريا. في هذا السياق، تراجعت تصريحات العسكريين الإيرانيين، مقابل إعطاء دور للتيار الإصلاحي الذي تمثّله وزارة الخارجية الإيرانية التي يرأسها محمد جواد ظريف، بعد أن رُفضت استقالته التي أعلن عنها عبر تويتر. حيث قام ظريف بجولة إلى دمشق وأنقرة، وهدّأ من تشدد طهران السابق حيال الملفات الخلافية مع أنقرة، في ما يتعلق بملف إدلب وشرق الفرات واللجنة الدستورية. تركيا مجبرة على هذا التقارب مع إيران، وعلى رفض تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري منظمة إرهابية، لعدة أسباب: الأول اقتصادي يتعلق بحجم التبادل الاقتصادي الكبير مع طهران، وطبيعة هذا التبادل التكاملية، حيث يسعى الطرفان إلى زيادة حجم التجارة البينية إلى 30 مليار دولار، وهي ثلاثة أضعاف المستويات الحالية. السبب الثاني سياسي يتعلق بالخلاف التركي العربي، والخلاف العربي الإيراني، وبالتالي تقتضي المصلحة التركية التقارب مع إيران، خاصة مع تشكيل حلف ضدّها يضمّ إسرائيل، وتقوده واشنطن. والحقيقة أن الخلاف التركي- العربي يفوّت على تركيا فرصة الاستثمار الاقتصادي في العمق العربي. والسبب الثالث أن تركيا ترفض إطلاق صفة إرهابي على فصيل من جيش نظامي لدولة، والموافقة عليه سيشكل إحراجا لها، وسيفتح بابا جديدا من الضغوط أمام واشنطن، وقد يطال يوما الجيش التركي. وتركيا مضطّرة إلى التعامل مع الحرس الثوري الإيراني، كونه يسيطر على معظم قطاعات الاقتصاد، البناء والعقارات والمصارف. إذا كل العوامل السابقة تقول إن تركيا لن تمضي في القبول بالعقوبات المفروضة على إيران وحرسها الثوري، وقد لا تمدد الولايات المتحدة لتركيا فترة الإعفاء من الالتزام بالعقوبات المفروضة على الصادرات الإيرانية. قد تسعى تركيا، حسب تصريحات وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، إلى آليات جديدة للتجارة مع إيران، باعتماد عملات غير الدولار، على غرار ما تفعله فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بفتح ما سمي “أداة دعم المبادلات التجارية”، لتجنب العقوبات المفروضة على إيران. في المشهد الإقليمي المعقّد، تبدو إيران أقرب إلى تركيا منها إلى روسيا، هذا قد يعطيها إمكانية خلط الأوراق في الملف السوري، خاصة أنّها تسعى إلى فتح خطوط تواصل بين تركيا ونظام الأسد، ما تزال أنقرة ترفضها إلى الآن. في حين أن إعلام النظام السوري كان يفرد ساعات للتنديد بالتدخل التركي في سوريا، وبدعم المعارضة، توقف عن ذلك بعد زيارة ظريف إلى دمشق الأربعاء الماضي، وتوجه للحديث عن أزمته الاقتصادية الخانقة، والتنديد بالعقوبات الأميركية، واعترف إعلامه شبه الرسمي، ممثلا بصحيفة الوطن، بتوقف الخط الائتماني الإيراني منذ 15 أكتوبر الماضي، وعدم وصول أي ناقلة نفط إلى السواحل السورية من تاريخه. أعطت واشنطن طهران دورا كبيرا في تفتيت العراق طائفيا، عبر تمويلها لأكثر من 50 ميليشيا شيعية، وكذلك أعطتها الفرصة لمساعدة نظام الأسد على إنهاء الثورة، عبر إرسال ميليشياتها الطائفية، من حزب الله وكتائب أبوالفضل العباس ولواء زينبيون وفاطميون وغيرها، إضافة إلى تمويلها كتائب الدفاع الوطني السورية. ويبدو أن دورها انتهى في البلدين بالنسبة لواشنطن، التي تتعامل معه بالقوة الناعمة، عبر العقوبات، وعبر ضرب إسرائيل لمواقعها في سوريا، ومؤخرا تهديدها أن تشمل الضربات لبنان والعراق؛ هذا إلّا إذا اختار ترامب توجيه ضربات عسكرية لإيران، ترفضها إدارته. فتحت إيران مع النظام السوري خطا ائتمانيا منذ 2011، بلغت قيمته حتى اليوم 5.5 مليار دولار، خُصِّص أغلبُه للمشتقات النفطية. وفي أغسطس 2018، وقّع الطرفان السوري والإيراني اتفاقية تعاون عسكري تنصّ على تقديم طهران الدعم لإعادة بناء جيش النظام. ووقعا اتفاق تعاون اقتصادي طويل الأمد، شمل قطاعات النفط والطاقة الكهربائية والزراعة والقطاع المصرفي. وبالتالي بات على نظام الأسد دفع 20-22 مليار دولار كديون لإيران كصفقات تجارية، عدا ما قدمته من سلاح ورواتب لميليشياتها وتبلغ قرابة 40 مليار دولار. اليوم لم تعد إيران قادرة على الدفع، وهي في موقف ضعيف، مع اقتراب انتهاء مهلة الأشهر الستة التي أعطتها الولايات المتحدة لثماني دول، قبل إيقاف الاستيراد من إيران، ومنها تركيا، والصين التي تستورد 23 بالمئة من النفط الإيراني، والهند التي تستورد 21 بالمئة منه؛ خاصة أن صادرات النفط تشكل 90 بالمئة من الدخل القومي الإيراني. وبالتالي فإن إيران مهدّدة في تواجدها في سوريا، خاصة أنه ليس بقوة التواجد في العراق، حيث الأرضية الثقافية والمذهبية الأكثر ملاءمة، ويبدو أنها تضع في حسبانها الانسحاب من سوريا، وهي تعزز تواجدها في سوريا لاستخدامه كورقة تفاوض مع واشنطن. وقد يكون إيقاف طهران للخط الائتماني خطوة للضغط على نظام الأسد، لتحصيل التنازلات، ومنها الحصول على نفوذ في البحر المتوسط، الأمر الذي يشكل بدوره ضغطا على روسيا، للقبول بإعطاء إيران دورا في التسوية السورية، بدلا من التحالف مع العرب، ومع إسرائيل، لطردها، على غرار ما تفعل واشنطن.
مشاركة :