تفطنت السلطة الجزائرية، إلى أن الحراك الشعبي الذي غذّته مدرجات ملاعب كرة القدم، يمكن أن ينتهي فيها أيضا، عبر توريط جمهور أكبر النوادي شعبية وعراقة ورمزية في البلاد، في أتون لعبة قذرة أوكلت لمن يسمى بـ“عراب البلطجة”. وهكذا أعيد عمر غريب بتوجيهات عليا إلى رئاسة نادي مولودية الجزائر، بغرض جرّ الجمهور العريض إلى لعبة كسر الحراك من الداخل. فخبر تعيين الرئيس القديم الجديد غريب، على رأس نادي مولودية الجزائر لكرة القدم، نزل كالصاعقة على أنصار النادي العاصمي، وأثار لغطا كبيرا في الشارع الكروي والسياسي في البلاد، نظرا إلى ارتباط الرجل بممارسات مشبوهة تتنافى ورسالة الحراك الشعبي المناهض للسلطة. ويذكر العديد من نوادي الأنصار، بأن عودة غريب، على رأس النادي بإيعاز من جهات فوقية، هي محاولة لتوريط شعبية النادي في الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد من مطلع شهر فبراير الماضي، عبر استغلال أنصاره في أجندة تستهدف النيل من الحراك الشعبي، الذي بات يفرض نفسه على السلطة ويطيح برموزها تباعا. وقد أعلن نادي المولودية الناشط على شبكة الإنترنت، مقاطعته لمباريات النادي، احتجاجا على تعيين الرجل الذي أساء لسمعة المولودية ولأنصارها، بتصرفات مشبوهة حاولت تحويل النادي التاريخي إلى ذراع شعبية مؤيدة للسلطة. سوناطراك تواجه الحراك الشعبيمع ترحيب محبين للنادي، بالتعيين المفاجئ لغريب، لقدرته على المناورة في كواليس اللعبة، وإمكانية التتويج بلقب الدوري، نكاية في الغريم اتحاد الجزائر، المملوك لرجل الأعمال المسجون حاليا علي حداد، إلا أن قطاعا عريضا من الأنصار استغرب القرار الذي أقدمت عليه شركة سوناطراك النفطية المالكة للنادي. ويعدّ الرئيس القديم الجديد، في أكبر النوادي الجزائرية شعبية وعراقة، من الشخصيات المثيرة للجدل، بسبب تواضع رصيده العلمي والأكاديمي، قياسا بشخصية النادي، الذي تأسس العام 1921، من طرف عدد من المناضلين كعبدالرحمن عوف، بغية أجل أداء رسالة ثورية وتحررية بواسطة كرة القدم. ويرى متابعون لشؤون الكرة المستديرة في الجزائر، بأن عودة غريب، الى رئاسة النادي العاصمي، هي واحدة من المناورات التي تنتهجها السلطة، من أجل تدمير الحراك الشعبي من الداخل، أملا في استغلال الشعبية الكبيرة للنادي في تقليص الزخم الذي حوّل العاصمة وكبريات مدن البلاد، إلى لوحات شعبية ترسم يوميا وأسبوعيا، من أجل ترحيل السلطة السياسية القائمة. ويرى هؤلاء، بأن عمر غريب، يعدّ إحدى الأذرع المؤيدة للسلطة وللرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة تحديدا، ولذلك يتم الاستنجاد به في هذه الظروف الحساسة التي تهدد بنيتها ومواقعها، في ظل التساقط المتتابع لرؤوسها، عبر محاولة يائسة لجرّ أنصار النادي لضرب الحراك الشعبي من الداخل. ورغم أن الأمر يتعلق بلعبة كروية، إلا أن الضالعين في شؤون النادي، يعتبرونه عيّنة مصغّرة للسلطة، فالفريق لم يبرح دائرة الأزمات والمؤامرات والانقلابات والضغوطات منذ سنوات الاستقلال الأولى، وباستثناء تتويجه بالكأس الأفريقية العام 1976، فإن نتائج النادي لا تعكس حجم الإمكانيات المرصودة له من طرف سوناطراك. تبقى مولودية الجزائر، إحدى البؤر المعقّدة في الرياضة السياسية، فبواسطة المولودية تنفذ مختلف الأجندات السياسية، عبر الشخصيات الناشطة في النادي، في حين يلف الإقصاء والتهميش كل من يريد إبعاد النادي عن التجاذبات والولاءات السياسية، لأن المسير الحقيقي له يبقى خلف الستار، كما بقيت الدولة بأكملها تسير من وراء الستار طيلة سبع سنوات كاملة. ميدان نضاليويذكر الأنصار الدور الذي كان يلعبه المسؤول السامي في رئاسة الجمهورية والدبلوماسي السابق رشيد معريف، في إدارة شؤون النادي عن بعد خلال السنوات الماضية، قبل أن تنتقل المأمورية إلى مقرّبي الرئيس بوتفليقة. وفيما كانت الأنظار متّجهة الى الطاقم الذي عيّنته الشركة المالكة، بقيادة النجم السابق زوبير باشي، باعتباره أحد الوجوه البارزة كرويّا وأكاديميّا، القادر على استعادة أمجاد الفريق، بعد التذبذب المسجل في عهدة الرئيس المقال كمال قاسي سعيد، جاء القرار المثير والمرفوض شعبيّا ورياضيّا. وكانت استقالة الطاقم المذكور أولى ردود الفعل في بيت النادي، حيث عبّر زوبير باشي، عن رفضه العمل مع الرجل، كما انتفضت مجموعات الأنصار ضد القرار واعتبرته مناورة قذرة يراد من ورائها استغلال النادي في لعبة سياسية، وإدخال أنصاره في صدام مع إرادة الحراك الشعبي. مولودية الجزائر، التي استلهمت اسمها من ذكرى المولد النبوي الشريف الذي صادف يوم تأسيسها العام 1921، تعتبر إحدى القلاع التاريخية والرمزية في البلاد، وبقدر ما هي ناد رياضي، فهي جزء من ذاكرة النضال من أجل الحرية، الذي انخرط فيه الجزائريون بكل الوسائل والفئات الاجتماعية، بما فيها كرة القدم، ويُعرف النادي بعدة أسماء رمزية كـ”العميد” و”نادي الشعب” و”فريق الزوالية” أي “الفقراء”، ويستقطب أعدادا كبيرة من الأنصار في العاصمة ومختلف ربوع البلاد، ويعرفون في قاموس الإعلام الرياضي بـ”الشناوة ” أو “الصينيين”، وهي ورقة تستهوي السلطة في استمالة ذلك التعداد لأجنداتها، لكن يبدو أنها أخطأت العنوان، فإعادة غريب، إلى الواجهة ستؤدّي لها دعاية عكسية، أو أنها لم تجد من يضطلع بالمأمورية القذرة. مانديلا الفاسد الرجل الذي شبّه نفسه بالمناضل العالمي نيلسون مانديلا، حين سئل عن أسباب سجنه، واقترح إقامة تمثال لنفسه في ضاحية باب الوادي “قلعة النادي”، يعكس الشخصية النرجسية والمنفصمة، فبدل أن يقرّ بأنه حكم عليه بـ18 شهرا سجنا نافذا بتهمة التعاطي والاتجار في المخدرات، قارن نفسه بمانديلا الذي أفنى 25 عاما من حياته في سجون نظام الأبارتايد العنصري من أجل حرية شعبه وبلده. واذا كان هناك شخص يستحق تمثالا بالفعل، فهو مؤسس النادي عبدالرحمن عوف، الذي باع بيته في حي القصبة من أجل تأسيس فريق كرة القدم لأبناء الأهالي الجزائريين، لأن النوادي الفرنسية خلال فترة الاستعمار كانت ترفض احتضان نواديها للاعبين جزائريين. تجارب قيادة غريب للنادي في مرحلة سابقة، أثبتت أنه صبغ بسلوكياته الرعناء سمعة النادي، وسنده في ذلك القوة التي كانت تدعمه في الخفاء، فأدار أموال سوناطراك التي يعيش الجزائريون من ريعها بطرق مشبوهة وملتوية، وكثيرا ما استفز الشارع المنافس بتصريحاته المثيرة، لكن لا أحد وقف في وجهه، لأنه كان يمثّل صوت مؤسسة الرئاسة في مولودية الجزائر. ورغم الإهانة الكبيرة التي وجهها العام 2013 لكل الوفد الرسمي الذي كان في منصة ملعب “5 جويلية”، حين رفض صعود لاعبي النادي ومسيّريه ومدربيه من أجل استلام الميداليات الفضية بعد هزيمته في مباراة السوبر ضد الغريم اتحاد الجزائر، إلا أن قرارا صدر من أعلى سلطات البلاد لإسقاط كل العقوبات التي سلطت عليه من طرف الهيئات الرياضية الوصية. ويتذكر الشارع الكروي في الجزائر، كيف كان وزير الشباب والرياضة آنذاك، صحبة رئيس الاتحاد السابق محمد روراوة، يتوسلان إليه من أجل الصعود إلى المنصة، وعدم إحراج الوفد الرسمي، خاصة وأن التتويج كان منقولا على المباشر في التلفزيون الحكومي، إلا أن إصرار الرجل كان أكبر منهم، وألحق بذلك صورة سيئة بالرياضة وبالأخلاق الرياضية، ولم يأبه بتداعيات تصرفه، لقناعة لديه بأن سنده في السلطة سيعيد له الاعتبار. وكشفت التسريبات بعدها، أن غريب، رفض الصعود إلى المنصة، وتعمّد تشويه سمعة أعرق النوادي في البلاد، بسبب غياب الرئيس بوتفليقة عن المنصة، حيث كان حينها يعالج في مستشفى فال دوغراس بفرنسا بعد إصابته بجلطة دماغية، وأن الرجل حضّر هدية خاصة لرئيس البلاد، وحين غاب الأخير غاب معه احترام برتوكول الدولة. مبتكر حضور بوتفليقة الرئيس العائد لـ”العميد”، هو مبتكر طريقة تتويج بوتفليقة بالأطر والصور في غيابه، والتي تحوّلت إلى موضة، ثم الى فضيحة سياسية بمرور السنين، فالرئيس ظل غائبا طيلة السنوات السبع الماضية، حيث كانت هدية عمر غريب حينها، إطارا يحمل صورة بوتفليقة وصينية برونزية. وهو يعتبر أول رئيس نادي رياضي، يقدم هدية نوعية للرئيس السابق بوتفليقة، عندما غطت لافتة كبيرة جزءا من سطح ملعب “5 جويلية” ومدرجاته، تدعم وتؤيد ترشيحه آنذاك للولاية الرئاسية الرابعة، رغم الصخب السياسي القائم وقتها في البلاد برمتها.وذكرت مصادر مطلعة حينها، أن رئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال، تدخل بصفة شخصية لدى رئيس الاتحاد الأسبق محمد روراوة، من أجل إعادته إلى الساحة، وهو ما مكّنه من العودة إلى قيادة النادي العام 2017، ولم يكن حينها يتوانى عن انتقاد حتى مسؤولي الشركة المالكة، في استعراض غير مباشر لأوراق النفوذ. ورغم عقوبات الإيقاف النهائي من النشاط الرياضي، التي سلطت عليه العام 2013، والسيرة المشبوهة في شخصية الرجل وطريقة تسييره للفريق، إلا أن القوة الخفية شطبتها من سيرته تحسبا للاستعانة به في أي وقت من الأوقات، وهو ما حدث خلال الأيام الماضية حين أقرّ الرجل الأول في سوناطراك عبدالمومن ولد قدور بأن “القرار فوقي ويتعداه”، وهو ما يوحي أن موعد المأمورية الجديدة قد حان، رغم أنه لم يمر إلا 18 شهرا على آخر إدارته لشؤون “العميد”. وإذ يتخوف المتابعون من خطر توظيف الرجل لـ”أشباه الأنصار”، الذين يوظّفهم في تنفيذ أجندته وتحويلهم إلى “بلطجية” يعكرون صفو تظاهرات الحراك الشعبي وسلميّتها، من أجل تشويه صورة الهبة الشعبية المناهضة للسلطة وسمعتها، فإن يقظة الأنصار وعشاق النادي أطلقت أجراس الإنذار لتفويت الفرصة على هؤلاء، وأعلنوا براءتهم على شبكات التواصل الاجتماعي من المناورة التي يحيكها الرجل ضد الحراك وضد النادي. ورغم الإغراءات التي أطلقها للأنصار من أجل الالتفاف حول المولودية، ووعده المبكر بتحقيق لقب الدوري، عبر لعبة الكواليس وترتيب النتائج، لاستقطاب الأنصار وإفراغ الحراك من زخمه الشعبي، إلا أن أصوات المقاطعة وعدم الانجرار وراء اللعبة، تملأ فضاءات مجموعات الأنصار، الذين يؤكدون على أن الأولوية الآن لتحرير البلاد من العصابة، وليس للفرجة الكروية حتى ولو برمجت مباريات النادي في يوم الجمعة، الذي ينتفض فيه الشارع الجزائري في مسيرات مليونية مناهضة للسلطة.
مشاركة :