الأدب الهندي..السحر بالكتابة

  • 4/24/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود قديمة هي حكاية الأدب الهندي، فقد شهدت شبه القارة القابعة في آسيا أشكالاً من الحركات الأدبية تعود بداياتها إلى ما قبل 3000 عام، فلا شك أنها قصة حافلة بالغرائبية والدهشة والسحر والجمال الذي يليق بالهند، فقد جرت على نهر ذلك التاريخ من الأدب موجات من الإبداعات الأدبية الهندية الخالصة، منذ الأعمال الكلاسيكية، وتلك التي تنتمي إلى الديانات الهندوسية والبوذية والجانية والسيخية، وهنالك أدب بلاط ملوك الهند والشعر الشفاهي التقليدي والأغاني، وكان الإلقاء هو وسيلة وطريقة تناقل الأدب في عصور سابقة ندرت فيه القراءة والكتابة بين الطبقات الدنيا في الهند على الرغم من تفشي الأمية، إلا أن عشق الأدب والشغف به ظل حاضراً في حياة الناس، فقد كانت النصوص الأدبية القديمة، والقصص المستقاة من الأديان المختلفة طويلة، لكن رغم ذلك كانت تحفظ عن ظهر قلب، ويتم تناقلها شفاهة عبر الأجيال المختلفة، الأمر الذي خلق حالة أدبية مستمرة على مدى العصور والأجيال، مما جعل هنالك تراكماً كبيراً في الأدب بأنواعه وأجناسه التي كانت سائدة، كما أن هنالك ذائقة جمالية جعلت الانتقال من مرحلة إبداعية إلى أخرى غاية في اليسر والقبول، وقد عبر الأدب الهندي كل تلك المراحل إلى أن حط رحاله في عصر الشعر والنثر الحديث والقصة والرواية وجميع الأشكال الإبداعية المعبرة عن الحياة المعاصرة، والتي تفجرت وتنوعت وتعددت، ولكن كان لها أساس متين في التراث والتاريخ القديم، فكانت تلك الأنماط الأدبية الحديثة امتداداً لما عرفته الهند من أدب وإبداع طوال تاريخها، وتلك المعاصرة التي وصل إليها الأدب الهندي الحديث، لم تستطع أن تنزع دسامة وعبق النصوص القديمة التي مازالت حاضرة بين الهنود الذين عشقوها فخلدوها وخلدتهم بدورها، ليعيش القديم مع الجديد متجاورين في سلام وتسامح يشبهان أرض الهند وما يسود فيها من تعدد طائفي وديني ومذهبي، وفي ذات الوقت تسامح اجتماعي. وهناك ثلاث مراحل مهمة في تاريخ الهند، مثل: الفترة السنسكريتية، و«البوذية»، و«الجانية»، وقد امتدت حتى القرن الحادي عشر الميلادي، ثم كان المنعطف الكبير مع أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وخلالها تطوّرت اللغات الإقليمية، فكانت المرحلة الحديثة، والتي عبرت عن نهل الأدب الهندي من الثقافة الأوروبية. والتي شهدت تطوراً كبيراً في اتجاهات النثر والشعر الحديث والسرد. الفلسفة والأدب الملاحظة اللافتة أن الأدب الهندي ارتبط منذ بداياته بالفلسفة، أو الحكمة والدين، فقد تشكلت البدايات في حاضنة «الفيدا»، والتي تعني المعرفة، وهي في الأساس سلسلة من النصوص المقدسة لدى الهنود، تستعمل عند ممارسة الطقوس والقرابين الوثنية، وهذه «الفيدا» مازالت حاضرة لكونها مستمدة من المعتقدات الهندوسية، وكانت تلك النصوص نثرية في طبيعتها، وتهتم بمسألة التأمل في العلاقة بين الإنسان والكون، وتطرح الأسئلة في سياق روحي جمالي إلى أن ظهر الشعر الملحمي، وتبرز هنا قصيدتان من هذا النوع الشعري الهندي كتبتا بالسنسكريتية في مرحلة ما بعد «الفيدا»، وهما: قصيدة المهابهاراتا، والتي تعني «حرب التوابل الكبرى»، وقصيدة «الرامايانا»؛ أي «قصة راما». وتتكون قصيدة المهابهاراتا من 100,000 بيت، وقد صنفت كأطول قصيدة في العالم، وهي تحكي ملحمة صراع حامي الوطيس دار بين فريقين في الأسرة المالكة على خلافة العرش وهما: «البندافاس» و«الكاورافاس»، فيما تحكي «الرامايانا» عن الملك الصالح راما وحربه ضد الشر، ولهذين القصيديتن تأثير كبير على الأدب الهندي مازال ماثلا، حيث إن النصين هما في الأصل يعبران عن جوانب من السير في المعتقدات القديمة التي مازالت سائدة، لذلك فإن للأدب الهندي خصوصيته الشديدة، فهو مستمد من المعتقدات، وهي لم تنته حيث مازالت تعتنق في أجزاء غالبة من الهند، بالتالي هذا يعني بقاء النبع القديم للأدب الهندي إلى جانب الآداب الجديدة الحديثة، وتلك فرادة يتميز بها هذا الأدب الذي يتصف بالتنوع والثراء الشديد، وذلك لتعدد مصادره التاريخية وانفتاحه في ذات الوقت على الحديث، لذلك نرى الكثير من الأعمال الشعرية السردية التي تحمل ذلك الهجين الجمالي الناتج عن المزاوجة بين التراث والمعاصرة في الأدب الهندي. الحداثة الأدبية تمضي رحلة الأدب في الهند من الماضي والحاضر، وكأنها كرة ثلج تتدحرج فتكبر، فهو أدب يتأثر بالجديد ولا ينغلق على ذلك التراث رغم عظمته الأدبية، والذي أنتج ثقافة مجيدة في بلاد الهند، ففي كل مرحلة ومنعطف يمر به؛ فإن الأدب الهندي يتغذى بتفاصيل إبداعية جديدة، فالهنود قد دخلوا مرحلة الحداثة الشعرية وهم يستندون إلى ذلك التراث المجيد، والذي أعانهم على الإقبال على أدب الغرب الذي ساد العالم، فقد تأثرت النخبة المتعلمة بالثقافة والآداب الغربية منذ مطلع القرن التاسع عشر، فكانت فتنة تلك النخبة المتعلمة شديدة بتلك الثقافة وبنمط العيش الغربي، وكان بعض الهندوس من الإصلاحيين؛ يدفعون بأبنائهم من أجل أن ينالوا قسطاً من التعليم الغربي فتأثروا تحديداً بالأدب البريطاني، والذي كان بوابة الهنود نحو مجمل الأدب الغربي. وكانت هنالك حركة ترجمة نشطة للأدب الإنجليزي لمختلف لغات الهند، ومن هنا تحديداً، وعبر التقليد، بدأت حكاية الهنود مع النثر الذي انتشر بشكل واسع وباللغات المحلية، وسادت الرواية والقصة الطويلة والقصيرة في تلك المرحلة، وهي أجناس لم تكن معروفة بشكلها الحديث، ولكن الملاحظة المهمة هي أن الشعر ظل على طبيعته المحافظة في الهند، وهذه مسألة ردها الكثير من النقاد والباحثين إلى وفاء الهنود لطريقة النظم القديمة كجزء من ولائهم لمعتقداتهم، فقد كان الشعر يدخل فيها بقوة، لذلك حافظ النظم الشعري على الأشكال الفنية المعروفة في صورتها التقليدية، لكن ذلك الشعر في معماره القديم احتشد بالكثير من القيم والمعاني التي تتلاءم وتتفق مع روح العصر والحداثة، وتلك مزاوجة أقدم عليها الأدباء والشعراء الهنود بروح مبدعة أنتجت الكثير من الأعمال المجيدة في مجال الشعر، وتعايشت المدارس القديمة مع الجديدة لتشكلا معا ملامح خصوصية أدبية وشعرية هندية. وقد ساد عدد من التيارات الهندية في الأدب في تلك المرحلة، توزعت بين مجموعة حولت التعلق بالتراث إلى شكل من أشكال عاطفة الحنين إلى الماضي وحافظت على ما هو قيم في ذلك التراث القديم، ومجموعة أخرى مالت نحو الأدب الصوفي والذي جاء كمعادل للمزاج الرومانسي الذي ساد في أوروبا، ثم جاء التيار الإنساني والذي نهل من معين المهاتما غاندي الذي خلق معادلة الالتزام الاجتماعي العصري والأخلاقيات التقليدية، وقد سرت تلك الأفكار التي غرسها المهاتما بعمق في الهند في الفترة التي قادت إلى استقلالها عام 1947م. ويعكس أدب النصف الأول من القرن العشرين هذا الأثر بصورة واضحة، فقد كان غاندي منتمياً للموروث الثقافي الهندي القديم، غير أنه لم يكن منغلقا البتة، فقد عرف أن الكثير من مناحي الحياة في بلاده في حاجة إلى الإصلاح، فكان أن لجأ إلى المزاوجة بين القديم والجديد، فصار هنالك ما يعرف بالواقعية الاجتماعية، وهي التيار الأقوى ضمن منظومات ومدارس الأدب الهندي، وقد استهل غاندي ذلك التيار عبر كتابته للسيرة الذاتية، عندما بدأ في كتابة قصة حياته بلغته الأم «الكجراتية»، ونهل الكثيرون من معين غاندي خاصة الأدباء الذين كتبوا عن الفقر، والظلم الاجتماعي، والبؤس وحياته وتأثيرها على الهنود، فأنتجت الكثير من الأعمال الروائية والقصصية التي تدور حول تلك المواضيع الاجتماعية، وقد برع في هذا المجال بصورة خاصة الكاتب بريشاند «1881- 1936م»، والذي اشتهرت أعماله داخل الهند بصورة كبيرة، فقد كان أول وأشهر الكُتّاب الذين طرقوا مجال القصة القصيرة وبرعوا فيها، وهو من الذين كتبوا باللغتين الهندية والأوردية، وقد اشتهرت بصورة أكثر خصوصية روايته المعروفة هناك والتي تحمل اسم «جودان»، وهي تعني هدية البقرة، وتتناول في قالب اجتماعي حكاية فلاح حاصرته الديون، وكيف أنه ظل يعمل ويناضل من أجل البقاء. ورغم أن تلك الاتجاهات الثلاثة كانت سائدة، غير أن ذلك لم يمنع بروز بعض التيارات الأخرى كالماركسية والوجودية. تلاقح انتعشت الأجناس الأدبية بخلاف الشعر بفعل هذا التلاقح الحضاري الخلاق بين الهند بكل موروثها، والثقافة الغربية بجديدها، فظهر السرد بكل أنواعه بشكل قوي، ولعل ذلك الثراء في المصادر التي أخذ منها الأدباء الهنود، قد أسهم في وجود أدباء مختلفين من نوع خاص، وبثقافة واسعة استطاعوا أن يخترقوا العالمية، ويقدموا أنفسهم للأدب في كل العالم عبر الكتابة بلغة المستعمر الإنجليزية، فظهر أدباء بحجم «آر كي نارايان»، و «أنيتا ديساي» و«أويتاف غوش»، و«أرونداتي رُويْ»، فقد أنتجوا في مجال السرد والرواية أعمالاً صار يشار إليها ضمن كلاسيكيات الأدب العالمي، وتصدرت تلك الروايات قوائم أفضل الكتب مبيعا على المستوى العالمي، وعلى يدهم بدأ تاريخ جديد للأدب الهندي وتشكل الاتجاه الحديث في الكتابات الإبداعية. وكانت أولى القصص التي كتبت باللغة الهندية بقلم بانكيم شاندرا شاترجي، ومازالت قصصه تُقرأ بشكل واسع، وصارت الهند معلما بارزا من معالم الأدب العالمي عبر هؤلاء الروايين وكتاب القصة القصيرة، وكذلك الشعراء الذين أجادوا توظيف الأساليب الأدبية الجديدة في نصوصهم، لكن القصيدة القديمة حافظت كذلك على توهجها، خاصة أنها تجد القبول الكبير وسط الناس، وربما كان من أوائل تلك الإشراقات في مجال عالمية الأدب الهندي بروز الشاعر العظيم طاغور الذي فاز بجائزة نوبل للآداب. أدب إسلامي وسط هذا الأرخبيل الأدبي والثقافي الذي تعج به الهند ويميز آدابها، كان للأدب الإسلامي وجوده وخصوصيته، حيث إن الكثير من السلالات الإسلامية قد حكمت الهند، وكان ذلك مع بداية مجيء المسلمين إليها في القرن الثامن من الميلاد، وكانوا في معظمهم يتحدثون الفارسية والتركية، وظهر شعراء البلاط، حيث كانوا يلقون القصائد في أغراض الشعر المتعددة مثل المدح والغزل، ومن أبرز هؤلاء الشعراء هنالك أمير خسرو، والذي كان متعدد المواهب، فهو بارع في الموسيقى وعدد من الفنون كبراعته في نظم الشعر، بالتالي فإن التأثير الإسلامي في الأدب وبقية الفنون على الهند كان كبيرا، وهذه العملية زادت من تنوع وثراء الثقافة الهندية، التي تقدم اليوم أجيالا من الأدباء المميزين في شتى مجالات الإبداع الأدبي، وبصورة خاصة في مجال الرواية. وجوه كثيرة هي الأسماء التي اشتهرت في سماء الإبداع الأدبي في الهند، ولكن بصورة خاصة برز طاغور «1861 1941»، شاعر الهند العظيم، وهو الذي قادها نحو معانقة جائزة نوبل لأول مرة، الأمر الذي سلط الأضواء نحو الأدب الهندي، وقد كان طاغور متعدد المواهب، فهو شاعر ومسرحي وروائي وهو كذلك فيلسوف ترك للتراث الإنساني أكثر من 1000 قصيدة شعرية و25 مسرحية، و8 مجلدات قصصية و8 روايات، إضافة إلى عشرات الكتب، فضلا عن مجموعة شذرات تحمل عنوان «يراعات» وقد درس اللغة السنسكريتية لغته الأم وآدابها واللغة الإنجليزية؛ وأنشأ مدرسة فلسفية معروفة باسم «فيسفا بهاراتي» أو الجامعة الهندية للتعليم العالي في عام 1918 في إقليم شانتي نيكتان غرب البنغال، وقد نال جائزة نوبل عن مجموعته الشعرية «جيتانجالي»، والتي تعني «عروض غنائية». وأستطاع طاغور في طريقته وأسلوبه الإبداعي أن يمزج بين التقليدية والحديثة ويُعطي طابعه الديني صدى للشعر الغنائي «الباكتي» و«الباولي». عميدة الأدب تعتبر أنيتا ديساي، عميدة الأدب الهندي، وهي من الذين خاضوا تجربة الكتابة باللغة الإنجليزية، وأصدرت أولى مجموعاتها القصصية وهي في سن التاسعة، وتعد إحدى أهم كتاب شبه القارة الهندية الأحياء الذين يكتبون باللغة الإنجليزية. ومن أهم أعمالها الروائية «صرخة الطاووس» و«نار فوق الجبل»، ومن أعمالها القصصية «غبار الماس»، ورشحت ثلاث مرات لجائزة البوكر للرواية. حائزة على جوائز إبداعية منها جائزة الأكاديمية الوطنية للأدب 1978، وجائزة ألبرتو مورافيا الإيطالية للأدب، وجائزة صحيفة الجارديان لأدب الأطفال 1983. المجتمع الحقيقي يعتبر أر كي نارايان من أكبر روائيي الهند في القرن العشرين وأكثرهم شهرة، وقد كان في طليعة الأدباء الهنود الذي كتبوا الأدب باللغة الإنجليزية، فعمت شهرته وتجاوزت حدود الهند إلى رحاب العالمية، ولم يكن ذلك الأمر مصادفة فقد تفرغ الرجل للكتابة بصورة مطلقة منذ أوائل ثلاثينات القرن الماضي، وتنبع أهمية مؤلفاته بشكل خاص من خلال الموضوعات التي ظل يشتغل عليها، حيث كان معبرا عن التطلعات الهندية في الانعتاق من نير الاستعمار البريطاني، ولما كان شبح مخاطر تقسيم الهند إلى دولتين على أساس ديني، مسيطراً على الكتاب الهنود الكبار، وقد انعكس على كتاباتهم في مختلف أنواع الأدب وبصورة خاصة في الرواية، والتي صارت المعبر الأكبر عما يعيشه ويعانيه المجتمع الهندي، إلا أن ما يميز نارايان أنه لم يشارك بشكل فج وأيديولوجي عبر كتاباته في تناول تلك القضايا، التي امتزج فيها الإبداع بالنضال والأدب بالايديولوجيا. بل نهج طريقاً مختلفاً تماماً عندما اتجه نحو الكتابة عن الريف، وتناول همومه ومشاكله حيث كان يعتبر أن الريف هو نموذج المجتمع الهندي الحقيقي، لكونه غارقاً في التقاليد العريقة التي تنهل من الموروث الهندي العريق والقديم، وهو بذلك يمثل روح الهند وهويتها بتقاليده العريقة الضاربة في القدم كان في اعتقاده مثل الروح الحقيقية للهند، لذلك اشتهر بالكتابة عن «مالغودي»، قرية هندية صغيرة، لم تكن موجودة على أرض الواقع، بل تخلقت وقامت عبر خيال نارايان، ولقد رسم ذلك الخيال الجامح شوارع القرية ومرافقها ومبانيها الرسمية ومحطة السكة الحديد فيها، وشخصياتها الكثيرة، التي تضم موظفين صغاراً وشباناً طموحين وآخرين كسالى وآخرين انتهازيين وغيرهم شرسين ومشاغبين وجبناء وعاطلين من العمل ومتسكعين، وعبر تلك العوالم ظهرت الشخصية الفنية المميزة للأديب الكبير، والذي يخلد اسمه الآن بين أفضل الروائيين العالميين.

مشاركة :