حبيبات البلاستيك قنابل موقوتة تسكن الأجساد البشرية

  • 4/23/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الهواء النقي والماء النظيف والغذاء الصحي مقومات ضرورية ليحيا الإنسان بعيدا عن الأمراض والمتاعب الصحية، لكن هذه المكونات الثلاثة لا يمكن أن توفرها الطبيعة اليوم بعد أن تلوثت بفعل الإنسان نفسه، والملوثات كثيرة وخطيرة ومنها الحبيبات البلاستيكية التي أثبتت الدراسات والبحوث المخبرية أنها متواجدة في الطعام والماء ومؤخرا ثبت بما لا يدعو مجالا للشك ويطلق صفارة الإنذار أن هذه الحبيبات متواجدة أيضا في الهواء الذي نتنفسه، حتى أصبح الإنسان مهددا في وجوده، وهو ما تؤكده كثرة الأمراض وتنوعها جراء التلوث والسم البلاستيكي الذي نصنعه بأيدينا. قال باحثون من النمسا في الشهر الثاني من هذا العام إنهم اكتشفوا جسيمات بلاستيكية داخل جسم الإنسان، كما باتت جزيئات البلاستيك الصغرى منتشرة في السلسلة الغذائية البشرية،على ما أظهرت دراسة رصدت وجود هذه الجسيمات في براز أشخاص في أوروبا وروسيا واليابان.وقبل ذلك، أشار العلماء إلى أن الجسيمات الدقيقة التي يجري استنشاقها كتلك المنبعثة من أدخنة المركبات يمكن أن تجد طريقها إلى الرئتين ثم إلى الدم، حيث تزيد مخاطر الأزمات القلبية. وإذا علمنا، كما أصبح مؤكدا لدى الخبراء، أن الحبيبات البلاستيكية موجودة في المياه المعدنية المعبأة من قبل شركات تدعي أنها تعمل وفق الشروط الصحية العالمية، وأن مياه الحنفية هي أيضا ملغومة بالحبيبات البلاستيكية التي تأتي من فضلات يلقيها الإنسان منها الثياب التي تحتوي على البولستير، فإن الإنسان أصبح كائنا بلاستيكيا، خاصة أن هذه الحبيبات تتواجد أيضا في الغذاء النباتي والبروتينات التي نأخذها من اللحم والسمك. نتنفس البلاستيك أكد باحثون من فرنسا خلال هذا الأسبوع أنهم اكتشفوا أن جسيمات البلاستيك دقيقة الحجم يمكن أن تنتقل عبر الغلاف الجوي إلى مناطق بعيدة جدا عن منشئها، ما يعني أن سكان المدن المكتظة يكونون أكثر عرضة لهذا الخطر. وتوصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد تحليلات قاموا بها في منطقة جبال البرانس الفرنسية، وقالوا إنهم وجدوا أن الجسيمات البلاستيكية موجودة في هذه المناطق بواقع 365 جسيما في كل متر مربع. ولم يعد بإمكاننا الادعاء أن في الجبال والأرياف هواء نقيا نهرب إليه من حين لآخر لنجدد دورتنا الدموية، ونتنفس هواء منعشا، بل بإمكاننا أن نتساءل عن نسبة الجسيمات البلاستيكية الموجودة في هواء المدينة التي يعيش فيهـا أغلب سكـان العـالم؟ووصول الجسيمات البلاستيكية إلى المناطق البعيدة كان بكميات قليلة عبر الأنهار التي تنقل هذه الجسيمات إلى البحر لتكون غذاء للكائنات البحرية فتعود إلينا سما قاتلا في وجبة سمك أو محار نعتقد أنها شهية ونعد لها احتفالا، والحقيقة أننا نحتفل بموتنا البطيء ونستدعي له العائلة والأصدقاء. واكتشف الباحثون الفرنسيون في دراستهم التي نشروا نتائجها في العدد الحالي من مجلة “نيتشر جيوساينس″ المتخصصة، أن الغلاف الجوي طريق مهم في نقل هذه الجسيمات إلى مناطق بكر ونائية عن المدينة الحديثة وما تعنيه من تلوث بيئي. وقام الباحثون تحت إشراف ستيف وديوني ألين، من معهد أبحاث ايكولاب في بلدة قليلة السكان في منطقة جبال البيريني، بفحوصاتهم في هذه المنطقة البعيدة جدا عن المدن الكبيرة والمراكز الصناعية والمساحات الزراعية الشاسعة، وذلك عامي 2017 و2018، وعلى مدى خمسة أشهر شتوية، ليتأكدوا بعدها أن في عصرنا لا تسلم المناطق النائية من التلوث البلاستيكي. واستنتج الباحثون من نماذج حاسوبية أن الجزيئات البلاستيكية تعود لمصادر تقع على بعد يصل إلى 95 كيلومترا من المناطق التي عثر فيها على هذه الجسيمات. والمقصود بالجسيمات البلاستيكية هي الحبيبات التي يقل حجمها عن خمسة مليمترات، وهي تضم بذلك الأجسام البلاستيكية الناتجة عن الاحتكاك في عالم أدوات التجميل وعند الغسيل والألياف الصناعية التي تنطلق في الهواء، بالإضافة إلى الجسيمات البلاستيكية الناتجة عن احتكاك إطارات السيارات بالإسفلت.جسد بلاستيكي العلماء والباحثون في هذا المجال لا يفترضون ولا يتكهنون، بل يبنون نتائجهم على الدراسات والبحوث الميدانية والمخبرية، بمعنى أننا بالفعل أصبحنا نتنفس البلاستيك مع ملوثات أخرى، وليس من المفترض بعد اليوم أن نتساءل عن أسباب وهن أجسادنا، فأغلب سكان المدن خاصة يحسون اليوم بالتعب رغم أنهم لم يبذلوا جهدا يستحق. هذا ما تؤكده طوابير المرضى في المستشفيات والعيادات وأمام الصيدليات، وهذا ما تؤكده الدراسات المتتالية التي تهتم بخطر البلاستيك علينا، ففي السنة الماضية توصل باحثون إلى وجود جسيمات بلاستيكية داخل جسم الإنسان. وإذا كانت هذه الحبيبات صارت قابلة للاستنشاق، فمن غير المستبعد أن تصل إلى الدم ومن ثمة إلى القلب، فقد تمكن العلماء من خلال تجارب استخدموا فيها جسيمات من الذهب فائقة الدقة وغير ضارة من تتبع كيفية استنشاق هذه الجسيمات وانتقالها إلى الرئتين ومن ثم إلى الدم. وقال هؤلاء إن أكثر ما يثير القلق أن هذه الجسيمات والملوثات تميل إلى التجمع في الأوعية الدموية التالفة للأشخاص الذين يعانون بالفعل أمراض الشريان التاجي المسببة للنوبات القلبية وتزيد مخاطر تلك الأمراض.وقال جيرمي بيرسون الأستاذ بمؤسسة القلب البريطانية “لا شك في أن تلوث الهواء قاتل.. وتقربنا هذه الدراسة خطوة نحو كشف غموض كيفية إضرار تلوث الهواء بصحتنا القلبية”. ولطالما عرف الخبراء أن تلوث الهواء يحمل مخاطر صحية جسيمة ويمكن أن يسبب نوبات قلبية مميتة، خاصة وأن الجسيمات الموجودة في الهواء الذي نتنفسه تصل إلى الدم وتنتقل إلى أجزاء كثيرة بالجسم مثل الشرايين والأوعية الدموية والقلب. وفي تجربة أخرى أجراها باحثون نمساويون على ثمانية متطوعين تتراوح أعمارهم بين 33 و65 عاما ويعيشون في قارات مختلفة، وتناولوا خلال فترة التجربة مأكولات معلبة و مشروبات في زجاجات بلاستيكية، وتناولوا أيضا سمكا وفواكه بحر بالإضافة إلى أطعمة نباتية، وكانت النتيجة أنه تم العثور على جسيمات البلاستيك في براز كل المتطوعين. وشرحت بيتينا ليبمان خبيرة تحليلات جسيمات البلاستيك في الهيئة النمساوية للبيئة، أن الباحثين عثروا في المختبر على تسعة أنواع مختلفة من البلاستيك بحجم 50 إلى 500 مايكرومتر. وكانت جسيمات متعدد البولي بروبين والبولي إيثلين الأكثر ظهورا في عينات البراز التي تم تحليلها. وعبرت الباحثة عن اندهاشها هي وزملاؤها بسبب تنوع هذه المواد التي عثروا عليها في أجسام المشاركين في التجربة. ورغم ذلك لم يستطع الباحثون الجزم بأن جسيمات البلاستيك هذه مرتبطة مباشرة بطبيعة غذائهم، ولكن من المؤكد أنّ الجزيئات البلاستيكية لا تهدد الطبيعة فحسب، وإنما جسم الإنسان أيضا. ويحمل هذا الاكتشاف آثارا بعيدة المدى على صحة الإنسان، حيث أكدت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة قد تتسلل إلى الجهاز اللمفاوي والكبد، وقد تكون سببا في حدوث تلف معوي. وقال المشرف على فريق البحث فيليب شوبل من جامعة فيينا “لأول مرة قدمنا دليلا على إثبات وجود البلاستيك الصغير في جسم الإنسان، كان الأمر ولمدة فترة طويلة عبارة عن تخمينات، وقد قدمنا التحليل الذي يؤكد الأمر، من الممكن أن تأتي هذه الجزيئات البلاستيكية الدقيقة من الأغذية البحرية، وقد تأتي أيضا من الطعام المغلف بالمواد البلاستيكية”. ماء وملح سلسلة الدراسات التي تعنى بخطر البلاستيك أصبحت تعتبر بمثابة التحليل المخبري لوجبة الطعام التي نتناولها فرادى وجماعات في لمة عائلية أو مع الأصدقاء، لتثبت لنا أنه من المستحيل على الناس تجنب تناول الطعام أو شرب الماء أو حتى استنشاق الهواء دون أن تكون ملوثة بالمواد الكيميائية الضارة للجسم وما تخلفه من مخاطر العدوى البكتيرية، وبكل ما يقوم بإثارة بطانة القناة الهضمية والتأثير على الاستجابات المناعية. وأثبتت اختبارات أجريت على قناني مياه معبأة تحمل عدة علامات تجارية، وجود جسيمات دقيقة من البلاستيك في كل القناني تقريبا، ناهيك عن احتواء 83 بالمئة من مياه الحنفية في العالم على جسيمات بلاستيكية دقيقة. واكتشفت هذه الاختبارات وجود ما معدله 10 جسيمات بلاستيكية لكل لتر نعتقد أنه ماء معدني صحي، ويبلغ عرض كل جسيمة أكبر من عرض شعرة بشرية واحدة. وقالت شيري ماسون أستاذة الكيمياء في جامعة ولاية نيويورك، التي أجرت الاختبارات، “لقد وجدنا البلاستيك في زجاجة تلو الأخرى وفي علامة تجارية تلو الأخرى”.وأضافت لـ’بي بي سي’ “ليس الأمر متعلقا بتوجيه أصابع الاتهام إلى علامة تجارية بعينها. هذا يظهر أن هذه الحبيبات في كل مكان. هذا البلاستيك أصبح مادة منتشرة في مجتمعنا وينتشر في المياه من كل المنتجات وعلى مستوى المواد الأساسية التي نستهلكها”. ورغم هذه النتائج، مازال الخبراء ينصحوننا بشرب الماء المعدني المعبأ في القناني البلاستيكية، لأن مياه الحنفيات تكون ملوثة في غالب الأحيان، ففي 2017، وجدت البروفيسور ماسون جسيمات بلاستيكية في عينات من مياه الحنفية، بينما وجدها باحثون آخرون في مأكولات بحرية وفي الجعة وملح البحر. وقام باحثون بتحليل 159 عينة من مياه الصنابير في 12 بلدا مختلفا من القارات الخمس، ونتيجة لذلك، تبين أن 83 بالمئة من العينات التي تم اختبارها تحتوي على كميات هامة من البلاستيك. وحول مصدر هذه الحبيبات البلاستيكية في مياه الشرب، يشير الباحثون إلى أن ملابسنا المصممة من الأكريليك أو البوليستر تحتوي على ألياف بلاستيكية مجهرية. وهذه البلوزات والقمصان والثياب التي نعتقد أننا رميناها بعيدا، توفر ما يقارب 1 مليون طن من الألياف البلاستيكية سنويا. وإذا كانت مياه الحنفية ومياه الأنهار ملوثة والأرض أصبحت حبلى بالمخلفات البلاستيكية، فإن الخضر والنباتات التي نستهلكها ستكون حتما ملوثة.والمثير للاهتمام، أن هذه الألياف البلاستيكية رقيقة جدا، إلى درجة أن بإمكانها عبور جدار الأمعاء وتفريغ البكتيريا في الجهاز الهضمي. وقد اكتشفت دراسات كثيرة خضعت لها الحيوانات البحرية مدى قدرة هذه الألياف على نقل الميكروبات، إذ أن هذه الألياف تخبئ الميكروبات إلى أن يتم نقلها إلى جسم الإنسان. ويقول الخبير شيري ماسون، المتخصص في صناعة المعادن الدقيقة في جامعة ولاية نيويورك، “لدينا ما يكفي من البيانات حول تأثير ذلك على الحياة البرية، وبالتالي كيف لن يؤثر علينا نحن البشر؟”. ومن بين هذه الدراسات أظهرت واحدة شارك فيها علماء من فرنسا وماليزيا ضرر البلاستيك على الإنسان بشكل مباشر. ووجدت أن لحم السمك يحتوي على جسيمات بلاستيكية دقيقة من النايلون، البوليستيرين والبولي إيثلين، ما دفع الباحثين إلى التحذير من خطر البلاستيك، الجاذب للسموم، الموجود في البيئة المحيطة بالإنسان ومن خطر انتشاره في الجسم البشري. وانتشار الجسيمات الدقيقة البلاستيكية، الواسع، في المياه، يؤدّي إلى نقل الملوثات لأجسام مجموعة متنوعة من الكائنات المائية، بما في ذلك تلك التي تباع للاستهلاك البشري، مثل السمك والمحار.وأوضح العلماء أن توفر الجسيمات الدقيقة وسيلة سهلة لنقل المركبات السامة الأخرى، مثل المعادن الثقيلة والملوثات العضوية الثابتة، إلى أجسام الكائنات الحية، وعند ابتلاع هذه المواد الكيميائية، يتم إطلاق الملوثات السامة في جسم الإنسان. كما وجد علماء وباحثون، بعد قيامهم بدراسة على مياه البحر، جسيمات بلاستيكية صغيرة في ملح البحر، وهي من البلاستيك الذي نستخدمه في حياتنا اليومية. وذكر باحثون ألمان أنه تم العثور على جسيمات بلاستيكية في ملح “فلور دي سيل” وهو ملح يتشكل على مياه البحر المتبخرة. وقالت بابرا شولتز بوتشر، من معهد الكيمياء البحرية والبيولوجيا بجامعة أولدنبورغ في ألمانيا بعد تحليل العديد من عينات الملح، “هذه هي نتيجة استخدامنا المطلق للبلاستيك”. وصنفت البلاستيك، الذي تم العثور عليه، بأنه بوليثين وبولي بروبلين وبولي ايثلين تيرفثالات، وهو البلاستيك المستخدم في التعبئة والتغليف والأقمشة الصناعية مثل الصوف. وبدوره لم يتفاجأ جونار جيردتس، الخبير البيولوجي في معهد “ألفريد فيجنر” في جزيرة هيليجولاند في بحر الشمال بهذه النتائج. وأضاف “حتى الآن، ليست لدي أي عينة واحدة، لم أجد فيها جسيمات بلاستيك صغيرة، بكميات مختلفة بالطبع″. وقال أليستير بوكسال الأستاذ المحاضر في جامعة يورك البريطانية “ليست الاستنتاجات المتعلقة بالحبيبات البلاستيكية مفاجئة”، مذكرا بأنه تمّ العثور على البلاستيك في مياه الصنابير والعبوات والسمك وحتى البيرة، لذا ليس من المستغرب أن ينتهي جزء منه في جهازنا الهضمي.

مشاركة :